الحادثة الثانية: }وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ{
هي حادثة إطعام علي عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام للمسكين واليتيم والأسير على مدى ثلاثة أيام وإيثارهم لهم على أنفسهم واكتفائهم بالماء وهم في أيام صوم متتالية تنزلت آيات الله تعالى مسجلة أعظم مآثر علي عليه السلام في ضمير الوجود حيث ستبقى ترددها الآفاق والألسنة وصفحات المجد ما شاء الله تعالى: }وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْـرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا{[الإنسان:8-1
يقول السيد حسين رضوان الله عليه:
}وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا{ [الإنسان:8] لاحظوا حتى التقليل في العبارة هنا: مسكين واحد أول ليلة، يتيم واحد ثاني ليلة، أسير واحد ثالث ليلة، أليسوا هنا ثلاثة أشخاص؟ فقط ثلاثة أشخاص؟! هل يستحق لأنه أعطى ثلاثة أشخاص؟! أي: أعطى كذا، كذا... وهذا أعطى مئات الناس، لكن عطاء مئات الناس - أحياناً - لا يكون له قيمة، يُصَفّر عليه عند الله سبحانه وتعالى، ولا قيمة حتى عند الإنسان نفسه الذي بذله؛ لأن العطاء إذا لم يكن مِنْ داخل، وتبتغي به وجه الله، وإن كان لفرد واحد، العطاء إذا لم يكن على هذا النحو تبتغي به وجه الله ومن أعماق نفسك يكون له أثره في تزكية نفسك أنت، لكن متى ما أعطيت مُرَاءاة لو تعطي مليوناً فلن يصنع في نفسك أثراً أبداً ولن يزكّي نفسك، مهما عملته مراءاةً أو لأيّ غرض آخر ليس على هذا النحو: }إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا{[الإنسان:9] ولا من الآخرين أن يثنوا ولا أن يمدحوا، لأنه بالطبع من الذي سيُثني على أننا أطعمنا يتيماً، يتيماً واحداً لا يبدو جذاباً، أليس كذلك؟ لكن ألف شخص يعمل لهم وليمة يبدو هذا جذاباً، أليس كذلك؟ القضية ليست على هذا النحو، يكشف لنا أعماق نفسيات هؤلاء الذين يشدّنا إليهم كأعلام.
أطعم مسكيناً ويتيماً وأسيراً، فقط ثلاثة؟! ليس المهم هو العدد فقط ثلاثة، المهم أجواء العطاء والنفوس التي انبعث منها، الدوافع نحو العطاء هي التي أردنا أن نكشفها لك، فتعرف مَن هم هؤلاء، الذين يعطون على هذا النحو سيعطون الأمة كلها كل ما يملكون، أليس هذا هو المهم؟.[1]
[1] سورة المائدة ـ الدرس الثاني.