{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} (الواقعة: 68) أأنتم ترون هذا الماء؟ نعم نحن نراه، ونحن نعرف أننا لسنا نحن الذين نخلقه وننتجه، هل الماء تنتجه المصانع؟ {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ من الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمنزِلُونَ} (الواقعة: 69).
سؤال، كيف سيكون الجواب: أنت يا الله الذي تنـزله من المزن، من السحاب {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} (الواقعة: من الآية70) مالحًا فلا يصلح للشرب ولا يصلح لسقي الأرض، هل بإمكانك أن تسقي نباتات من البحر؟ لا يصلح.
أليس ماء البحر كثير جدًا؟ لكن لا يصلح لا للشرب ولا لزراعة الأشجار، ولا لسقي المزارع بل ولا يصلح أحيانًا استخدامه مع بعض أدوات التنظيف، أحيانًا لا يصلح استخدامه مع بعض أنواع الصابون، لا يقبل.
ألسنا مؤ منين بأن الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يجعله أجاجًا: مالحًا شديد الملوحة؟ يستطيع حتى ولو أبقاه كثيرًا في متناولنا، لكن يستطيع أن يحوله إلى مالح، أو يغوِّره في أعماق الأرض {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمن يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} (الملك: 30).
من الذي يعطيكم بديلًا، هل أمريكا يمكن أن تعطينا ماء؟ أو اليابان أو الصين يمكن أن يعطونا ماء؟ مصانع تنتج ماء؟ لا، هل تستطيع الدولة نفسها أن تعطينا ماء؟ هي تصيح على الناس المزارعين بأنه حاولوا أن تقللوا من استخدام المياه العشوائي، مخزون الماء معرض للانتهاء. ليس المخزون، إنما هو نحن، مخزون العودة إلى الله قد انتهى، مخزون العودة إلى الله في أنفسنا هو الذي انتهى. نحن لو عدنا إلى الله لما خشينا؛ لأنه قال: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} (الجـن: 16) فليكن من السماء وليكن من باطن الأرض.
الحفاظ على الماء في استهلاكه قضية مهمة، والتبذير بالماء هو من التبذير الذي نهى الله عنه في كتابه الكريم، وشبه المبذرين بأنهم إخوان الشياطين {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} (الاسراء: من الآية27) هذه الآية من الشواهد المهمة على أهمية الجانب الاقتصادي في حياة الناس، على أهمية الجانب الاقتصادي فيما يتعلق بقيامهم بواجباتهم ومسئولياتهم أمام الله سبحانه وتعالى؛ لأن حياتنا مرتبطة بالماء، فغذاؤنا مرتبط بالماء، رزقنا مرتبط بالماء، بل سماه رزقًا في آيات أخرى سمى الماء رزقًا، هكذا مباشرة.
فمن يبذر بالماء كأنه شيطان، أي كأنه يعمل على أن يضرب الأمة من أساسها، حتى لا تستطيع أن تقف على قدميها في النهوض بواجباتها الدينية {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} هو لا يقدر نعمة الله سبحانه وتعالى، هو لا يعترف بالأهمية الكبرى للماء في أنه هو أساس الحياة، هو عمود الحياة: حياة الأرض، وحياة الأنفس، بل حياة الإيمان، حياة الدين، بل حياة الأمة، عزتها كرامتها.
إسرائيل تحاول أن تهدد سوريا والعراق بضرب الأنهار التي تأتي من داخل تركيا في اتفاقيات مع تركيا بأن تحول الماء إلى داخل إسرائيل، لاحظوا كيف اليهود داخل إسرائيل يحاولون بأي طريقة على أن يحصلوا على كميات كبيرة تؤمن لهم حاجتهم من الماء، أذكياء، أذكياء، بأي طريقة يحاولون أن يحصلوا على ما يؤمن لهم الماء من أجل أن يستطيعوا أن يقفوا على أقدامهم أكثر مما قد حصل في مواجهتنا.
والعرب يتعرضون في شعوب كثيرة إلى أزمة مياه، بل هي قد تكون الأزمة الخانقة داخل هذه الأمة؛ لأن معظم الشعوب العربية لا تمتلك أنهارًا، أو لديها أنهار تأتي منابعها تأتي من بلدان هي لا تزال تحمل عداءً سواء للإسلام أو للعرب. بعض البلدان وإن كانت إسلامية مستعدة أن تدخل في اتفاقيات تضر بالبلاد الإسلامية العربية، لعداء للعربي لديهم، في الوقت الذي تعمل إسرائيل على أن تحصل على كميات كبيرة من الماء حكوماتنا هنا لا تحاول أن تفكر جادة فيما هو الذي يؤمن لها الماء، فقط يوجهوننا إلى ترشيد استهلاك الماء، سواء في ال منازل أو في المزارع، هذا جيد لكن ماذا تملكون أنتم في سبيل توفير المياه؟
تبنى سدود صغيرة هنا وهناك وخزانات صغيرة هنا وهناك، هذه الخزانات وهذه السدود جيدة، لكنها لا تؤمن الحاجة الضرورية للماء إلا للبيوت على أكثر تقدير، بالنسبة للمزارع كثير من ال مناطق لا يصلح فيها سدود تكون كافية لسقي الأراضي ولفترات طويلة فيما لو بقي الجفاف من سنتين فما فوق.
لماذا إسرائيل تفكر أن تحصل على الماء وتؤمن لنفسها، وأنتم لا تفكرون؟!
إذًا نحن مسلمون، أقل من تلك التكاليف التي تصرف على محطات تحلية للماء على البحر نعود إلى الله سبحانه وتعالى هو الذي وضع لنا حلًا {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} (الجـن: 16) أليس هذا وعدًا إلهيًا؟ لماذا لا تعمل الحكومات على أن تستقيم على الطريقة وأن تعود بشعوبها إلى الاستقامة على الطريقة، والتي منها أن تستقيم وتقف على الاستقامة في مواجهتها لأعداء الله سبحانه وتعالى؟ لا تتمثل استقامة الطريقة في صلاة الاستسقاء، ولا في الدعاء إلى الله، ونحن لا نعمل لدينه شيئًا، لا نعمل في مجال إصلاح عباده ومحاربة المفسدين في أرضه أي عمل.
وفِّروا على شعوبنا القروض، قروض كثيرة تثقل كاهل أي شعب، تؤدي إلى أزمات اقتصادية خانقة، وفروا علينا القروض وحاولوا أن نعود نحن وأنتم إلى الله سبحانه وتعالى، حتى نؤمن لأنفسنا غذاءنا، ونؤمن لأنفسنا مصدر حياتنا وأساس الحياة، وعمود الحياة وهو الماء.
وحتى في حالة افتراض أن هناك ماءً متوفرا لا بد أن نتذكر نعمة الله سبحانه وتعالى بهذا الماء، فإذا كنت م من لا يتذكر نعمة الله فهو هنا يقول لك: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ من الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمنزِلُونَ} (الواقعة: 69).
كيف ستكون الإجابة؟ أليس أنت يا الله؟ إذًا تذكر نعمة الله، فإذا كنت تجيب بأنه من الله وبالتالي ترى أن كل شؤون حياتك، مصادر غذائك، مصادر حاجاتك كلها متوقفة على الماء، إذًا فهو نعمة وأساس لنعم كثيرة، فاشكر الله على هذه النعمة الكبيرة التي هي أساس النعم، واشكر الله على كل نعمة هي متفرعة من تلك النعم الأساسية.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
سلسلة دروس معرفة الله- نعم الله
الدرس الخامس
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 22/1/2002م
اليمن – صعدة