فكيف يقال: بأنه ليس هناك حاجة إلى أن نتحدث عن كيف نعرف وضعيتنا، وكيف نعي واقعنا، وكيف ننطلق إلى أي عمل مهما كان لنعمل على إرضاء ربنا حتى يفك عنا تلك اللعنة التي هي في واقعها أعظم من اللعنة التي وقعت على بني إسرائيل؟! ألا يجدر بنا أن نبحث عن أي عمل كان ولو بشكل صرخة نعلنها وشعار نردده نعبر فيه عن موقف.
{تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ}(المائدة: من الآية80) هذه عبارة مؤلمة جداً{لَبِئْسَ} مهددة جداً{لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ}(المائدة: من الآية80) ألم يقل الله في آية أخرى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}(الحشر: من الآية18) ما أسوأ ما قدمه هؤلاء لأنفسهم عندما كانوا على هذا النحو: عصاة، معتدين، لا يتناهون عن منكر فعلوه، يتولون الكافرين {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}(المائدة: من الآية80) وهناك تتحدث بأنه لعنهم {أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} في الدنيا وكيف ستحظى أمة بتأييد الله أو نصره، كيف ستحظى برعايته وعنايته إذا كان قد سخط عليها {وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}(المائدة: من الآية80).
أليس هناك في أوساطنا تولي لليهود والنصارى وللكافرين؟ أي دولة أيُّ زعيم لا علاقة له بالكافرين وباليهود والنصارى علاقات صداقة حميمة، واتفاقيات اقتصادية، اتفاقيات دفاع مشترك، اتفاقيات ثقافية، اتفاقيات تجارية، اتفاقيات تبادل خبرات حتى في المجال التربوي، صداقة حميمة قائمة بين من يفترض منهم أن يكونوا هم من يقفون في وجه أولئك من أعداء الله الكافرين واليهود والنصارى.
ونحن نتولى أيضاً ولكن بأسلوب آخر إما على طريق التدريج نتولى من يتولى، أو تولي مباشر, وقد يصل الناس إلى التولي المباشر من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون فيكون الناس حينئذ {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ}(المائدة: من الآية81).
لو كنا نحن المسلمين، مؤمنون بالله وبالنبي محمد، وبكتاب الله القرآن الكريم ما اتخذنا اليهود والنصارى أولياء، بل لوقفنا ضدهم، ولطهرنا الأرض من فسادهم {وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}(المائدة: من الآية81).
ويقول سبحانه وتعالى:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ}(البقرة: من الآية55). أليست هذه عقوبة؟ {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}(البقرة: من الآية55) ويقول أيضا عن بني إسرائيل:{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ}(البقرة: من الآية61)، هكذا تجد ذلك هذا يعني: أن الحديث عن بني إسرائيل قدم لنا عبرة نحن: أنه إذا لم نكن بعيدين عما كانوا عليه فسيكون واقعنا كواقعهم وسيكون موقف الله منا كموقفه منهم، وتعامله معنا كتعامله معهم، هم أبناء نبيه إبراهيم، خليله إبراهيم، هم من فضلهم، من آتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين، فإذا كان قد أوصلهم إلى هذه الحالة، فهل سيرحم آخرين وصلوا إلى هذه الحالة نفسها؟ اقترفوا ما اقترف أولئك، هل سيرحمهم؟ إن كان سيرحم ويتغاضى عن أحد فإن أولئك أبناء خليله إبراهيم ومن جعلهم ورثة كتابه، ومن جعل فيهم النبوات طيلة التاريخ تاريخ النبوات، لكانوا هم الجديرين بأن لا يلعنهم، وألا يؤاخذهم، وألا يضرب عليهم الذلة والمسكنة.
هل العرب يرون مقامهم بالنسبة لله أعظم من مقام بني إسرائيل؟ بنو إسرائيل بلغ بهم الحال عندما لمسوا مقامهم العظيم الذي وضعهم الله فيه أن قالوا:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}(المائدة: من الآية18).
العرب أنفسهم هل يرون لأنفسهم ذلك المقام عند الله، أنه آتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين، وجعل فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكا، وفضلهم على العالمين بأشياء كثيرة جداً؟ لا.. العرب في واقعهم لم يحظوا بما حظي به بنو إسرائيل، لكنهم شرفوا، شرفوا بأن كان نبي الله عربي منهم سيد الأنبياء، وخاتم الأنبياء (صلوات الله عليه وعلى آله)، وشرفوا بأن كان القرآن الكريم بلغتهم، وشرفوا بأن كانوا هم الأمة التي أراد الله أن تنطلق هي لتحمل هذه الرسالة العظيمة إلى العالم كله، فكان هذا الشرف هو الذي سيأخذ كل الشرف الذي أعطيه بنو إسرائيل، وسيكون العرب بكتابهم الكريم الذي جاء بلغتهم مهيمناً على كل الكتب سيكونون هم مهيمنين على كل الأمم.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
محياي ومماتي لله
دروس من هدي القرآن
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي
29/8/2003م
اليمن – صعدة