متي ما قلنا: (يتوحد الناس تبادر إلى ذهن أي واحد منا: يتوحد المسلمون جميعاً. لا، لا، لو توحد شعب واحد، لو توحدت محافظة واحدة، لو توحدت قبيلة واحدة لعملوا المستحيل. وأمر الله للناس بالتوحد، وهذه التوجيهات ألم تكن في بدايتها موجهة إلى كم؟ إلى ما هو أقل من مليون مسلم، قد لا يكونون نحو مليون مسلم، الذين توجهت هذه التوجيهات إليهم، وكم هو اليمن؟ تسع عشر مليون على أقل تقدير، والشيء نفسه بالنسبة للزيدية، بقدر ما تكون أنت تناط بك مسئولية أكثر، بقدر ما تكون الجريمة من قبلك في التفريط أكبر.
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ألسنا نقول: بأننا (ألزيد ية) خير الأمة؟ وأننا نحن الطائفة المحقة؟ وفعلاً عقائدنا هي الحق، يشهد لها القرآن الكريم، ويشهد لها الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)، ولكنا أصبحنا كما أصبح الآخرون.
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} فهذه الأمة هي أفضل الأمم، ناسين كيف أصبحت هذه الأمة لما فرطت في المسئولية، وفي هذا الشرف العظيم. كذلك نحن الزيدية، من نقول: بأننا أفضل الطوائف، وأننا خير الطوائف، وأننا أهل الحق، وأننا، وأننا...إلخ. المسئولية كبيرة علينا، وأكبر من الآخرين. أهل البيت من يقولون: أنهم خير الناس، وأن الله فضلهم، وأن الله كذا، وكذا.. وأوجب على الناس محبتهم، ومودتهم، المسئولية عليهم أكبر، وأكبر. لكننا فرطنا جميعاً.
فالتذكير بما حصل على بني إسرائيل هو يذكر بسنة إلهية، نعوذ بالله من أن تقع علينا {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} (آل عمران: من الآية112) أليس هذا هو الذي حكاه عن بني إسرائيل؟ إنما نسأل الله أن يرفعها عنا أما وقوعها فيبدوا أنها قد وقعت فعلاً، ونعمل كيف نكون ممن يسعى لرفع هذه الذلة، وهذا الغضب، وتلك المسكنة وإلا فهذه الذلة، والمسكنة معروفة، أصبحت معروفة.
تضرب طائرات (ياسر عرفات) مسكين، ويحاصر في بيته، وكل زعماء العرب، كل شعوب العرب فقط يتفرجون في التلفزيون، ولا حتى يستطيعو أن يقولوا شيئاً، ولا يحركوا شيئاً، أليست هذه هي الذلة؟ لم يكن العربي البدوي يسمح لمثل هذه أن تحصل.
الصحفيون، والذين يتولون إذاعات نشرات الأخبار ماذا يكون همهم؟ مذيعة في قناة الجزيرة أثناء الضرب، لاحظوا أثناء الضرب، همها فقط أن يوافي بآخر الإحصائيات من أجل الخبر تسبق إليه الجزيرة فقط، [تمام لكن قلنا كم هناك من ضحايا إلى حد الآن، وكم هو الضرب] فقط، إنما نريد أن نعرف كم قتلوا، وكم دمروا، بدون أن نعمل شيئاً، وهكذا وسائل الإعلام تأتي بالأخبار فقط لمجرد الإحصائيات، ونحن نستمع فقط لمجرد الإحصائيات، لكن ليس هناك في إعلامنا ما يحركنا، ولم يعد في ضميرنا، وفي أنفسنا من الإباء ما يحركنا، هي تسابقه في الكلام، هو يريد يكلمها تقول: [تمام لكن قل لنا الآن، الآن - قبل تأتي قناة أخرى تأتي بإحصائية دقيقة، حتى تسبق إليها قناة الجزيرة - الآن قل لنا الآن كم الإحصائيات؟] فقط.
ونحن عندما نطالع في التلفزيون فنعرف ماذا يعمل بالمسلمين هنا وهناك لمجرد معرفة إحصائيات فقط، لأن اليهود قد روضونا، واليهود خطيرين في الترويض، يقتلون اثنين، ثلاثة، أربعة فلسطينيين، خمسة، عشرة، واليوم بيت، وغداً بيت، وثاني أسبوع ثلاثة بيوت؛ لأ نهم عارفون طبيعتنا نحن العرب، في الأخير نضجر، لم نعد نريد أخبار فلسطين، قد نحن نريد أخباراً جديدة، أما هذه قد هي معروف خلاص. هم يروضوننا،
لكن لاحظ كم ستطلع النتيجة؟ كم بلغت إحصائيات القتلى خلال هذه الانتفاضة؟ كم؟ عدد كبير جداً، نحو ثلاثة آلاف، لكن (وحدة، وحدة) كل يوم يفطرون بثلاثة، ويتعشون بأربعة، هم يعرفون أننا سنضجر حتى أن نتابع أخبارهم، ملل لدينا العرب ملل، هذا هو من الخذلان أيضاً، من مظاهر الخذلان: أن يحصل ملل لدى الناس فلا يعودون يستثارون بشيء، فقط أحياناً متى ما حصل حادثة فيها عدد كبير، عشرة في مرة واحدة، أليس هذا يكون مثير قليلاً؟ لا، قالوا: [إذاً اقسموهم لليلتين] المرة الثانية يضربون خمسة، واليوم التالي خمسة، والنتيجة هي هي، هم تحت اليد، هم ليسوا عجِلِين.
لأهمية التذكير بفضيلة السبق التي كان العرب معروفين بأنهم كانوا سباقين إلى ما فيه الشرف، والرفعة، ألم يكونوا هكذا: سباقين إلى ما فيه شرف ورفعة، ويتنافسون فيما بينهم على مقامات الشرف، والرفعة، والإباء؟ يقول لبني إسرائيل أنفسهم: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} ليفوزوا بشرف السبق في مستقبل الرسالات كما فازوا في ماضيها، في أيام أنبياء بني إسرائيل، فاز الكثير منهم، حيث كانوا يجاهدون تحت راية موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وغيرهم من الأنبياء (عليهم السلام).
ونحن العرب يقول لنا، ولو كنا كما كان يراد لنا: خير أمة، نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونؤمن بالله لكان خيراً لنا، لكان خيراً لنا في دنيانا، وآخرتنا، لماذا انحط بنوا إسرائيل؟ لأن المؤمنون منهم قليل، وأكثرهم الفاسقون، هكذا تكون الأمة - في حالة كهذه - معرضة للإستبدال، أن يستبدل الله بها غيرها،
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (المائدة: من الآية54) يعني قوماً آخرين غيركم {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ} هو فضل، يعني: التأهيل لحمل الرسالة، التأهيل بأن تناط بكم مسؤولية كهذه، هو شرف، وهو فضل عظيم.
ذكَّرهم بالنعمة العظيمة، والشرف العظيم لهم: بأن يكون محمد (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) منهم، فلم يحسبوا لها حسابها، كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته، ويجهرون له بالقول كما يجهر بعضهم لبعض، فجاء الله في كتابه الكريم يؤدبهم: أنتم لا تعرفون من هو هذا الرجل محمد (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)، أنتم لا تعرفون عظم النعمة به عليكم، منَّ عليهم بان كان كتابه الكريم بلغتهم {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء:195) وذكرهم بالشرف العظيم {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}(الزخرف: من الآية44) لشرف لك ولقومك {وَسَوْفَ تُسْأَلونَ}.
فالمسئولية كبيرة، ضياع، ضياع ما هو شرف لك، شرف لك في الدنيا وفي الآخرة، ومن شرفك به هو الله، وسوف تُسأل عنه يوم القيامة بين يدي الله {وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} فلم يهتموا بهذا، شرَّفهم بأن اختار لهم قائداً، يؤمنون، ويسلِّمون بأنه أعظم فارس ومقاتل، وأنه أكملهم بعد رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) علي بن أبي طالب عليه السلام فلم يلتفتوا إلى هذا، أختار لهم أهل بيته ليكونوا قرناء مع كتاب الله، فيكونون هم من تلتف حولهم الأمة، فرفضوا هذا، وبحثوا عن قدوات من هنا وهناك، من بخارى، ونيسابور، وطبرستان، وجرجان، وغيرها من المناطق الأخرى، حتى لم يعودوا يبحثون عن قدوات من العرب. البخاري، ومسلم، وأبو داوود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير، والرازي، وفلان، وفلان، من أين هم؟ من هناك عجم.
العرب أنفسهم، الذين اختير لهم قدوة نبي من أنفسهم، وقائد من أنفسهم، وهداة وأعلام من أنفسهم، وكتاب بلغتهم، فيرفضون هذا، ويطلِّعون عليه كتاب البخاري، أين كُتب كتاب البخاري؟ ومن هو كاتب هذا الكتاب؟ لاحظ كيف يستبدلون هم لأنفسهم {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا} (البقرة: من الآية61) اهبطوا، أليس البخاري لديهم وهم يقولون: أنه الكتاب الأول بعد القرآن؟ وعملياً يقولون: [السنة حاكمة على القرآن] حاكمة على القرآن، وأعظم كتاب لديهم في السنة هو البخاري،
إذاً فالبخاري حاكم على القرآن، أليس هكذا؟ ألم ينبذوا كتاب الله الذي نزل بلسا نهم، ويبحثون عن كتاب من بخارى؟ ينبذون رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) الذي هو من أنفسهم، وفي أكثر من آية {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (آل عمران: من الآية164) منهم، عربي. أنت أيها العربي، من كنت تنافس، ومن كنت تكاثر الآخرين حتى بالأموات، وكانوا يتنافسون في العدد، وفي البحث عن مقامات الشرف، حتى ينطلق بعضهم مع بعض ليقول: هذا عمي، وهذا خالي، وهذا جدي، في المقابر {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} (التكاثر:2) كان هنا التكاثر الحقيقي، كان هنا الشرف الحقيقي.
القراء الذين اختاروهم، قراء للقرآن، وأصحاب القراءات من أين هم؟ أكثر من 90 % منهم، أعتقد واحد منهم عربي، والباقي كلهم موالي.
إذاً فهداتهم، وقادتهم، وأعلامهم، في التفسير، في الحديث، في القراءات كلهم من غير العرب، أما كان العرب هم منهم جديرون بأن يكون الشرف العظيم لهم؟ الآن أن يلتف العرب حول البخاري، أليس شرفاً لأهل بخارى: أن منا البخاري، ومنا فلان، ولأهل نيسابور: أن منا مسلم بن الحجاج، وهكذا؟ أليس فخراً لأولئك، وشرفاً لأولئك؟
كان الشرف للعرب أن يكون منهم نبي الأمة، منهم آخر الرسل، هو سيد البشر، لكن افتخار حقيقي، يكونون بمستواه، وبلغتهم نزل القرآن، ومنهم أعلام الأمة، ومنهم هداة الأمة، ومنهم قادة الأمة، منهم علي عليه السلام ومنهم أهل بيت رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) لكن لا، ضيعوا، ضيعوا. إذاً قل: أن القضية أصبحت {كنتم} "حمِّيْها، كنا نريد منكم أن تكونوا كذا، وكذا، ثم ضيعتم"
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
الدرس الرابع – سورة آل عمران – ص – 7 - 9.
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ:28 شوال 1422هـ
الموافق:12/1/202م