{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}[الناس: الآية4]، (الْخَنَّاسِ)؛ لأنه يأتي متخفياً، قد تأتي لك فكرة بقالب معين، وقد يكون هذا الوسواس كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {مِنَ الْجِنَّةِ}، نقرأ قبلها قوله: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}[الناس: الآية5]؛ لأن منطقة التأثير في الإنسان هي هنا في صدره، هذه المنطقة التي هي منطقة التأثير، منطقة الدوافع، منطقة الرغبات، منطقة المخاوف، منطقة الانفعالات، منطقة الغضب، فتأتي عملية الوسوسة لتأثَّر عليها، لتحركك في الواقع العملي في الاتجاه الخاطئ، ولتؤثر عليك في الواقع العملي في الاتجاه الخاطئ، فهي المنطقة التي يؤثر فيها الوسواس، وهي المنطقة التي نحتاج إلى العناية بها من خلال هدى الله -سبحانه وتعالى-، {مِنَ الْجِنَّةِ}، قد يكون الموسوس من الجنة، من شياطين الجن، وطبعاً هو عملهم الرئيسي، العمل الأساسي والرئيسي لشياطين الجن هو الوسوسة، هم لا يملكون التأثير علينا بأي وسيلةٍ أخرى، لا يملكون أن يجبرونا على فعل عملٍ معين، على فعلٍ ما، أو تصرفٍ ما، أو موقفٍ ما، أو أن يمنعونا من عملٍ ما؛ إنما يؤثرون بواسطة الوسوسة، قد تكون مستغرقاً حسب تصورك في التفكير، وأنت على فراشك جالس، أو مضطجع حتى، في أي حالٍ من أحوال الإنسان، في تلك اللحظة التي تعتبر نفسك فيها مستغرقاً في التفكير، وأنت تتفاعل، أنت منشد إلى قضية معينة، أو موضوع معين، أو أنت تعيش ظروفاً معينة، شياطين الجن هم يرصدون الواقع البشري، يعني قد يدرك شيطان الجن، أنك في تلك اللحظة لديك مشكلة معينة، وأنها تمثِّل مدخلاً له ليوسوس لك فيها، أو يراك متجهاً إلى عملٍ معين، عملٍ مهم، يأتي ليحاول أن يصدك عنه، أو أن يشوش عليك أدائك فيه، وهكذا هم يرصدون الواقع البشري، وهم يدركون استغلال الظروف والفرص الحساسة، مثلاً يأتي إليك وأنت في حالة انفعال وغضب وتفكر في تلك الحالة، ويأتي ليوسوس لك، تفهم الأمور بفهمٍ مبالغٍ فيه، أو بفهمٍ مختلف، تندفع إلى مواقف وتصرفات زائدة، باطلة، تشط فيها، تشطط عن الحق.
الجِنَّة هم قد يأتي وأنت لا تشعر به، وحتى قد تكون أنت تظن أنك تفكر وأن كل تلك الهواجس التي تطلع في بالك إنما هي من بنات أفكارك، إنما هي من أفكارك أنت، وتتفاعل مع ذلك، تتفاعل مع ذلك، ومشكلة البعض أيضاً أنهم ينقطعون عن الارتباط بمصادر الهداية، يعني: لا يستمع إلى هدى الله، لا يلتجئ في أي موضوع أو قضية معينة إلى هدى الله، ويجلس يعتمد على التطانين، على هذه الوساوس، يجلس يوسوس، ويظن نفسه أنه يفكر تفكيراً سليماً، والحالة الأكيدة أنه يوسوس وسوسةً سيئة، وليست عملية تفكيرٍ سليم؛ ولأنه يظن نفسه فهمان، شاطر، ذكي، يعتبر أنه لم يعد بحاجة إلى أحد، إنما سيعتمد على تلك الوسوسة التي يظنها تفكيراً سليماً، وهؤلاء يتأثرون سلباً، والبعض قد يكون في موقع مسؤولية، والبعض قد يكون في عمل مهم، ولكن لانقطاعه عن الالتجاء إلى الله، لعدم انتباهه لخطورة الوساوس، لعدم ارتباطه بمصادر الهداية، يتأثر بالوساوس، يبني عليها المواقف الخاطئة، مواقف يتحمل بها الأوزار والذنوب، مسألة خطيرة جداً.
قد يندفع الإنسان إلى معصية من المعاصي كان يظن أنه لوحده، وأنه انطلق بقرار شخصي، صحيح القرار كقرار هو قرارك أنت، لكنك خضعت لتأثيرٍ شيطاني، كان إلى جانبك جنيٌ من شياطين الجن، وقد أوصل إليك ووسوس لك بتلك الهواجس التي حركت فيك الرغبات، أو الانفعالات، أو الغضب... أياً كان ما حركه فيك فانطلقت على أساسه ومتأثراً به.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية الثامنة: 1441هـ 01-05-2020م.