{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}[الرحمن: الآية37]، إذا أتت أحداث يوم القيامة، وهي آتية، وهي ستحصل، وهذا الأمر آتٍ لا بدَّ منه، ولا ريب فيه، سيتبين حينها عجز كل البشر، هل سيستطيعون أن يردوا هذا اليوم؟ هل سيتمكنون أن يعملوا على تفادي تلك الأحداث والمتغيرات؟ السماء ستنشق، هل سيستطيع البشر أن يتدخلوا، وأن يعملوا على أن تلتئم لهم من جديد، وألَّا يحصل هذا الانشقاق فيها، الذي هو خراب، خراب للسماء والأرض، ودمار هائل يأتي إلى السماء والأرض؛ تمهيداً لهذه المرحلة القادمة؟ الكل في موقف العجز والضعف، هي أحداث هائلة، رهيبة جدًّا، ومرعبة جدًّا، والبشر والجن كلهم عاجزون عن أن يعملوا شيئاً لتفاديها، أو للحيلولة دونها.
{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}: يتغير لونها، ويأتي هذا في إطار تدميرها، وتدمير هذه الأرض التي نحن عليها، هذه الأرض التي وضعها الله لنا، وهيَّأ لنا فيها كل ما نحتاجه من متطلبات حياتنا، وجعلها مستقرةً لحياتنا، غير مضطربة، وهيَّأ لنا في جغرافيتها، وفي بيئتها، وفيما أودع فيها من النعم، ما تستقيم به حياتنا، يتغير واقعها تماماً، في يوم القيامة تشهد تدميراً هائلاً، وزلزالاً عظيماً، ودكاً يغيِّر كل معالمها، كل معالمها، لا يبقى عليها جبال، الجبال تنسف، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}[طه: الآية105]، أي أحداث هائلة جدًّا! أي واقعٍ آنذاك والجبال بكلها تنسف! هذا الدمار كيف سيكون صوته، أثره، هيبته، الخوف والرعب منه؟! الله قال عن يوم القيامة: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا}[المزمل: من الآية17]، حدث رهيب جدًّا.
جبل واحد يندك بكله، حدث هائل جدًّا.
زلزال في منطقة محدودة يمكن أن يكون مرعباً جدًّا للناس، يمكن أن يدمِّر مدناً بأكملها، يمكن أن يكون له تأثير كبير على حياة الناس، وأن يموت بسببه الكثير من البشر، وأن تكون حالة الرعب منه إلى حدٍ كبير.
رياح شديدة يمكن أن تخيف البشر، يمكن أن تغيِّر… أحداث كثيرة يمكن أن تزعزع حياة الناس في منطقة معينة.
أي كارثة من الكوارث، بركان في منطقة معينة، يمكن أن يتسبب بنكبة كبيرة لمنطقة بأكملها.
مثل هذه الأحداث الجزئية، المحدودة، البسيطة، مقارنةً بأحداث وأهوال يوم القيامة، يمكن أن تخيف البشر، أن تزعجهم، أن تؤثِّر على حياتهم، أن تتسبب بموت الكثير منهم، أن يخسروا بسببها مساكنهم، ومستقر حياتهم.
أمَّا ذلك الحدث فهو حدثٌ شامل، ليس حدثاً جزئياً، يختص بمنطقة هنا، أو دولة هنا، أو بلد هناك، هو دمارٌ شامل، يشمل كل المعمورة، وأكثر من ذلك، كل الأرض، ودمار هائل، دمار كلي:
تُنسَف به كل الجبال، وتتحول إلى هباء يتطاير في الجو.
وتفجَّر به كل البحار، فلا يبقى منها قطرة ماء واحدة.
وتدك الأرض به دكاً هائلاً وعنيفاً، لدرجة أنها تتغير حتى في هيأتها وفي شكلها، {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}[الانشقاق: 3-4]، الأرض تتحول كما قال عنها: {قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}[طه: 106-107]، مستويةً بشكلٍ تامٍ، تتحول إلى عرصةٍ واحدة، وساحةٍ واحدة؛ لمهمةٍ محددة: هي الحشر فيها، والحساب عليها.
حدث رهيب جدًّا، البشر سيكونون عاجزين عن أن يعملوا أي شيء للحيلولة دون ذلك.
{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: الآية38]؛ لأن تكذيبك بالنعم، وتنكُّرك لها، تنكُّرك لهذه النعم العظيمة، وفي مقدمتها القرآن، سيكون له تأثيرٌ على مصيرك آنذاك، وعلى مستقبلك الآتي حتماً.
في ذلك اليوم، بعد كل هذه الأحداث الهائلة، التي في بدايتها يموت كل الذين على قيد الحياة في الأرض، كل الذين كانوا عندما أتت القيامة أحياءً يموتون بكلهم، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر: الآية68]، في البداية يموت الذين كانوا آنذاك على قيد الحياة، ومتى ستأتي؟ لا أحد يعلم، إلَّا الله “سبحانه وتعالى”.
القيامة ستأتي بغتة، ستأتي بغتة، ستأتي بشكلٍ مفاجئ، في وقتٍ غير متوقع، ولذلك من المهم الاستعداد لها، سواءً أتت وأنت على قيد الحياة، أو أتت وأنت كنت قد مت، فمن مات قامت قيامته، لم يعد لديه أي فرصة أخرى، ومرحلة الموت إلى القيامة هي مرحلة سريعة، تعتبر سريعة، الإنسان يتفاجأ، وكأنه لم يكن إلا عَقِب لحظة، أو وقت يسير جدًّا، من حين مات إلى حين بعث.
ولهذا الله “سبحانه وتعالى” أنذرنا في القرآن، وذكرنا بهذه الحقائق، قال عن القيامة، عن الساعة: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}[الأعراف: من الآية187]، في وقتٍ غير متوقع، الناس فيه يمارسون حياتهم الطبيعية، الكثير منهم في غفلة تامة عن هذه الأحداث، وعن هذا المستقبل الآتي، لا يأبهون به، لا يلتفتون إليه، لا يستعدون له، فيأتي بشكلٍ مفاجئ.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة السابعة 1442هـ