في السابق كنا نتساءل عندما يتم تسريب أخبار إلينا عن طبيعة العلاقات السعودية – الإسرائيلية وأوجه التقارب بينهما، هل حقاً هذا الكلام صحيح ؟!، وهل هناك تعاون بينهما أم إنها مجرد اتهامات من المحور المعادي للسعودية لتشويه سمعتها، خاصةً وأن الرياض كانت تصدّر نفسها على أنها زعيمة العرب والمسلمين وأنها المدافع الأول عن قضايا الأمة، فكيف إذا كانت هذه القضية هي “فلسطين”.
ولكن ما يطلعنا عليه الجانب الإسرائيلي وما ينشره في إعلامه منذ عدة أشهر عن لقاءات متكررة مع مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى، ينذر بأن خطراً كبيراً قادماً على المنطقة وتغييراً جذرياً في طبيعة العلاقات مع العدو الصهيوني يصل إلى درجة التطبيع الكامل وقلب جميع المفاهيم السائدة في الأمة العربية منذ نشوء الكيان الصهيوني والتي كان محورها “الصراع مع إسرائيل”، لتنقلب هذه المفاهيم بقيادة السعودية إلى “الصداقة مع إسرائيل” وكيفية الوصول إلى بلورتها وتسويقها داخل المجتمعات العربية التي لا تزال تتمسك بالقضية الفلسطينية وتدافع عنها على عكس أغلبية حكامها.
والسؤال هل السعودية مظلومة في هذا الموضوع أم إن هناك خفايا أخرى؟!
لا نعتقد بأن هناك خفايا ولكن هناك حقائق البعض يتعامى عنها، وتتمثل بكون السعودية لا تملك قراراً مستقلاً في القضايا المصيرية للأمة، وهناك من يحركها في البيت الأبيض ويقودها حيثما يشاء، وما التحول الذي يجري بين السعودية والكيان الإسرائيلي في نقل العلاقات إلى العلن إلا مثالاً بسيطاً عن التأثير الأمريكي في هذا المجال، وما يقودنا إلى هذا الاعتقاد مجموعة الأسباب أو الأحداث التالية:
أولاً: تداولت الصحف العالمية والعبرية منذ عدة أشهر خبراً مفاده بأن مسؤولاً سعودياً رفيع المستوى زار تل أبيب والتقى بالمسؤولين الصهاينة، وجميع التكهنات في ذلك الوقت تمركزت حول شخص “محمد بن سلمان” وبأنه هو المسؤول الذي زار الأراضي المحتلة، تم نفي ذلك سعودياً، خاصة أن ابن سلمان لم يكن ولياً للعهد حينها، ولكن هل يستطيع الإعلام السعودي أن ينفي ما صرح به رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت يوم أمس الجمعة بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التقى رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شابات؟!.
الجواب “لا”، لأنه على ما يبدو هناك مجموعة من الاتفاقات تجري في الظل بين المثلث “الأمريكي – السعودي – الإسرائيلي” ومن ضمنها الترويج لبدء إظهار العلاقة الودية بين “السعودية والكيان الإسرائيلي” إلى العلن تمهيداً للوصول إلى صفقة القرن.
ثانياً: ما يجعل ابن سلمان يمضي في هذا الاتجاه هو رغبته الجامحة في الوصول إلى كرسي العرش التي لا بد أن يدفع للأمريكي ضرائبها، والشاب الطموح لن يتمكن من معاندة واشنطن وهي من تحمي بلاده منذ نشأتها تقريباً، لذلك التمهيد الذي جرى لإظهار أن هناك روابط معينة بين السعودية وإسرائيل لم يكن بريئاً بطبيعة الحال حتى أنه لم يكن محض ادعاء بل على العكس تماماً، هو أمر مخطط له ولكن يجب ألا ننسى حائط الشعب، وعلى ما يبدو أن العمل يجري الآن على تحطيم هذا الجدار وإشغاله بقضايا أخرى تبعده عن السياسة وتطوعه لخدمة الملك وقراراته.
ثالثاً: الأمور أصبحت ميسرة أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد أن التفت دول مثل “السعودية، مصر والأردن” إلى شعوبها فيما يخص موضوع نقل السفارة والعاصمة “الإسرائيلية” إلى القدس، حيث عمل إعلام الدول الثلاث على تهميش الحدث وظهرت تسريبات بهذا الخصوص خاصة من الجانب المصري لحرف الشعوب عن هذه القضية وإهمالها قدر المستطاع، وحتى انتفاضة الشعب ضد قرار ترامب في الأردن وغيرها تم امتصاصها ولم تكن بالمستوى المطلوب، هذا الأمر شجع السعودي على المضي قدماً في إبراز علاقته مع الإسرائيلي، ولو لم يكن إيزنكوت يملك الضوء الأخضر من الرياض لما أعلن أن “هناك توافقاً تاماً بين إسرائيل والسعودية وأنها لم تكن يوماً من الأيام عدوة”.
الوقت التحليلي –