مـوقع دائرة الثقافة القرآنية -متابعات-21جمادى الأولى 1442هــ
القدرة التي تمتّع بها الحاج الشهيد في تنسيق وإدارة معركة الدعم في العراق وفي سوريا ضد داعش، شكّلت إنجازاً تاريخياً تجاوز كلّ الحسابات والمعادلات التقليدية، تبعاً لتاريخ المعارك والحروب.
شارل أبي نادر *
كلّ من تابع الحرب على سوريا منذ بدايتها، لم يكن ليصدّقَ ما آلت إليه الأمور اليوم، لناحية صمود الدولة السورية وانتصارها، هي وحلفاؤها، في معركة دفاعٍ كونية، لم يشهد أي ميدان أو جغرافيا عبر التاريخ الحديث مثيلاً لها، لما تضمّنته من ضغوطٍ خارجية وداخلية، اشتركت فيها كوكبةٌ من الدول الإقليمية والغربية. تكاتفت جميع هذه الدول عسكرياً ومالياً وسياسياً ودبلوماسياً، لإسقاط الدولة والجيش والنظام في سوريا. لكنّ إرادة الشعب والجيش انتصرا في نهاية المطاف، في حين لعب فرقاء أساسيون من الخارج، دوراً رئيسياً ومفصلياً في دعم الدولة السورية بغية تحقيق هذا الانتصار.
كان لصمود الدولة السورية في بداية الأمر – جيشٌ وشعبٌ وطنيٌّ وقيادةٌ سياسيةٌ وعسكرية – الدور الأساس في هذا الانتصار، وكان للروس أيضاً دوراً مهمّاً وحيويّاً تجلّى في التغطية الجوية التي حسمت معركة الدفاع والتحرير، وذلك بعد أن عجز سلاح الجو العربي السوري عن تغطية عشرات بل مئات الميادين في كافة المحافظات السورية.
ولكن يجب ألاّ نغفل وجود لاعبٍ خارجيٍّ فاعلٍ ومحوري، ساهم بشكلٍ رئيسيٍّ في إدارة المعارك والسيطرة عليها، لا سيما على صعيد المناورة والدعم والمساندة المباشرة للجيش العربي السوري، وهذا الفريق هو “وحدات محور المقاومة” بقيادة الشهيد الحاج قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني.
خلال تلك الحرب الكونية على سوريا، توزّعت نقاط الضغوط من كلّ الاتجاهات، من الشرق والشمال عبر المجموعات الإرهابية، لا سيما داعش، والتي لم تكن تقاتل بعديدٍ أقلّ من مستوى جيش. كانت الفصائل الداعشية تملك قدراتٍ وتجهيزاتٍ ضخمة، مدعّمةً بالمعطيات الاستعلامية والاستخبارية والرصد الخارجي.
من ناحية أخرى، هناك “جيش الإسلام” المدعوم من السعودية تجهيزاً وتمويلاً. أما في الجنوب، فكانت المجموعات الإرهابية تستفيد من دعمٍ إسرائيليٍّ مباشرٍ وغير مباشر، بالتنسيق مع غرف عملياتٍ من داخل الأردن. ومن الشمال، ناحية الحدود التركية، لعبت أنقرة دوراً واسعاً في دعم أغلب المجموعات الإرهابية، وسهّلت تدفّق العناصر والعتاد والتجهيزات من الخارج عبر أراضيها.
في ظلّ هذه الضغوط الضخمة من كافة الاتجاهات، والتي بدأت تضاهي قدرات الجيش العربي السوري، كان دخول وحدات محور المقاومة بإشراف الحاج قاسم سليماني.
اختار القائد سليماني بخبرته ومعرفته الواسعة لتفاصيل الميدان، السيطرة على النقاط التي تشكّل الخطر الأكبر في معركة الدفاع ودعم الدولة السورية. فشكّلت معركة القصير والحدود الشرقية الشمالية للبنان، مناورةً مفصليةً نجحت في عزل تأثير الداخل اللبناني المناهض للدولة السورية عن الداخل السوري غير المحرّر، وساهمت في إبعاد الخطر الإرهابي عن لبنان.
من ناحيةٍ أخرى، قاد الحاج قاسم معركة الثبات في مربّع السيدة زينب جنوب دمشق. كانت هذه المنطقة تتّسم ببعدٍ ديني هامٍّ بالنسبة لمحور المقاومة، بالإضافة إلى أنها نقطةٌ حيويةٌ لحماية جنوب وجنوب غرب العاصمة دمشق من اتجاه الجنوب السوري وتأثيرات الدعم الإسرائيلي والعربي للمسلحين الإرهابيين.
أما مناورة ربط حلب بحماه عبر طريق أثريا – خناصر، فقد أمّنت الحماية لنقطة الارتكاز الحيوية للجيش العربي السوري في الأحياء الغربية لحلب، وأسّست لاحقاً لمعركة تحرير حلب وأريافها، إضافةً إلى كونها مناورة مفصلية في عملية الدفاع والتحرير، تحت الإشراف المباشر للحاج قاسم، عبر وحداتٍ من محور المقاومة وبالتحديد من حزب الله.
كان الهدف حماية تلك الطريق الاستراتيجية من عشرات المحاولات الداعشية، وقد تحقق ذلك عبر تضحيات كوكبةٍ من الشهداء الذين استبسلوا دفاعاً عن المحور الأهم في معارك الشمال والشمال الشرقي السوري (طريق أثريا – خناصر)، وفي مقدمة هؤلاء الشهيد القائد علي فياض (علاء البوسنة).
في هذا المضمار، تجدر الإشارة إلى الدور المحوري للشهيد الحاج قاسم في إدارته المباشرة لمعركة الكليات الحربية جنوب غرب مدينة حلب، والتي كانت أيضاً مفصليةً في التأسيس لتحرير مدينة حلب وأريافها لاحقاً. وصوره الموثقة بين مقاتلين في الخطوط الأمامية وعلى جبهات المواجهة بين خان طومان وخلصة وتل العيس والراشدين، تؤكد إشرافه المباشر ميدانياً في بقعة المواجهة الأعنف في الشمال السوري.
في الواقع، كان دور الروس الجوي مهمّاً ولا يمكن إنكاره، ولكنّ طبيعة المعارك الميدانية كانت تحتاج، أولاً إلى اختيار نقاط تركيز القوى والجهود الحيوية، وهذا تمّ بالتنسيق بين الجيش العربي السوري ووحدات محور المقاومة بإشرافٍ مباشرٍ من الحاج قاسم.
واحتاجت طبيعة المعارك ثانياً إلى صمود في الدفاع والثبات على الأرض، وهذا الموضوع أيضاً كان يحمل الكثير من الصعوبة.
لقد كان الإرهابيون يستخدمون ورقة ضغطٍ في غاية الخطورة، وهي الهجمات الانتحارية. إنّ هذا الأسلوب لا يمكن مواجهته بالطيران الروسي، بالرغم من أهمية الأخير في رصد واستهداف نقاط التجمع والانطلاق للإرهابيين.
عملياً، كانت المعركة ضد الإرهابيين الانتحاريين، تحتاج بنسبةٍ كبيرة إلى الحسم من خلال المواجهات المباشرة في العمليات البرية، وهذا أيضاً كان على عاتق المشاة الذين توزّعوا على الأرض بين وحدات الجيش العربي السوري ووحدات محور المقاومة بإشراف الشهيد الحاج قاسم سليماني.
وتبقى أصعب نقطةٍ في المعركة، وهي التنسيق بين إدارة العمليات العسكرية وتنفيذها، خاصةً في المهمّات القتالية الموزّعة بين أحزاب محور المقاومة ومجموعاتها، وبين الجيش المنظم والذي يختلف تنظيمه عن الأحزاب. هنا، لعب الحاج قاسم دوراً أساسياً في هذه النقطة بالذات، بالاعتماد على خبرته التي كان قد اكتسبها في الحرب الإيرانية العراقية.
آنذاك، كانت قد اشتركت في الدفاع عن الجمهورية الإسلامية، كلٌّ من الوحدات العسكرية المنظّمة في الجيش الإيراني، ووحداتٌ شعبيةٌ وحزبيةٌ إيرانية من مناصري الثورة الإسلامية.
علاوةً على ذلك، لعب الحاج الشهيد دوراً فاصلاً من خلال قدرته على الجمع والتنسيق بين إدارة الدعم للحشد الشعبي وللجيش العراقي ضد داعش في العراق. وفي الوقت ذاته، قام بإدارة وحدات المقاومة في دعم معركة الجيش العربي السوري في سوريا.
كانت صعوبة الموضوع تكمن في الطبيعة الميدانية غير المترابطة جغرافياً حينها، بين العراق وسوريا، قبل تحرير البادية ودير الزور والبوكمال.
إنّ القدرة التي تمتّع بها الحاج الشهيد في تنسيق وإدارة معركة الدعم في العراق وفي سوريا ضد داعش، في ظلّ وجود تواطؤٍ أميركي مع داعش، برّاً وجوّاً، شكّلت إنجازاً تاريخياً خارقاً، تجاوز كلّ التوقّعات والحسابات والمعادلات التقليدية، تبعاً لتاريخ المعارك والحروب.
إنّه الحاج قاسم سليماني الذي أثبت خبرته في الميدان وقدرته على فهم تفاصيل الحروب وخبايا المواجهات الأصعب.
إنّه التزامه القومي والديني المقاوم..
كلّ ذلك شكّل رافعة الدعم الأساسية للدولة السورية، فكان وجوده وكانت بصماته نقطة التحوّل في معركة الدفاع عن سوريا، وكان دوره مفصلياً في الانتصار.
* المصدر : الميادين نت