وفي مسيرتنا القرآنية، من يومها الأول قدَّمنا الشهداء في كل المراحل الماضية، في إطار هذا الموقف نفسه، الذي نحن عليه الآن، من العدو نفسه (من الإسرائيلي، ومن الأمريكي)، ومن المنطلق الإيماني والقرآني، بحكم انتماء شعبنا العزيز للإسلام، وهويته الإيمانية الأصيلة، الراسخة، التي عَبَّر عنها رسول الله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" في قوله: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ)).
الميزة المهمة للمسيرة القرآنية هي: المشروع القرآني، والتحرك وفق هذا المشروع القرآني، شهيد القرآن السيد/ حسين بدر الدين الحوثي "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، كان صوتاً قرآنياً خالصاً، وتحرَّك بالمشروع القرآني، في مرحلةٍ مهمةٍ وحساسة، يسعى الأعداء فيها، أعداء الأمة، أتباع المشروع الصهيوني، وأذرعة المشروع الصهيوني: الأمريكي، والإسرائيلي، ومن يدور في فلكهم، يسعون إلى فرض خيارهم على الأمة، أمتنا الإسلامية، في ظل تَقَبُّلٍ رسميٍ في الواقع العربي، وفي كثيرٍ من البلدان الإسلامية، ما عدا استثناءات محدودة.
عندما تحرك الرئيس الأمريكي آنذاك [جورج بوش الابن]، وأعلن خيارين حصريين، ووجه كلامه إلى الجميع، قائلاً: [إمَّا أن تكون معنا، أو تكون ضدنا)، بمعنى: إن لم تكن معنا؛ فنحن ضِدُّك، هكذا هو المقصود: أنهم ضِدّ من ليس معهم.
وكانت هذه المعيَّة، بالنسبة لأمتنا الإسلامية (على المستوى الرسمي والشعبي)، لها مدلولٌ مختلف عمَّا تعنيه بالنسبة للآخرين، بالنسبة للآخرين من غير المسلمين يعني: أن يكونوا مع أمريكا وإسرائيل في مناصرة المشروع الصهيوني، داعمين، وشركاء، ومساندين، ومؤيدين، بكل ما يستطيعون، وفعلاً، البعض تحرك عسكرياً، ومالياً، وسياسياً... وغير ذلك؛ أمَّا بالنسبة لأمتنا فهي المستهدفة أصلاً من ذلك المشروع، ومن تلك الهجمة، هي الأمة المستهدفة، ومعنى أن تكون معهم وأنت تنتمي لهذه الأمة، يعني: أن تكون معهم ضد أمتك، ضد شعوبك، ضد دينك، ضد استقلالك وَحُرِّيَّتِكَ؛ لأن المشروع الصهيوني، الذي يتحرك فيه الأمريكي والإسرائيلي، هو مشروعٌ عدوانيٌ على أمتنا، يصادر الحُرِّيَّة والاستقلال للشعوب، يصادر الأوطان، يصادر الحقوق، يقتل أبناء الأمة، يمتهن هذه الأمة... إلى غير ذلك، هو تهديدٌ لها وعدوانٌ عليها، في هويتها ودينها، وفي استقلالها وحُرِّيَّتها، وفِي أوْطانِها وثَرَواتِها... وفي غير ذلك، وهذه المسألة واضحة.
ولذلك فالتَّقبُّل ممن ينتمي لهذه الأمة (رسمياً، أو شعبياً) يعني الاستسلام، يعني: أن تكون مع عدوك، المستهدف لك، المستهدف لأمتك، والذي يريدك أن تكون أنت مجرد أداة، تعينه لخدمته، في ما هو خطرٌ عليك وعلى أمتك، ومعنى أن تكون معه: أن تقبل بمصادرة حُرِّيَّتك، استقلالك، أن تقبل بذلك الدور الذي تكون فيه مجرد أداة خانعة مستسلمة، تُسَخِّر نفسك، وَتُسَخِّر إمكاناتِك، وإمكانات بلدك عندما تكون في موقع مسؤولية، لخدمة عدوٍ وتمكينه، فيما هو- في الأخير- يصادر عليك كل شيء، وهذا يعني: الغباء بكل ما تعنيه الكلمة، يعني: الخسارة بكل ما تعنيه الكلمة؛ ولهذا أكَّد القرآن الكريم على هذه الحقيقة، بعد أن قال: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة:51-53]، (نَادِمِينَ، خَاسِرِينَ) هذه هي الحقيقة القرآنية التي أكَّدَ الله عليها، وهو من يعلم الغيب والشهادة، وهو العليم بذات الصدور، هي المآل الحتمي لمن اتخذ خيار: أن يستجيب للأمريكي يوم قال [معنا]، ومعنا- كما قلت- فيما يتعلق بمن ينتمي لهذه الأمة لها مدلول يختلف عن الآخرين، يمكن أن يكون لمن انضم مع الأمريكي من الأوروبيين [معنا] مدلول آخر، شركاء، ودول أخرى؛ لكن بالنسبة للعرب، للمسلمين جميعاً من عربٍ وغيرهم، فالمسألة مختلفة تماماً.
أمَّا [ضدنا]، فأيضاً لها مدلول مهم، وبالذات عندما تكون مسلماً، عندما تكون منتمياً لهذه الأمة المستهدفة من الأمريكي والإسرائيلي، يعني أن تكون:
- ضِدّ الجرائم التي تستهدف أمتك.
- ضِدّ أن تُستباح أمتك في كل شيء، أن تهدر دماء هذه الأمة، أن تستباح أوطانها وثرواتها، أن يمتهن أبناؤها، وأن يكونوا مُسَخَّرين، خانعين، مستسلمين، خاضعين للعدو، يُمَلِّكونه كل شيء، ويقدِّمون له كل شيء، ويحرِّكهم كما يشاء ويريد.
- ضِدّ أن تستهدف مقدسات أمتك، المقدسات المهمة، بحكم انتمائها للإسلام.
- ضِدّ أن تطمس هويتها الإسلامية والإيمانية.
- ضِدّ أن يَتَّجه الأعداء إلى فصل هذه الأمة عن مبادئها الكبرى، عن كتاب ربها، عن القرآن الكريم، أن تُزَيَّف حقائق الإسلام...
إلى غير ذلك، مما يدخل في إطار البرنامج الأمريكي الإسرائيلي، والمشروع الصهيوني لاستهداف هذه الأمة.
ولذلك كان من المهم جداً، ولا يزال، هو: تحديد الخيار في الضِدّ والمعيَّة؛ لأن الأمريكي يريد إمَّا أن تكون في الوضعية التي يريدك أن تكون عليها، وإلَّا فهو سيعتبرك ضِدّ، ضِدَّ برنامجه، مشروعه، تحركه، ما يسعى إلى تحقيقه، إن لم تكن في إطار الوضعية التي يريدك أن تكون عليها، وهي وضعية استسلام بلا شك.
ولذلك تحديد الخيار، وتحديد الموقف، هي مسألة مهمة جداً؛ لأن المسألة مصيرية، وللدنيا والآخرة، وكان من أهم ما ينبغي مراعاته واحتسابه في مسألة تحديد الخيار، وتحديد الموقف بناءً على ذلك، هو: مبدئية الموقف والخيار؛ لأن هذه المسألة مسألة خطيرة للغاية، ومهمة، وكبيرة جداً.
ولذلك حرص شهيد القرآن، السيد/ حسين بدر الدين الحوثي "رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ"، على أن تكون الانطلاقة انطلاقةً قرآنية، وأن يكون تحديد الخيار، وكذلك اتخاذ الموقف في إطار القرآن الكريم، في إطار تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في إطار مشروعٍ قرآنيٍ قدَّمه، وتحرَّك على أساسه، في إطارٍ مبدئيٍ أخلاقيٍ إيمانيٍ، يتحرك على أساسه، ويدعو الأمة إلى التحرك على أساسه ووفقه؛ لأن من أخطر ما يمكن أن تتعرض له الأمة عندما يتَّجه البعض لتحديد خياراته، واتخاذ مواقفه، بشكلٍ منفصل عن المبادئ، عن القيم، عن الأخلاق، بعيداً عن القرآن الكريم، بعيداً عن مبادئ هذا الإسلام العظيم، الذي ننتمي إليه كأمةٍ مسلمة، وتتحول المسألة وكأنها مسألة يمكنك أن تتخذ فيها وجهة نظر مجردةً ومفصولةً عن مسألة مبادئ، أخلاق، قيم؛ وإنما تحت عنوان واحد، هو: (عنوان المصالح)، المصالح السياسية والاقتصادية، وبنظرةٍ مغلوطةٍ تماماً إلى عنوان المصالح؛ لأنه أي مصلحة لأمتنا في أن تُسخِّر نفسها، وإمكاناتها، وقدراتها، وتُبِيح كل شيءٍ فيها، لمصلحة أعداء لها، حاقدين عليها، لا يحترمونها، ولا يعترفون لها حتى بأنها من المجتمع البشري، وبأن أبناءها بشر، إلى هذا المستوى، وليس لها عندهم لا حق الحياة، ولا حق الوجود، ولا حق الاستقلال، ولا حق الحُرِّيَّة... ولا أيّ حقٍ من الحقوق، العربي عندهم لا يُصنَّف كإنسان، ضمن حقوق الإنسان والعناوين التي يتحدَّثون عنها، أي مصلحة لك أن تجنِّد نفسك لخدمة عدوٍ حاقدٍ، مجرمٍ، مفسدٍ، طاغٍ، مستكبر، تخسر بتجنيدك نفسك وإمكاناتك له دنياك وآخرتك؟! أيُّ مصلحة؟! ليس هناك أي مصلحة، لكن المسألة مسألة مهمة فعلاً، في غاية الأهمية.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي
حـــول آخـــر التطـــورات والمستجـــدات الأسبوعيـــة
الخميس 12 جمادى الأولى 1446هـ 14 نوفمبر 2024م