اليوم الذي أعلن فيه رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" ولاية أمير المؤمنين عليٍّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، اليوم الذي أتم الله فيه النعمة، وأكمل فيه الدين، نتوجه في هذه المناسبة المباركة، وذكرى هذا اليوم الأغر، بالمباركة والتهاني لشعبنا اليمني المسلم العزيز، ولكل المؤمنين والمؤمنات في أرجاء الدنيا.
وشعبنا العزيز احتفل بهذا اليوم المبارك في أغلب المحافظات التي هي حُرَّة، وكان هناك حضورٌ جماهيريٌ واسعٌ وشعبنا العزيز احتفل في هذا العام كما في كل الأعوام الماضية؛ لأن هذا جزءاً من موروثه الإيماني المبارك، فهو على مدى قرونٍ من الزمن، كان يحيي هذا اليوم، ويحتفل بهذه المناسبة؛ لأنه يمن الإيمان، ويمن الحكمة.
وإحياء هذه المناسبة له فوائد مهمة:
- في مقدمتها: الاعتراف بالمِنَّة والفضل لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أنه أكمل الدين، وأتم النعمة، كما قال "جلَّ شأنه": {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: من الآية3]،
- ثانياً: التخليد للبلاغ التاريخي العظيم، الذي بلغه رسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، في الثامن عشر من شهر ذي الحجة، في السنة العاشرة للهجرة النبوية، أثناء عودته "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" من حجة الوداع، وأيضاً الشهادة للنبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" بالبلاغ.
- ثالثاً: ترسيخ الوعي والإيمان بولاية الله تعالى، والكفر بالطاغوت، وهذا من أهم المبادئ الإيمانية.
والبداية هي بحديث الولاية، المعروف بحديث الغدير، المتواتر بين المسلمين بمختلف مذاهبهم:
في السنة العاشرة للهجرة النبوية، أتى الإشعار للنبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" من الله تعالى بقرب رحيله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ" من هذه الدنيا الفانية إلى جوار الله تعالى، وفي إطار التدبير الإلهي والتوجيه الإلهي، قرر النبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" أن يحج حَجَةً سُميَّت بحجة الوداع، ليتيح له ذلك اللقاء بأمته على أوسع نطاقٍ ممكن، وتقديم التعليمات والتوصيات المهمة، والوداع للمسلمين، ولذلك سُميَّت تلك الحجة بحجة الوداع؛ لأنه ودَّع فيها المسلمين، وقال لهم في خطابه في تلك الحَجة، قال لهم: ((ولعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا)).
والرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه" حث المسلمين، عبر الرسل والرسائل إلى مختلف المناطق، على الحج في ذلك العام بشكلٍ كبيرٍ وواسع، بل استنفرهم نفيراً عاماً للحج في ذلك العام؛ لأهمية ما سيقدمه لهم، ولعل ذلك الحج كان الأكبر من حيث الحضور، منذ أن أعاد نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وابنه نبي الله إسماعيل "عَلَيْهِ السَّلَامُ" بناء الكعبة، وقام بإحياء فريضة الحج، من ذلك الزمن إلى زمن رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه" إلى ذلك الحج، في ذلك الموسم، يظهر أنه الموسم الأكثر حضوراً، يعني: على مدى آلاف الأعوام كان له هذه الميزة؛ وذلك يعود إلى مدى اهتمام النبي "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه" وحرصه، وسعيه لأن يكون حضور المسلمين على نحوٍ واسعٍ جداً في ذلك الموسم المهم.
في حجة الوداع قدَّم النبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" للمسلمين التعليمات الكاملة، المتعلقة بفريضة الحج، وكيفية أداء مناسك الحج، وألقى خطاباً مهماً في الحج نفسه، كان فيه نقاط مهمة لمستقبل الأُمَّة:
- الحث لها على الاستقامة على الإسلام، وعلى الأخوَّة.
- والاعتصام بحبل الله.
- والتحذير لها من الفرقة، ومن التظالم... وغير ذلك.
- وترسيخ التوجه الأخلاقي والديني على أساس الإسلام.
خطابٌ معروف، وهناك مقتطفاتٌ منه نقلها المسلمون في كتبهم وتراثهم.
ثم انصرف النبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" بعد إكمال الحج قافلاً باتجاه المدينة، ومعه الحجيج، يستمرون معه إلى مرحلة معينة من الطريق، ثم يبدأ تفرق الوفود باتجاه المناطق، ووصل إلى الجُحْفَة، وَالجُحْفَة منطقة لا زالت قريباً من مكة، هي أقرب إلى مكة منها إلى المدينة، في وادٍ هناك فيه غدير ماء، الوادي يسمَّى بوادي خم، والغدير يسمى بغدير خم.
في ذلك الموطن، في ذلك الموقع نفسه، كان هناك أهمية كبيرة جداً لذلك الموقع؛ باعتبار أن ما بعد ذلك الموقع ستبدأ الوفود (وفود الحجيج) بالتفرق باتجاه مناطقها المختلفة، في ذلك الموقع، وقبل أن يتفرق الحجيج باتجاه بلدانهم ومناطقهم، نزل قول الله "تَبَارَكَ وَتَعَالَى" مخاطباً لرسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ": {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة: الآية67]، هذه الآية المباركة تتضمن بوضوح، وتفيد بشكلٍ واضح:
- عن الأهمية القصوى للبلاغ الذي أمره الله بأن يقدِّمه، أن يبلغه للناس، وتبيَّن أن محتوى ومضمون ذلك البلاغ له علاقةٌ تامة بحيوية الدين، وإقامته، وثمرته، وأثره في الحياة، إلى هذه الدرجة التي قال عنها: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.
- وأيضاً أن له حساسية كبيرة جداً لدى الناس، كما يفيده قوله تعالى في نفس الآية: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، أنه موضوع حساس لدى الناس، ومثير لديهم، وفيه تعقيدات بالنسبة للناس وحساسية كبيرة.
من المعروف أنه ما قبل ذلك، ما قبل تلك المرحلة ونزول هذه الآية، في المراحل الماضية، قد تم البلاغ من النبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" بالمبادئ الكبرى للإسلام:
- في مقدمتها: مبدأ التوحيد لله، ومحاربة الشرك، الذي كان أول المبادئ الإسلامية، وكان أيضاً حساساً جداً في واقع العرب، ودخل في صراع كبير معهم حول هذا المبدأ المهم والأساس.
- كذلك ما يتعلق بمعرفة الله، والإيمان به، والإيمان باليوم الآخر، والمعاد الذي كان العرب يكفرون به أيضاً... غير ذلك من المبادئ المهمة.
- وأيضاً كان قد بلغ الأُمَّة بأركان الإسلام، وما يتعلق بها.
- بلغهم أيضاً بأخلاق الإسلام، بالشرائع التي قد أوحى الله بها إليه.
- بلغهم أيضاً بالمواقف، واتخذ المواقف على ضوء تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، التي تتعلق بأعداء الإسلام والمسلمين: الموقف من مشركي العرب، والموقف من اليهود، الموقف من النصارى، الموقف من المنافقين، مواقف قد بلغت وتحرَّك النبي على أساسها، وأدى ما عليه فيها قولاً وفعلاً.
فما هو الموضوع المتبقي في تلك المرحلة، التي لم تكن إلا مدة زمنية بسيطة، المتبقي له أقل من ثلاثة أشهر من عمره الشريف، على مدى ثلاثةٍ وعشرين عاماً قد بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأُمَّة، وجاهد في سبيل الله، ما هو الموضوع المتبقي، والذي له تلك الأهمية الواضحة في الآية المباركة، أهميته في علاقته بإقامة الدين، وثمرة الدين، وثمرة الرسالة الإلهية، {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، وهو في نفس الوقت حساس جداً لدى الناس، إلى درجة أن الله يعصم نبيه، ويحفظه من ردة الفعل السيئة والقاسية من جانب الناس، والخطرة من جانب الناس، فيقول له: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}؟! يتضح ذلك بكله من خلال البلاغ الذي أعلنه النبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" في ذلك المقام.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في مناسبة يوم الولاية 1445هـ