إذاً فكيف نعمل بالبشر حتى نقهرهم وخاصة هؤلاء المسلمين؟ كيف نعمل؟ أليسوا الآن يمتلكون [قنابل نووية] و[قنابل ذرية]؟ أليسوا هم من يمتلكون الصواريخ بعيدة المدى؟ أليسوا هم من يمتلكون الأسلحة الفتّاكة؟ لكن هل فكروا في هذه (الدَّمْدَمة)؟ لا. يُدَمدمُوننا أولاً من الداخل، فيفصلون فيما بيننا وبين الله، فمتى ما فصلوا فيما بيننا وبين الله أصبحنا بعيدين عن أن نحظى بنصر الله، بل هم يفهمون بأنه أيضاً من الممكن أن يتحول الله إلى طرف آخر يضرب معهم هؤلاء - وهذا ما توحي به الآيات فعلاً - أنهم هم يضربون من جهة والله سيضرب من جهة أخرى أيضاً.
وهذا فعلاً ما سيحصل، لماذا؟ أولئك من منطلق العداوة، والله سبحانه وتعالى من منطلق الغضب على هؤلاء؛ لأنهم لم يكونوا جديرين بأن يحظوا بنصره، لم يهتدوا بهداه، وهم برزوا في الساحة باسمه وممثلون كطرف عنه، أليسوا هم من يسمون أنفسهم جند الله؟ إذاً فأنتم سُبّه إن لم تهتدوا بهديي، إن لم تلتزموا بنهجي وهديي فستصبحون جديرين بأن تُذلوا، فيتخلى عنا هو، بل يُذلنا بل يضربنا هو سبحانه وتعالى.
لماذا؟ لأن المسؤولية علينا أكثر وموقفنا أيضاً بالنسبة للبشرية عامة هو أخطر، لماذا؟ هذه الأمة العربية لو نهضت إسلامياً على هدي الله، أما كان من الممكن أن تهتدي البشرية كلها على يديها؟ أما كان من الممكن أن يسود العالم كله دين الله؟ أما كان من الممكن أن يسود العرب هذا العَالَم؟ أما كان من الممكن أن يسود الصلاح هذا العالَم؟ فكل ما رأيناه في هذا العالم، فالعرب بتخليهم عن دين الله وعن هدي الله يمثلون عاملاً أساسياً فيه، ليس فقط الآخرون.
إذاً فأنت من أضعت، بانصرافك عن هديي بانصرافك عن نهجي، بانصرافك عن أعلام الدين، أنت الذي أضعت ديني، أضعت عبادي جميعاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى يهمه أمر عباده جميعاً، لكن عن طريق من؟ - كما اقتضت سنته - عن طريق بعض عباده، فإذا لم يتحمل هذا البعض المسؤولية فإنه هو من يجني على البشرية كلها، وهذه حقيقة، أليس صحيحاً لو أن العرب هم من التزموا بالدين فإن الله قد وعد بأن يظهره على الدين كله، وأمرهم أن يقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله؟
{يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} عندما تصبح كافراً فحينئذٍ يصبح من السهل على اليهود أن يضربوك؛ لأنهم قد فصلوك عن الله، وستكون في الوقت نفسه بدلاً من أن تكون محط عناية الله وتأييده تصبح محط ومحل غضب الله، ونعوذ بالله من غضبه وإذلاله وتعذيبه.
من المحتمل أن يحصل هذا؟ الآية توحي فعلاً، هو يتحدث عن حقيقة، وتسمى آيات الله حقائق {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} (آل عمران: من الآية101) هذا الاستنكار يعني أن موقفكم هو مما يثير الاستغراب فعلاً، قد تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله! وهذا شيء مدهش جداً! شيء مزعج جداً، كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله؟! وبمجرد تلاوتها ناهيك عن فهم معانيها، وفهم أعماقها وفهم ما توحي به، فإن مجرد تلاوتها وسماعها فيه ما يكفي للهداية.
{وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية101) آيات الله، وهي حقائق وأعلام؛ ولهذا سميت آيات، هي أعلام على حقائق، حقائق من الهدى، حقائق من واقع الحياة، حقائق من مستقبل الغيب، حقائق في كل ما تحكيه.
{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية101) آيات الله ربكم، آياته ليست صحفاً [صحيفة الحياة] أو [صحيفة الشرق الأوسط] آيات هي من قِبَل من؟ من قِبَل الله الذي هو ربكم، الذي هو الرحيم بكم، الذي هو الهادي لكم، الذي هو اللطيف بكم، الذي هو إلهكم وملككم يهمه أمركم. {آيَاتُ اللَّهِ} هل أنتم بعد لم تعرفوا الله، وتعرفوا موقفه منكم، وتعرفوا أنه يهمه أمركم، أنه رحيم بكم، أنه لطيف بكم، أنه حكيم، أنه عالم الغيب أنه... الخ؟ أليس هذا شيئاً مدهشاً؟!
ممكن أن يقول: وأنتم تتلى عليكم صحيفة كذا، أو مجلة كذا، أو كتاب بخاري، أو كتاب فلان، فتقول: لكن هذا الرجل أو هذا الكاتب أو هذه الصحيفة لا يهمها أمرنا، وإن أدت نصائح فليست بالمستوى الذي يهمها أمرنا لدرجة عالية، أما الله سبحانه وتعالى فهو رحمن رحيم، وجاءت (بسم الله الرحمن الرحيم) في كل سورة تؤكد أنما يتلوه على الناس من آياته، وما يهديهم إليه، وما يشرّعه لهم هو كله من منطلق أنه رحيم بهم ورحمن بهم.
{وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} إضافة إلى القرآن وفيكم رسوله، لا حظوا هذه الإضافات [آيات الله، رسوله] ألم تأت كلها مضافة إلى الله؟ هو عندما يرسل رسولاً هو يصطفي رسلاً من نوعية معينة، يصطفي رسلاً لا يأتون إلى البشرية ليتحكموا عليها من منطلق الجبروت والهيمنة والاهتمام بالمصالح الخاصة، رسلاً يصطفيهم الله سبحانه وتعالى رحمةً للعالمين، يحملون هَماً كبيراً ويحملون اهتماماً كبيراً بأمر الأمة.
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128). هذا الرسول الذي قال: {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} وليس رسول كسرى، أو رسول لا أدري من، أو وفيكم خبير أمريكي، أو فيكم خبراء ألمان، أو فيكم قانونيون {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} آياته ورسوله، آياته تتلى عليكم ورسوله يتلو عليكم، فكيف تكفرون؟!
هل نقول بأنه فعلا قد لا يكون هناك أنها حصلت حالة كفر؟ بل حصلت {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} (الحشر: من الآية11) ألم يحصل هذا؟ المنافقون أليسوا من وسط المؤمنين، من وسط المجتمع الذي كان يتلى فيه آيات الله وفيه رسول الله؟ إخوانهم أصبحوا يشعرون بمشاعر الأخوة نحوهم وأصبحوا كمثلهم وشأنهم شأنهم، وحكمهم حكمهم.
أناس يمكن أن يكفروا وهم في الوقت نفسه تتلى عليهم آيات الله وفيهم رسوله، ما هؤلاء؟! ماذا يمكن أن نقول فيهم؟! هل هناك أحط مستوى من هذا النوع؟ لا. ولا حتى الأنعام ليست أحط مستوى ممن يمكن أن يكفر بطاعته لليهود، وهو يعلم أن اليهود أذلاء، وهو يعلم أن اليهود أعداء لدينه، وهو يعلم أن اليهود حاقدون عليه، وهو يعلم خبث اليهود، ومكرهم ثم يطيعهم فيكفر في الوقت نفسه الذي تتلى عليه آيات الله وفيه رسوله، أليست هذه نوعية سيئة جداً؟
لكن لاحظ يبدو في المجتمع أيضاً من هم أسوء من هؤلاء. المنافقون - ومعظم المنافقين لم يكونوا كافرين بمعنى منكرين للقرآن أو منكرين للرسول – هم مؤمنون بأن هذا هو القرآن وأن هذا هو رسول الله لكنهم ينطلقون منطلقات أخرى بسبب قلة وعيهم، وبسبب جهلهم بالله سبحانه وتعالى، جهلهم بمعرفة الله بالشكل الذي كان يمكن أن يخلق في نفوسهم خشية، اهتمامهم بمصالحهم، اهتمامهم بنفوسهم، {يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} إلى آخره.
ثم تلاحظ هؤلاء المنافقين هم أنفسهم ألم يكونوا يشكلون خطورة في ذلك المجتمع الذي كان فيه الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)؟ فأصبحوا هم من كانوا يؤثِّرون على الكثير فلا ينفق هذا الكثير، فلا يخرج مع رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) بل يتخلف عن الجهاد معه.
تأتي حملة رهيبة في القرآن الكريم على المنافقين؛ لأنهم كانوا شديدي التأثير، وكثيري التأثير في أوساط المجتمع الذي فيه آيات الله وفيه رسوله، لدرجة أن الله قال عنهم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} (المنافقون: من الآية4) لماذا احذرهم؟ هل لأنهم يشتغلون في أوساط الكافرين، أو أنهم كانوا يشتغلوا في أوساط المؤمنين أنفسهم؟ في أوساط المسلمين فيجعلونهم يتخلفون عن رسول الله ولا يهتمون بمقام رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) ولا يهتمون بما يصدر منه، ولا يخرجون للجهاد معه إلا متثاقلين، ويتعبونه جداً ويقلقونه جداً.
رجع عبد الله بن أُبَيّ بكم؟ بثلاثمائة رجل عندما خرج رسول الله إلى غزوة [أحد] استطاع أن يرجع بثلاث مائة إلى المدينة ويتخلفوا عن رسول الله ثلاثمائة، منافق واحد.
من يتأثر بمنافق عربي وآيات الله تتلى عليه وفيه رسوله، سيعبد يهودياً وليس فقط سيتأثر بيهودي، سيتحول إلى كافر على يد يهودي، وسيرى نفسه في يوم من الأيام يـعبد اليهودي كعبادة الناس للشيطان؛ لأن المنافق العربي هو أقل دهاء من اليهود، أقل خبرة، أقل فهماً، أقل ذكاءً، أقل دهاء من اليهود، فإذا كان منافقون عرب من أهل المدينة وممن حول المدينة هم قد يكونون من تأثروا تأثيراً بسيطاً باليهود فأصبحوا منافقين مزعجين، فأصبحوا مؤثرين فالمجتمع الذي يتأثر بالمنافق العربي البدوي سيتأثر باليهودي فيتحول إلى كافر، اليهودي الذي يمتلك تاريخاً من الخبرة قوامه أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ويعرف هذا الدين أكثر مما يعرفه المنافق العربي.
لو تلاحظون حتى فعلاً منافقي العرب في زماننا ألم يتحولوا إلى خدام لليهود؟ ويشغِّلونهم [بالريموت] عن بُعد.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
سورة آل عمران (الدرس الأول)
{إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 24شوال 1422هـ
الموافق: 8/1/2002م
اليمن – صعدة.