وسيظل العرب هكذا، وسيظل زعماء العرب يعملون على قتل من يتحرك ليأمر بالقسط من الناس، ولكن ربما ستصبح المسألة أسوأ وأسوأ بكثير، أن يصل بهم اليهود إلى أن يصنعوا المبرر الظاهري للبسطاء، وللمغفلين من الناس، فيقتلوا ذا، وذاك، بحجة ماذا؟ إرهابي، أليس هذا بـ(حق) في الصورة؟ هذا من مظاهر الكفر بعد إيمانكم {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (آل عمران: من الآية100) فتصل بكم الحال إلى أن تنطقوا أنتم بالمبرر غير الشرعي، وغير الواقعي لقتل من يأمر بالقسط من الناس، من يتحرك ضد اليهود والنصارى، فتقولون: إرهابي {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} (المائدة: من الآية52) "ويكلف علينا" ويضرب مصالحنا، إذاً يقتل، إذاً يشرد، إذاً يسجن، وهكذا
يصبح الناس أسوأ، أسوأ مما عجز عن أن يقوله بنوا إسرائيل أنفسهم حينما كانوا لا يستطيعون أن يأتوا بمبرر ظاهري لقتل نبي من أنبيائهم، أو ولي من أ وليائهم، وحينما كانت هذه الأمة من يتولون أولئك الذين قتلوا من قاموا بالقسط من أهل البيت، لم يستطيعوا أن يأتوا بمبرر منطقي، مبرر يعني: كلامي، كلامي هكذا في الصورة، أمام البسطاء.
لكن اليهود قد يصلون بالناس، قد يصل الناس إلى درجة أنهم ينطقون بالمبررات الوهمية، ويتشبثون بها، أليس هذا يدل على أن الأمة قد وصلت إلى ضلال رهيب جداً، حتى أصبحت تبحث عن مبررات ترددها على أفواهها، وعلى مسامع بعضها بعض؛ ليقتل الزعماء من يأمرون بالقسط من الناس، أو يشردونهم، أو يسجنونهم، تحت عنوان: إرهابي، سيضرب مصالحنا؛ لأنه قد أصبحت مصالحنا الوهمية، مصالح وهمية هي المقياس، هي المعيار الذي يجعلنا نقف مع هذا، أو مع هذا، والذي يجعلنا في الواقع - وهي مصالح وهمية، وكلها كلام - يجعلنا في الأخير لا نعدُّ أيَّ قائم بالقسط من الناس ذا قيمة إذا كان سيتعارض معها، ولو كان محمد بن عبد الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)، أو علي بن أبي طالب عليه السلام أو الأئمة من أهل البيت.
والشيء نفسه أن يكون واقع الناس على هذا النحو، وإن لم يكونوا يباشرون قتل نبي ما داموا متولين لمن قتل الأنبياء، هذا بالنسبة لبني إسرائيل، لما كانت نفس الروح السيئة الخبيثة لا تزال قائمة لديهم، ألم يتآمروا على قتل النبي (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)؟ أي: كان ما زال حالة قتل الأنبياء قائمة في نفوسهم، فتآمروا، وحاولوا أن يقتلوا النبي (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) بالحجر، وهو يتظلل قرب بيت من بيوتهم، وحاولوا أن يدسوا السم لرسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم).
هذه الحالة أليست عند العرب الآن؟ أليس زعماء العرب الآن مستعدين أن يقتلوا من يأمر بالقسط من الناس، أليس كذلك؟ لو قام عالم من العلماء ماذا سيعملون؟ يعملون على أن يقتلوه، ألم يعملوا على أن يقتلوا (بدر الدين) ويغتالوه في بيته وهو إنما حمل لقب نائب رئيس حزب الحق، وتحرك لإحياء هذا الحزب، ولجمع كلمة الناس تحته؟ حزب، من أجل أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويقوم بالقسط من الناس، ويتحرك أيضاً في إطار دستور وقانون كبقية الأحزاب، ألم ينطلقوا ليعملوا على اغتياله بصاروخ يوجهونه إلى المكان نفسه الذي ينام فيه؟ وضربوا بيته أيضاً بـ(البوازيك) فيما بعد؟
إذاً هذه الحالة التي هي تجعلهم على ما كان عليه بنو إسرائيل لا تزال حالة قائمة لديهم جميعاً، لدى مختلف زعماء العرب، ولدى الشعوب نفسها التي ألفت أن تؤيد أيَّ زعيم لها، في أي موقف كان، ومن يقول لنا بكلمة من هذا التلفزيون، أو من هذه المحطة الإذاعية تصنع مبرراً وهمياً، فنحن سنردده، ونؤيد، ونبارك، ألم يباركوا قتل الحجاج؟ وهم كانوا إنما كانوا يتحركون بكلمات: [الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل] هي عمل بسيط في إطار إقامة القسط في هذه الأمة، وإعادة رفعتها، وشرفها، فقتلوهم، فانطلق علماء من هنا، وهناك يقولون: لم تعمل المملكة العربية السعودية إلا ما يجب عليها، وإن على بقية الحكومات العربية أن تقف معها، سمعنا هذياناً من هذا النوع، أليست هذه هي حالة قائمة؟
إذاً هي نفسها، هي نفسها الحالة التي كانت عند بني إسرائيل، وما زالت، فجعلتهم جديرين بأن يبوءوا بغضب من الله، وأن يضرب عليهم الذلة، والمسكنة، أليست هذه ظاهرة في العرب الآن: الذلة والمسكنة؟ لأنهم كفروا بآيات الله، وقتلوا من يأمرون بالقسط من الناس، مَن هم بمنزلة أنبياء بني إسرائيل في هذه الأمة، بغير حق.
{ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (البقرة: من الآية61) ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، فمن عصى، واعتدى على هذا النحو فسيكون جديراً بأن يضرب بالذلة، والمسكنة، ويبوء بغضب من الله.
إذاً وجدنا في مجموعة آيات من آيات الله، كم فيها من الهداية؟ كم فيها من التذكير؟ كم فيها من الحقائق؟ حقائق في إطار العلو، والرفعة لهذه الأمة، وحقائق في إطار الهبوط، والخسة، والذلة لهذه الأمة، وكيف رُسمت لها الطريق، وكيف أخبر الله بأنه هو سيتولى قيادة الموقف معها، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (آل عمران: من الآية109)، يذكر بأنه سيهيئ، سيهيئ، وهو من له ما في السموات، وما في الأرض، وله جنود السموات والأرض.
كأنه يشعر هذه الأمة بأنه سيحشد معها ما يملك، يحشد معها ملكه، وعالمه، يحشد معها تأييده ونصره؛ لنرى في الأخير كيف ضَعْف إيمان أولئك، كيف قِلة وعيهم، كيف عدم ثقتهم بالله سبحانه وتعالى، عندما لا يلتفتون إلى القرآن الكريم؛ ليهتدوا به في مقام المواجهة مع إسرائيل، وأمريكا، مع اليهود والنصارى.
لنرى في الأخير كيف تكون مسؤولية كبرى على علماء الأمة، على علمائنا أيضاً، عندما لا ينطلقون ليذكروا الناس، ويثقفوا الناس، ويرشدوهم، ويهدوهم بالقرآن الكريم، ويبينوا لهم حقائق القرآن الكريم، ما الذي يمنع؟ ما الذي يخيف؟ لا شيء إطلاقاً يشكل خطورة على الناس أعظم من خطورة العواقب التي رسمها الله أمامنا في آياته على التفريط، والتواني، والتقصير، وعدم الثقة به، والرجوع إليه، إلا متى ما أحسينا بحاجة، متى ما أحس واحد "بجيبه فاضي" وجاء قليل من الجُدب [اللهم إنا نسألك، اللهم اسقنا، اللهم، اللهم..] نرجع إلى الله، فمتى ما سقانا الله، وأصبح لدينا نعمة، لم نعد نفكر في شيء آخر.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
الدرس الرابع – سورة آل عمران – ص - 14–15.
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ:28 شوال 1422هـ
الموافق:12/1/202م اليمن – صعدة.