هجرة النبي ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› كانت تحولاً كبيرًا في تاريخ الإسلام كانت إيذانًا بفرج لهذا الرجل العظيم وللمسلمين وللأمة وللخلق بعد ثلاث عشرة سنة من المتاعب الكبيرة في مكة.
أما مجتمع مكة فقد خسر شرف نصرة الحق ولم يضِعْ الإسلام. عندما يقوم مجتمعٌ بخذلان الحق فإنه هو من يخسر، عندما يقوم أي مجتمع كان فهو من يخسر، ويستبدل الله بدله مجتمعًا آخر يحظى بذلك الشرف العظيم: شرف الإسلام وشرف قوة الإسلام.
بعد ذلك التحول التاريخي الكبير في هجرة النبي وخسارة مكة وفوز أهل المدينة (أهل يثرب) فوزهم بشرف النصرة للحق والإيواء للمهاجرين، وبأن يجعلوا من منطقتهم وبلدهم ساحة مقدسة طاهرة تقوم عليها أول بذرة للإسلام في المنطقة العربية في ذلك العصر، وتكون بداية لعصر جديد وعهد جديد للأمة العربية وللعالم بكله، تحول تاريخيّ كبير.
الإسلام انتصر والإسلام امتد نفوذه في العالم رغم كل المؤامرات فما الذي حصل فيما بعد؟ ولماذا تغير واقع الأمة بعد عهد كبير من الصراع ثم انتصار الحق؟ ثم ماذا؟ ضياع للأمة العربية وهوانها؛ لأنها تخلت عن ذلك المشروع الكبير، عندما ابتعد الناس عن الدين، عن الله، عن النبي ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› عن اتباع هدى الله، عن نصرة الحق، وتخاذلوا ضاعت الأمة.
فمثلت الهجرة انتقالًا جديدًا ومرحلةً جديدةً فارقةً في تاريخ البشرية وليس فقط للمسلمين؛ لأن الإسلام هو دين الخلاص للبشرية جمعاء، هو إرث الأنبياء كل الأنبياء: نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وكل الأنبياء، الإسلام هو يُمثّل المبادئ الإلهية التي هي من الله سبحانه وتعالى وهي توافق الفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها، هو دين الفطرة، هو دين الرحمة، هو دين العدالة وهذه أشياء هي من صميم واقع البشرية، البشرية بحاجة إليها لا يمكن أن تتحقق للبشرية ولا يتحقق للإنسان إنسانية بما تعنيه الكلمة - فيما يعنيه مقامه الإنساني ودوره الإنساني وأخلاقه كانسان وقيمه كانسان - إلا بتلك التعاليم التي جاء بها الأنبياء في أممهم وجاء بها خاتم الأنبياء وارثًا لكل الأنبياء ومتممًا لكل الأنبياء وخاتمًا لكل الأنبياء بكل ما تعنيه الكلمة؛ فإذًا المرحلة كانت انفتاحَ أفق واسع لصالح البشرية جميعًا.
ــــــــــــــ
من كتاب "مع الرسول والرسالة"
للأستاذ يحيی قاسم أبو عواضه