الله -سبحانه وتعالى- ذكر لنا في القرآن الكريم كيف أهلك الكثير من الأمم والقرى نتيجةً لظلمهم، ذكر لنا في القرآن الكريم عن قوم نوح، عن ثمود، عن عاد قبل ثمود… عن أقوام متعددة، وكيف أهلكهم، تحدث لنا في القرآن الكريم عن قرى، عن أمم- على وجه الإجمال- كيف هلكت، قال عن قوم نوح: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}[العنكبوت: من الآية 14]، قال عن فرعون وقوم فرعون: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ}[الأنفال: من الآية 54]، قال -جلَّ شأنه-: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً}[الأنبياء: من الآية 11]، عبارة: (وَكَمْ) يفيد التكثير، يعني: كثيراً من القرى حصل لها ذلك، أهلكها الله -سبحانه وتعالى-، وعاجلها بالعقوبة في الدنيا بأنواعٍ من العقوبات المدمرة، عقوبات رهيبة جدًّا.
{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ}، فيما تفيده مفردة (قَصَمْنَا) من ضربة قاضية وعذاب مهلك ومدمر، {كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ}[الأنبياء: 11-13]، عودوا إلى حياتكم السابقة، عودوا إلى ما كنتم فيه من الترف، عودوا إلى ما كنتم عليه من الانشغال بمتعة هذه الحياة، مع ما كنتم عليه من ظلم، {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}[الأنبياء: 13-15]، لم ينفعهم، أحسوا، شعروا، {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}، لكن هذا لم يفدهم أبداً، بل استمر الهلاك والعذاب حتى انتهوا، {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}.
لماذا يذكر الله -سبحانه وتعالى- هذا لنا؟ ليذكرنا بأن هذا يمكن أن يحصل، ليس هذا فقط للماضين من البشر؛ وإنما أيضاً لمن بعدهم، تحصل أن تنزل عقوبات إلهية، عقوبات من الله، عقوبات جماعية أحياناً، إذا أصبح الواقع في مجتمعٍ معين واقعاً منحرفاً، واقعاً فاسداً، واقعاً يسوده الظلم والانحراف؛ يمكن أن تأتيه- بل لا شك- أن تأتيه العقوبات الإلهية في الدنيا.
يقول الله -جلَّ شأنه-: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ}[الحج: الآية 45]، تجد كثيراً من القرى التي قد انتهت الحياة فيها، بقيت آثارها، بقيت فيها الأطلال، بقيت خاويةً على عروشها، البئر معطلة، قصر مشيد، ولكن ليس فيه من سكان، آثار فقط، أين هم؟ انتهوا، هلكوا، رحلوا، عوقبوا، فهذا على مستوى الوعيد والتحذير، التحذير لبقية المجتمعات البشرية.
يأتي أيضاً ضمن الوعيد الإلهي الوعيد على الظلم في القضايا التفصيلية: جرائم معينة، مظالم معينة، مثلاً: القتل ظلماً عليه وعيدٌ في القرآن الكريم بالنار. أخذ مال الحرام، ونهب حق الناس بغير حق، عليه وعيدٌ بالنار. جرائم كثيرة عليها وعيدٌ بالنار في القرآن الكريم، سنأتي- إن شاء الله- إلى الحديث عن ذلك على نحوٍ أكثر تفصيلاً.
في القرآن الكريم وفي دين الله -سبحانه وتعالى- بشكلٍ عام، حتى مع الأنبياء السابقين، شرع الله عقوبات، عقوبات على الظلم، عقوبات في الدنيا، عقوبات تنفذ ضد الظالمين، عقوبات مثلاً على القتل ظلماً، على السرقة، على النهب، على الربا… أشياء كثيرة عليها عقوبات تنفذ.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة الثالثة عشرة 1441هـ