يتمنى الإنسان لو كانت جهنم مثل هذه السجون لرآها أهلها نعمة كبيرة أن تكون جهنم وإن كانوا خالدين فيها أبدا وهي من نوع سجون الدنيا، وفيها وسائل التعذيب التي في السجون هنا في الدنيا لكانت هينة، لكانت هينة، هنا أهل جهنم يسعى كل واحد منهم يتجه نحو بابها، يريد أن يخرج، هذا نفسه عذاب، يحاول حتى يصل نحو الباب فيجد أبوابا موصدة {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} (البلد:20) مغلقة محكمة الإغلاق {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} (الهمزة:9) من ورائها عمد: أعمدة من الحديد، من الجانب هذا إلى الجانب هذا، لا يستطيع أبدا أن يحركها، لا يستطيع أهلها أبدا أن يفتحوها، وهناك بجانب الأبواب من زبانيتها الغلاظ الشداد من يضربونهم بمقامع من حديد.
أليس هذا هو تعذيب رهيب؟ حالة من الغم الشديد؟ وهل هو شهر؟ هل هو سنة؟ لنقول لأنفسنا نحن عندما نفكر في أي عمل فتظهر أمام أذهاننا قائمة من السجون، لقد ترى أطول عقوبة أن تسجن عشرين سنة في سجن عادي، أما جهنم فليست سنة ولا سنتين، ولا مائة سنة، ولا ألف سنة، ولا مليار سنة، مليارات السنين لا تنتهي وهذا هو الشيء الذي يرعب الإنسان، والذي يجب أن نخاف منه جميعا: الخلود في جهنم.
قالوا إنه لو قيل لأهل جهنم أنكم ستبقون فيها وفي الأرض ما بين السماوات والأرض مليء بحبات الخردل، وفي كل سنة يأتي طائر يأخذ حبة واحدة منها - حبات الخردل حبات صغيرة قد تكون كحبات الدخن أو أصغر - وما بين السماوات والأرض ممتلئ حبات خردل، ويقال لهم ستبقون حتى تنتهي هذه الحبات الخردل لفرحوا، لفرحوا. وتصور أنت كم سيتسع مثل هذا المجلس من حبات الخردل؟ كم مليارات! تصور أنت كم يتسع هذا الفضاء ما بين السماوات والأرض من حبات الخردل، وفي كل سنة فقط في كل سنة يأخذ طائر حبة واحدة، لفرحوا؛ لأنهم حينئذ سيعلمون أن هناك نهاية، أن هناك نهاية لهذا العذاب وليكن مليارات، مليارات السنيين.
أليس هذا الشيء مزعجا شيء مرعب جدا؟ إذا قيل للواحد منا: أنت ستسجن ثلاث سنين، قد يخرج من دين الله ويكفر بالإسلام خوفا من أن يسجن ثلاث سنين، وقد يتخلف عن أي عمل هو مما ينجِّيه من جهنم خوفا من أن يسجن سنة واحدة، أما جهنم فالخلود فيها في حد ذاته هو الشيء الذي يجب أن يزعج كل إنسان مسلم.
وتكرر الحديث عن الخلود فيها: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (النساء: من الآية169) {خَالِدِينَ فِيهَا} تكرر كثيرًا. والخلود في جهنم، الزيدية هم الطائفة - أعتقد - الوحيدة الذين يؤمنون بما نص عليه القرآن الكريم من خلود أهل النار في النار، أما الآخرون فهم من حاولوا - لأن القضية مزعجة جدًا - من حاولوا أن يبحثوا عن أي مخلص، عن أي مخرج من الخلود في جهنم ليطمئنوا أنفسهم نوعا ما.
فإذا كان الزيدية هم أصحاب هذه العقيدة المنسجمة مع القرآن الكريم، مع تصريحات آيات القرآن الكريم بالخلود في جهنم، وهم من يجادلون الآخرين. ألسنا نحن من نجادل الآخرين، نقول: أبدًا، لا، ليس هناك شفاعة للمجرمين، أبدًا ليس هناك أحد سيخرج من جهنم. ألسنا من نجادل الآخرين؟ ولكننا لو رأينا أنفسنا وواقعنا لرأينا أنفسنا أحوج الناس إلى جزء من هذه العقيدة لو كانت صحيحة، ولوجدنا أنفسنا نحن من يجب أن نخاف، ومن نكون أكثر الطوائف الإسلامية جهادا في سبيل الله خوفا من جهنم، وعملا على إعلاء كلمة الله، ووقوفا في وجوه أعداء الله.
لأننا من نقول لأنفسنا ونعتقد - وهي العقيدة الصحيحة - أن جهنم لا أحد يخرج منها، وأن المجرم لا يمكن أن يشفع له الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله). فما بالنا نحن نرى أنفسنا أقل الطوائف اهتماما؟! أضعف الطوائف أثرًا؟! أبعد الطوائف عن أي عمل فيه لله رضا؟
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس الخامس عشر
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 8/2/2002م
اليمن – صعدة