{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الأنفال: الآية29]، فإذا اتجه الإنسان على أساس أن يتقي الله -سبحانه وتعالى-، فتقوى الله -سبحانه وتعالى- هي التي يبنى عليها الخير الكبير، في مقابل الخيانة التي هي خطيرة على الإنسان، تقوى الله يترتب عليها هذا العطاء الإلهي العظيم، وجمع كل ذلك عبارة مهمة: {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}، (فُرْقَانًا) يشمل الهداية والتنوير الإلهي، في مقابل: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ}[الأنفال: 21-22].
الإنسان في مسيرته العملية: إما أن يتجه اتجاهاً يفقد فيه فهمه، نظرته الصائبة، تفكيره السليم، تصوره الصحيح، تقييمه الصحيح، ويتحول من تلك الفئة: الصم البكم الذين لا يعقلون، يصبح إنساناً لا يفهم ولا يعي، إنساناً ينطلق في نظرته للأمور من منطلقات خاطئة، فتكون نظرته خاطئة، ويكون تفكيره خاطئاً، وتكون تقييماته للأمور تقييمات خاطئة؛ لأن منطلقاته من الأساس أصبحت خاطئة.
وإما أن يتجه الإنسان اتجاهاً صحيحاً، فيزيده الله هدايةً، وزكاءً، ونوراً، وتوفيقاً، وبصيرةً؛ فيكبر وعيه، وتزداد نظرته صواباً، وإدراكه كذلك يكون أكثر دقةً، بهدايةٍ من الله -سبحانه وتعالى-، نتيجة التزامه بالتقوى.
فالالتزام بالتقوى له أهمية كبيرة جدًّا في أن يمنحك الله النور، والبصيرة، والفهم الصحيح، ولهذا أهمية كبيرة في التصرف: في العمل، في القرار، في السلوك، تأتي هذه الثمرة إلى واقعك العملي، تكون تصرفاتك تصرفات مبنية على رؤية صحيحة، على فهم صحيح، تكون قراراتك قرارات مبنية على رؤية صحيحة وفهم صحيح، وبهداية من الله، وتنوير من الله -سبحانه وتعالى-، أعمالك، توجهاتك، خططك، ترتيباتك العملية.
وأيضاً الفرقان في الواقع، فهذا الفرقان هو فرقانٌ في حالكم، في واقعكم، في نظرتكم للأمور، في فهمكم، فرقان تفرق به بين الحق والباطل، بين الصواب والخطأ، بين الاتجاه الصحيح والاتجاه غير الصحيح، التصرف الصحيح والتصرف غير الصحيح، العمل المناسب والعمل غير المناسب، وفرقان في واقعكم، تنتقلون من وضعية إلى وضعية أفضل، إلى واقعٍ أكثر تمكيناً، وأحسن حالاً وسعةً، وعلى مستوى الرزق، والبركات، والخيرات، والتوفيقات العملية، والنجاحات في الواقع العملي، تتحقق لكم المزيد من النجاحات في مسؤولياتكم، وفي أعمالكم، وفي الميدان كذلك.
فهذه الآية الكريمة تقدم لنا ثمرة التقوى، الثمرة العظيمة جدًّا، في مقابل قبح الخيانة، ومساوئ الخيانة، وما يترتب على الخيانة من نتائج خطيرة جدًّا تؤثر على الأمة في أنفسها وفي واقعها.
{وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}؛ لأن الإنسان مهما كانت استقامته العملية والتزامه العملي، قد يأتي منه التقصير، قد يأتي منه النسيان، الخطأ، الغفلة، لكن مع التقوى والتوجه الصادق نحو الله -سبحانه وتعالى-، فالله يكفر تلك السيئات، ويمحو تأثيراتها السلبية في الواقع النفسي، وفي الواقع العملي، ويوم القيامة.
{وَيَغْفِرْ لَكُمْ}، المغفرة من الله مطلب مهم جدًّا؛ لأن الإنسان بحاجة إلى المغفرة، إذا لم يغفر الله -سبحانه وتعالى-، فالنتائج على الأخطاء، على الأعمال، على السلبيات، على الزلل، نتائج عقوبات لها تأثيرات كبيرة، لكن عندما يكون الاتجاه- في الأساس- اتجاهاً صحيحاً قائماً على التقوى، والرجوع المستمر إلى الله، والإنابة إلى الله، والتصحيح للخلل؛ فيأتي من الله التكفير للسيئات والمغفرة.
{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، ولذلك ففضله يسع كل ذلك: أن يجعل لكم فرقاناً، وأن يكفر عنكم السيئات، وأن يغفر لكم، وإضافات أخرى إلى ذلك، ولا يزال فضل الله أوسع وأعظم، يشمل أشياء كثيرة أخرى يمكن أن تحصلوا عليها، وأن يمنّ الله بها عليكم، إن استقمتم في مساركم العملي على أساس التقوى، والاستجابة العملية لله -سبحانه وتعالى-، والشكر له على تمكينه وتأييده بالنصر، وعلى أرزاقه، وما يمن به من واسع فضله.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
يوم الفرقان (6) الفتنة أخطر عقوبة. والخيانة ونتائجها المدمرة.
المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرون: 1441هـ 16-05-2020م.