{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} (المائدة من الآية: 52) وهذا من الأشياء المؤسفة جدًا أنه بعد هذا البيان العظيم، وهذا الكتاب العظيم، وبعد ما أعطى من صورة واضحة، قدم صورة واضحة جدًا عن بني إسرائيل ويكون ما يزال هناك ناس يريدون أن يتولوهم!! هم بالطبع ليسوا طبيعيين، أي ليسوا سليمين، لن يتولاهم إلا أناس في قلوبهم مرض، ومعنى في قلوبهم مرض، لم ينطبع هذا الدين، هذا الكتاب، وهذا الهدى، وهذا النور، ما انطبع عليها، لم تمتلئ نورًا، ولا اهتدت، قلوب مريضة، أما قلوب مهتدية فلا يمكن أن تتولاهم على الإطلاق .
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} مع أنهم بالشكل الذي يجب أن تسارع في الابتعاد عنهم، وليس أن تسارع فيهم، أن تسارع في الابتعاد عنهم؛ لأنهم هكذا قدمهم بشكل فضيع جدًا في نفوسهم، أهدافهم، تفكيرهم، نواياهم، أعمالهم كلها .{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} وكلمة مرض واسعة المعنى، أهم شيء فيها قلوب لم ينطبع فيها هدى الله، ولم تستنر بنور الله، ولم تستبصر ببصائر الله، هي قلوب مريضة، فليكن فيما بعد يظهر إما بشكل نفاق، أو بشكل جبن، أو بشكل بحث عن مصالح، أو بشكل ـ التي يسمونها ـ مزايدات حزبية، أو كيفما كانت، المهم أن هناك مرضاً، أما ناس سليمين لا يتولونهم على الإطلاق، يبتعدون عنهم . إذًا فمعناه مريض يتولى مرضى، ألم يقدمهم مرضى، هم، بنوا إسرائيل؟.
{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} يسارع فيهم، مثلما تقول: في الله، أشبه شيء مثلما تقول: يعمل في الله، أو يحب في الله، يسارع فيهم، يحاول في الشيء الذي فيه ماذا؟ فيه استرضاء لهم، أو الشيء الذي ربما يظهر لهم منه فيعتبرون أنه قدم خدمة لهم فيأمن شرهم، أو كيفما كان، المهم مسارعة إليهم بالشكل الذي يريدون، أنت عندما يقال لك: أنت تحب في الله أي: أنت تحب إنساناً الحب الذي يريد الله منك أن يكون قائما بينك وبينه، فهم مسارعون بالشكل الذي يريد بنوا إسرائيل، يسارعون فيهم أي يسارعوا إليهم بالشكل الذي يريدونه هم، وإذا لم يكن عنده معرفة أنهم يريدون فالقلوب المريضة هي تتشابه، {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ}(البقرة: من الآية118) ألم يقل هكذا؟ ثم ولا تدري في الأخير وإذا أنت أهدافك أهداف السفير الأمريكي تماماً ولست تدري إذا لم ينتبه واحد!.
لأن هذا الهدى هو قدم بالشكل الذي يجعل قلوب الناس مستنيرة وسليمة، القلوب المستنيرة المهتدية السليمة المستبصرة لا يمكن على الإطلاق أن تكون متشابهة مع القلوب المريضة، لكن القلوب المريضة يمكن تتشابه مع بعض، {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} ذلك من هناك يحاول أن يسكت الناس بأي طريقة حتى لا يرفعوا شعارًا في المسجد، وذلك الذي داخل المسجد، وإذا هو مثله محاول أنهم يسكتون ويتوقفون! ألم يبرز في الشاشة وإذا هم تشابهت قلوبهم؟ ذلك مريض من النوعية التي قال: {بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا} (النساء من الآية: 155) ونفوس خبيثة {أولئك الذين لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} (المائدة من الآية: 41) وأنت لأن قلبك مريض يعني: من يكون على هذا النحو قلبه مريض، أصبح عملك عمله ومشابهاً له، وبالطبع لا يتحرك هؤلاء الذين يعارضون إلا وقدهم عارفين أن أمريكا شغالة؛ ولهذا يكون خائفا، معظمهم، لو نقول ـ مثلاـ: [الموت لهولندا] هل أحد سيصيح في المسجد؟ لا، لن يعارضنا أحد، لو تقول: [الموت للعرب] أو تلعن العرب، هل سيعارضك أحد من هذه النوعية؟
إذًا فيها خوف، إما خوف، أو رغبة، المهم مرض، وهو يعرف في نفس الوقت أنك تقول: أمريكا، وهو يعرف أن أمريكا هي تتحرك وأن أمريكا أصبحت مهيمنة، وأن أمريكا بالشكل الذي يخاف منها، أو يرغب إليها، كيفما كان الأمر، قل: [الموت للسويد] لن يستثار، ولن يقول لماذا؟ ولن يرفع بك بلاغًا إلى أي جهة نهائيا، ولن يبادر الأمن السياسي إلى إلقاء القبض عليك، تقول: [الموت للعرب] تقول: [الموت لليمن] لن يغضب أحد عليك . إذًا فهذا معناه ماذا؟ أنه فعلا مرض، هناك مرض، المرض نحن نقول فيه، على أساس نحاول أنه مثلما قالوا نتأول مهما أمكن للموضوع إلا أنه بالطبع مرض واسع جدًا المرض، فليكن جهلا بدين الله، جهلا بأعداء الله، جهلا بما ينبغي أن يكون عليه باعتباره مسلم، وهذا مرض، أليس مرضا؟ لكن نحن نعتبر لا بأس إذا تأولنا لك مرضك بالمرض الذي يذهب واحد يتعالج منه وممكن يشفى، فقد يكون جهلا، وقد يكون غير فاهم، وقد يكون..، وقد يكون..، وإلا فقد هو فاهم أن أمريكا موجودة، وأن هذا الشيء يغضب أمريكا .
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} لم يقل مثلا: المواطنين الذين في قلوبهم مرض، أو الحكام الذين في قلوبهم مرض؛ لأن مرض القلوب يمكن أن يكون من عند أكبر مسئول إلى أصغر مواطن .{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} ليكون في الأخير ممن يرتد عن دينه والمفروض أن يسارع ليكون ممن قال الله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} (المائدة من الآية: 54) نسأل الله أن يجعلنا جميعا منهم .
هذا من الخسارة الرهيبة للطرف الآخر أن يكونوا فريقا آراؤهم ورؤاهم التي تجعلهم يتقهقرون ويرتدون على أعقابهم فينقلبوا خاسرين. خسارة أن لا يكون الإنسان من النوعية هذه فعلا، أن لا يكون من هذه النوعية، نوعية من وعد الله بأنه سيأتي بهم {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} فمعنى هذا بأنه عندما ترى لبني إسرائيل حركة على هذا النحو، أنه يجب أن تسارع إلى أن يجعلك الله من هذه النوعية التي وعد بأنه سيأتي بها، لا أن تسارع فيهم، نخشى أن تصيبنا دائرة، [ويمكن، ويمكن، وأحسن لواحد كذا.. ولا..] لا، لأن هذه خسارة، والواجب هو أن تسارع إلى الله عسى أن يكتبك واحدًا من هؤلاء الذين وعد بأنه سيأتي بهم .
ولأن لا يصاب الناس مهما كانوا قليلا، أو مهما كانوا يرون العدو كبيراً، ويرون التراجع الكبير، لا يصابون بإحباط. عندما ترى العرب تقهقروا، ترى المسلمين تراجعوا، ترى قممهم تعلن تراجعهم، أليس القمم العربية، والقمم الإسلامية كلها يبدو منها التقهقر والرجوع؟ ليس فيها منطق جهاد، ليس فيها منطق مواجهة في أي ميدان من الميادين على الإطلاق، إذًا ما هنا تحقق ارتداد بكل ما تعنيه الكلمة في هذا الإطار، تأتي إلى الشعوب نفسها وإذا الكثير ليسوا حول الموضوع نهائيا، وهم يرون أمريكا، ويسمعون ما تريد أمريكا، وتكتب صحف، ويرون في التلفزيون والإذاعات، وكل شيء، ولا يبالي، ولا يوجد عنده فكرة، والكثير عنده فكرة أنه ماذا؟ يترك ولا يتدخل من أجل أنه يسلم!! نزل لهم أوراق تعلن بأن الأمريكيين يتجهون لتغيير المناهج بما فيها القرآن الكريم، لا يتحرك، أليس هذا من المتراجعين؟ يعني ماذا؟ وقت تحقيق الوعد الإلهي، أليس وقت تحقيقه؟ لأنه قال: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ} (المائدة من الآية: 54) بالفاء التي تعني التعقيب مباشرة بدون مهلة، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، وإن كان المرتدون ملايين أو عشرات الملايين .
هذه الآية أيضا تعطي الناس منهجا في كيف يجب أن يكون تثقيفهم لأنفسهم، وكيف يجب أن نوجه الآخرين ، وكيف كان يجب أن توجه وسائل الإعلام لو ما يزال هناك توفيق، أنك تربي الناس، توجه الناس كيف يكونون محبين لله هذه واحدة؛ ليحبهم، أليست هذه قضية أساسية، ونقطة هامة جدًا؟ لأنه هنا ذكر نوعية ينطلقون في مواجهة بني إسرائيل بديلا عن أولئك المرتدين من داخل المسلمين، من منطلقات أساسية، لا تتأثر بالمصلحة على الإطلاق، لا تتأثر بالإغراءات، لا تتأثر بالتخويف، لا تتأثر بالدعايات، لا تتأثر باللوم، ينطلقون من منطلق حب لله، لا يبحث عن فتاوى [هل قد هذا يلزم أو ما يلزم] حب لله، سواء هو لازم أو لا، المهم أنه شيء يعتبر عملاً صالحاً، ويحبه الله، ومن يحب الله هو يسارع إلى العمل الصالح، وإن لم يكن قد وجب، أما هذا فربما قد وجب ربما مئات المرات وليس أن تقول: هل قد وجب أو لم يجب.
النوعية هذه الذين ينطلقون من منطلق حب لله لا يتأثر بمصالح أمريكية أو إسرائيلية أو كيفما كانت، في بلاده، عند بيته، له شخصيا، لا يتأثر؛ لأن موقفه منهم موقف ثابت وليس موقفا شخصيا، وسيعرف أنما يقدمونه إنما هو خداع، سيعرف أنما يقدمونه إنما هو خداع وتضليل؛ ليحبهم بدلا من أن يحب الله، ولن يحبوه، أما الله فإنك ستحبه، وهو يحب في المقدمة هو، أما بنوا إسرائيل قدمهم بشكل آخر:{هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ} (آل عمران من الآية: 119) .
إذًا فهذه نوعية راقية جدًا، وأنها قضية منهجية فعلا، كيف يمكن للناس أن يحبوا الله؟ لمعرفته وفق ما يقدم القرآن وليس وفق ما تقدمه كتب علم الكلام على الإطلاق، هذه قضية، قد تكره الله فعلاً، إذا اعتمدت على تلك الكتب؛ ولهذا يقولون: أن الكثير فيهم يكونون قساة قلوب، ويتأقلم كثير منهم مع أي سلطة تحكم، وينتظرون للهبات منها، والجوائز والعطايا! هذه قضية أساسية، ولهذا نقول من البداية أن هذا القرآن يدل على أنه من عند الله يشهد هو، في هذا العصر أليس الأمريكيون يحاولون أن يقدموا خدمات، ويحاولون مثلا يضللون بأنهم يريدون مصلحة الناس من أجل يحبهم الناس، ومن أجل يقبلون احتلالهم، ونهب ثرواتهم، أليست هذه قضية معروفة؟ اعتمادهم على تقديم خدمات هي مزيفة في الواقع .
إذًا الإنسان الذي ينطلق من منطلقات شخصية، عداوة شخصية، أو حتى وطنية، أو قومية، ليس مضمونا أن يثبت في مواجهة مصالحهم، ووجدنا في المرحلة هذه من كانوا يتشدقون بالقومية أليسوا هم من أصبح الكثير منهم من سقطوا في أحضان أمريكا؟ فعلاً، عندما تأتي إغراءات كثيرة، لأنه ماذا؟ قد تكون دول عندها إغراءات كثيرة لكن المؤمن هنا سيعرف بأنها قيمة الله، وقيمة نفسه، وقيمة دينه، وقيمة الجنة، أليس هو سيعرف هذا؟ ليس مستعداً على الإطلاق مهما قدموا من إغراءات. الحب لله يشكل ضمانة ضرورية، يعني: كأنه يكشف بأنه فعلا في مرحلة كهذه يحتاج الناس في مواجهة بني إسرائيل إلى أن يكونوا محبين لله، وإلا فقد يستفتي، قال لك: [ما يلزم] تقول: نريد كذا.. قال:[ بل اترك الأمريكي يقدم لنا مصلحة]، وجلس، ألم يجلس؟ بقي ماذا؟ لا يتحرك إلا من ينطلق من الحب لله؛ لأنه ليس وراء [يلزم أو ما يلزم أو هذا قد وجب يا سيدي فلان أو ما وجب] وليس وراء: [إنهم يريدون أن يقدموا لنا مصلحة] بل أصبحوا إلى درجة أن يقول آخرون لنا، الذين يأكلون مصالحنا، الذين هم من داخل بلادنا، يقول: [من أجل مصلحة] والمصلحة ستأتي له هو، أي: قد صارت المسألة إلى أنه يباع الدين، ويباع الوطن من أجل مصلحة آخرين! أما هذا فقد صار يعتبر من أسوء الأشياء، تعتبر خسارة كبيرة جدًا أن تبيع دينك بمصلحة لك شخصية مهما كانت، أما أن تبيع دينك ووطنك من أجل مصلحة آخرين فستكون أشقى الأشقياء .
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس الثاني والعشرين من دروس رمضان]
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.