المسألة بالنسبة للعدو الإسرائيلي، هي ضمن الحقائق القرآنية التي أكَّد الله عليها، عن عداء اليهود لهذه الأمة في كل الأحوال، هل الشعب الفلسطيني كان قد استثار اليهود، يوم توافدوا واستُقدموا من بلدان كثيرة من العالم لاحتلاله؟ هل كان في إطار مشكلة مع اليهود، أو حركة ضد اليهود، أو استفزاز لليهود؟ لا، أتى اليهود ابتداءً من غير أي مشكلة، ولا تحرُّك معادي، ولا استفزاز، أتوا لاحتلال فلسطين وهم منذ اليوم الأول يحملون الخريطة الكبرى، لما يسمونه بـ[إسرائيل الكبرى]، التي تشمل الشام بكله: تشمل سوريا، وتشمل لبنان، وتشمل الأردن، وتستهدف أيضاً أجزاء واسعة من العراق، من مصر، من المملكة العربية السعودية، ثلاثة أرباع المملكة العربية السعودية، منذ اليوم الأول، قبل أي مشكلة، قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، العدو الاسرائيل استهدف سوريا، ما قبل الثورة الإسلامية في إيران، ما قبل انتصارها، ما قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وسعى لاجتياح سوريا، وقتل الآلاف من أبناء سورية، عمل كل ذلك قبل إيران، وعلاقة مع إيران، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وقبل حضور العنوان الإيراني، ما قبل ذلك كان الإسرائيلي عدوًا لسوريا، محتلاً لأجزاء من سوريا، عاملاً على اجتياح كل سوريا، قاتلاً للآلاف من أبناء سوريا؛ فهو عدوٌ حقيقيٌ، وابتدأ بعدوانه سوريا، الحرب في مراحل متعددة معروفة في التاريخ العربي، والعدو الإسرائيلي يحاول أن يجتاح كل سوريا، وعندما يفشل وصل إلى مرحلة أن يحتل أجزاء منها، في مقدمتها: الجولان السوري المحتل.
فهذه هي حقائق واضحة، يتنكر لها البعض تعمدًا، ويتجاهلها تعمدًا، ولكن هل يفيد التنكر لهذه الحقائق، والتجاهل لها؟ العدو لكم جميعًا يا أيها العرب، يا أيها المسلمون، هو الإسرائيلي، اليهودي، الصهيوني، هو عدوكم جميعًا، وهو لا يتردد عن استهدافكم، وهو يسعى لفرض هذه المعادلة عليكم: معادلة الاستباحة، الاستباحة لكل شيء، ومعادلة أن تكون قدراتكم العسكرية في حدود ما تؤدون به مهمات تخدمه، في الاقتتال فيما بينكم، وسحق بعضكم بعضًا، واستنزاف قدراتكم؛ لإيصالكم بأنفسكم إلى مستوى الانهيار التام، وفقدان كل عناصر القوة المعنوية والمادية؛ لتكون أمةً مفرقةً، مبعثرةً، متناحرةً، ممزقةً، ضعيفةً بكل ما تعنيه الكلمة، هذا ما يريده لكم؛ لأنه عدوٌ فعليٌ، أكَّد الله لكم أنه عدوٌ لكم، يريد أن يمسخ هويتكم الدينية، يريد أن يبعدكم عن القرآن الكريم، يريد أن يحرق كل العناوين لصالحه، حتى العناوين الدينية، وحتى عنوان (الجهاد في سبيل الله)، لا يحضر إلَّا- عند الكثير من أبناء هذه الأمة- إذا كان لخدمة العدو الإسرائيلي، في الاستهداف لأبناء الأمة، وهذه مسائل واضحة جداً.
إن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قال في القرآن الكريم: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[فاطر: 6]، قال عن اليهود: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة:82]، وها هي جرائمهم، ها هي أفعالهم، ها هي اعتداءاتهم، ها هو عدوانهم وما يفعلونه بكم، {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}، وجهوا نحوه سلاحكم، وجهوا نحوه التحريض ضده، التعبئة عليه، إعلان الموقف الصريح منه، كونوا واضحين في عداوتكم له، وكونوا جادِّين وصادقين في عداوتكم له، وتحركوا في إطار أن تتخذوه عدواً، كما تفعلون حينما تعادون، المشكلة لدى البعض أنهم لم يعادوه حتى الآن، لم يتخذوه عدواً، لكننا نراهم كيف هم تجاه من يتخذونه عدواً، يقاتلون بشراسة، باستبسال.
كم نتمنى أن تحضر التكبيرات، والبنادق، والرايات، وأن تحضر حتى السكاكين، في مواجهة الجنود الإسرائيليين، وأن تكون تلك الجماعات المسلحة التي سيطرت على سوريا، تلقت ذلك الاجتياح الإسرائيلي ببنادقها ودباباتها، وتلك القدرات التي هي ملكٌ للشعب السوري، وبالسكاكين، والصرخات، والهتافات، والتكبيرات، وبتلك الشراسة وذلك الاستبسال، هذا كان سيرفع من قدرها وشأنها، ويعزز من دورها وحضورها، وهذا ما هو ضروري، هذا ما هو مسؤولية، وما يمثل اختباراً حقيقياً، لهم ولغيرهم، ولداعمهم، لكل أبناء هذه الأمة، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً، الحقائق تشهد أن الأمريكي والإسرائيلي هم أعداء هذه الأمة بكلها، مهما كانت تجاهها السياسي، مهما كانت مذاهبها، مهما كانت مواقفها.
ثم في هذا السياق نفسه، نحن نعلن ونؤكد وقوفنا مع سوريا، ومع شعب سوريا، ضد العدوان الإسرائيلي والاعتداءات الإسرائيلية، لن يؤثِّر علينا مسألة أن يكون من يسيطر على الوضع هنا أو هناك أيّاً كان، عندما يكون العدوان يستهدف بلداً عربياً، وشعباً مسلماً، فنحن سنقف إلى جانبه.
لكننا نقول للجميع: عليكم مسؤولية، الكل عليهم مسؤولية أن يقفوا ضد العدو الإسرائيلي، وأن يكون لهم موقفٌ واضح، وصريح، ومعلن، لا أن يتعاملوا بالصمت والسكوت والجمود، ولا بالتسامح، المقام ليس مقام تسامح مع العدو الإسرائيلي، وأنا كثيراً ما أفكر، وأستغرق في تفكيري في حالةٍ من التعجب والاندهاش، عن التسامح العربي والإسلامي من معظم البلدان العربية والإسلامية، من معظم الأنظمة العربية والإسلامية، التسامح الكبير جداً تجاه الإسرائيلي والأمريكي! وهم ليسوا أهل تسامح، لا فيما بينهم، ولا تجاه بعضهم البعض، يعني: المقدار والمستوى من التسامح من جهة الأنظمة العربية، ومن جهة كثير من القوى، والجماعات، والتيارات، تجاه الأمريكي والإسرائيلي، هو فوق ما يمكن أن يكونوا متسامحين به حتى مع آبائهم، وأمهاتهم، وإخوتهم، وشعوبهم، وإخوانهم، وأصحابهم، وأقاربهم، هم يتسامحون مع الأمريكي والإسرائيلي ليفعل كل ما يشاء ويريد، وفي كل شيء، يتسامحون معه في كل شيء:
- يتسامحون معه ليقتل، ومهما قتل هم أولئك الذين يتسامحون، ويسكتون، ويتغاضون، [غفر لك] على حسب المثال العربي، يعني: مسموح لتفعل كل ما تشاء وتريد.
- يتسامحون معه مع كل ما يظهره من العداء، يحتل الأرض، الكثير من الناس لن يتسامح مع أخيه من أمه وأبيه، لو أنه يريد أن يأخذ أرضاً عليه.
- يتسامحون معه فيما يوجهه ضد دينهم، ضد كرامتهم... ضد كل شيء.
الجرائم المهولة والرهيبة التي يفعلها العدو الإسرائيلي حتى بالأسر الفلسطينيين، والمخطوفين الفلسطينيين، رهيبة جداً جداً، إلى درجة ألَّا يستطيع الإنسان أن يتكلم عن بعضها، وأن يوصف البعض منها، أو أن يتحدث عن البعض منها؛ لفظاعتها، ولمستوى ما تمثله من إساءة، خدش للعرض والكرامة وغير ذلك، مع ذلك هناك تسامح عجيب، لكنهم أشداء جداً جداً جداً جداً فيما بينهم، ليس هناك تسامح، ليس هناك تغاضٍ، ليس هناك تفاهم، قسوة رهيبة وشدة رهيبة إلى حد يندهش الإنسان!
في ظل هذه التطورات والعدوان الإسرائيلي على سوريا، يتحدث الإسرائيلي، وتحدث قبله الأمريكي، عن العمل على تغيير ملامح الشرق الأوسط، بمعنى: أن هناك مشروع ومؤامرة أمريكية إسرائيلية، يتحرك فيها الإسرائيلي والأمريكي معاً، لاستهداف هذه الشعوب وهذه البلدان، وهذا شيءٌ يجب أن نَعِيَّه جميعاً، وأن نفهمه جميعاً، وأن ندرك أنه يعني: الاستهداف العدائي لأمتنا، ليست مسألة عادية طبيعية عندما نسمع هذا العنوان [التغيير لملامح الشرق الأوسط]، يعني: أنكم يا عرب، يا مسلمون، في بلدانكم وشعوبكم مستهدفون بماذا؟ بما يحقق الأهداف الإسرائيلية الأمريكية لصناعة وضعٍ جديد، ما هو هذا الوضع الذي يريدون أن يصنعوه، وأنتم الميدان المستهدف له، أنتم ميدان هذا الاستهداف؟ هو- ما قلناه سابقاً- أن تتحول هذه الشعوب وهذه البلدان إلى بلدان مستباحة للإسرائيلي، تخدم العدو الإسرائيلي، وتخدم الأمريكي، ويفعل فيها الأمريكي والإسرائيلي ما يشاء ويريد، وتتحول هذه الشعوب وهذه البلدان إلى خاضعة بالمطلق للإسرائيلي والأمريكي:
- يأخذ ما يشاء ويريد من الأراضي: ينشئ له القواعد العسكرية أينما يريد، يأخذ من الثروات ومنابع الثروات ما أراد، الثروات النفطية، الثروات الأخرى، يسيطر عليها بقدر ما يريد.
- ويفرض على هذه الأمة التغيير في ثقافتها الدينية وهويتها الدينية: يتدخل في المناهج الدراسية، يتدخل في الخطاب الديني، يتدخل أيضاً على مستوى المعتقدات الدينية، يعمل على حالة إنشاء اتجاهات جديدة في هذه الأمة، تحت العناوين الدينية، وتحت العناوين المذهبية... وغير ذلك.
- ويعمل على أن يصل بهذه الأمة في التناحر الداخلي والاقتتال، إلى ما يساعده لتحقيق أهدافه.
ولتحقيق هذا الهدف، وهذا العنوان، لابدَّ أن يحاول أن يحرِّك أنظمة، وهذا من الشيء المؤسف جداً ومن المحزن للغاية: أن عنوان الشرق الأوسط الجديد، أو تغيير ملامح الشرق الأوسط، يتَّجه الأمريكي والإسرائيلي في مسألة تنفيذه، إلى تفعيل أنظمة إسلامية وعربية، وجماعات وتيارات عربية وإسلامية، لتنفيذ هذا المخطط على يدها؛ لأن هذا هو أجدى في التنفيذ، وأسرع في عملية التنفيذ، وأضمن للنجاح في مسألة التنفيذ من جهة؛ ولأنه يُجَنِّب الأمريكي والإسرائيلي الكثير من الخسائر والكلفة الكبيرة على المستوى المالي، وعلى مستوى الخسائر البشرية.
.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي
حـــول آخـــر التطـــورات والمستجـــدات الأسبوعيـــة
الخميس 11 جمادى الآخرة 1446هـ 12 ديسمبر 2024م