{اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} هذا واقعهم، واقعهم أنهم لم يقبلوا بآيات الله ودين الله ونهج الله الحق لم يقبلوا به، واستبدلوا به ثمناً قليلاً من مصالح دنيوية أو شهوات نفسية ورغبات شخصية، ثم تحركوا للصد عن سبيل الله سبحانه وتعالى ليصدوا الناس ويبعدوا الناس عن اتباع آيات الله والتمسك بمنهج الله، في حالة عداء لمنهج الله سبحانه وتعالى وعمل بكل الوسائل، على المستوى الإعلامي التضليل، التضليل الكبير والتشويه والدعايات لإبعاد الناس عن منهج الله وطريق الله واتباع آياته، منهج الله الحق المتمثل بهديه العظيم آياته وكتابه الكريم.
على بقية المستويات صد بكل الأساليب حروب سجون وسائل للتنكيل المضايقة في المعيشة، كل الوسائل التي يرون فيها وسائل ضغط أو تأثير أو مضايقة يستخدمونها، كذلك وسائل الترغيب والاستمالة وما شابه. كل الوسائل التي يرون فيها وسيلة تأثير لصد الناس وإبعادهم عن هدي الله وعن منهجه وعن آياته، تحركوا في هذا الاتجاه، وهذا من أسوأ الإجرام من أكبر أنواع الفساد في الأرض.
من أكبر أنواع الفساد في الأرض ومن أكبر الجرائم جريمة الصد عن سبيل الله، جريمة الصد عن سبيل الله، قضية خطيرة جداً، ولطالما عدها الله في آيات كثيرة من كتابه أنها من أكبر الجرائم التي توعد بها الكافرين جريمة الصد عن سبيل الله، وهي من أي طرف كانت هي تلك الجريمة بقبحها وشناعتها وسوئها وأثرها السيء في الواقع الصد عن سبيل الله، سواء كانت من كافرين أو منافقين أو مِن مَن يحسبون أنفسهم مسلمين، من يتحرك لصد الناس عن سبيل الله، بما في ذلك صدهم عن إتباع آيات الله بما تدعو إليه وتحدده من مواقف أو أعمال أو مشاريع عمل، من يتحرك لمواجهة آيات الله، آيات الله فيما دعت إليه، آيات الله فيما وجهت إليه، فهو يصد عن سبيل الله وهو يرتكب بذلك جريمة من أكبر الجرائم، من أكبر الجرائم التي لام الله فيها الكافرين وتوعدهم بأشد الوعيد، جريمة فضيعة جداً وسيئة، وقال عنها هكذا: {إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} وهذا تكرير وتأكيد من جديد على هذه الحقيقة.
{لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} له موقف منك كمؤمن كمؤمن له منك موقف، هو يعاديك هو يكرهك هو يحقد عليك وهو لا يمكن أن يراعي أي اعتبارات أبداً لا عهود ولا مواثيق ولا قرابة ولا أي اعتبارات، هو يحقد عليك لإيمانك فقط كمؤمن كمؤمن له منك موقف، موقف قائم على أساس الحقد والعداء الشديد وهو يريد أن يستهدفك في أي حال. وعندهم النزعة العدوانية {وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} حتى لو لم يكن قد ناله من جانبك أي شر، حتى لو لم يكن قد سبق بينك وبينه أي مشكلة، عنده نزعة عدوانية.
كان البعض من الناس من يقولون: [أنتم تحرشون أمريكا أو تستفزون أمريكا] أو ما شابه من هذه العبارات، ليس بحاجة إلى أن استفزه أو أي شيء، هو يحمل النزعة العدوانية {هُمُ الْمُعْتَدُونَ} هو سيعتدي على أي حال، عنده هو النزعة العدوانية في واقعه، هو حقود وهو ذلك الذي بطبيعة ما هو عليه من شرك وكفر وفسق وفجور وباطل عنده رغبة في العدوان عليك، عنده رغبة.
حتى عندما نلحظ في واقع الصراع فيما يعملونه بالمسلمين، يعملون ما يعملون من قتل وسفك للدماء وجرائم بشعة وهم يستحلون ذلك، يتلذذون بذلك، يرتاحون لذلك، عندما يرى المسلمين صرعى وقتلى يرتاح يبتهج.
عندما نلحظ ما حصل مثلاً في أفغانستان في واحدة، واحدة فقط من الجرائم التي ارتكبها الأمريكيون في أفغانستان، قتلوا مجموعة مجموعة من الأهالي من الأفغان في منطقة معينة، مجموعة من المسلمين بينهم كبار وبينهم صغار أطفال، بينهم رجال وبينهم نساء، قتلوهم وأصبح القتلى المسلمون أصبحوا كومة هكذا مركومة على الأرض غارقة في الدماء، سابحون في دمائهم وقتلى، فإذا بأولئك القتلة المجرمون يرتاحون ويبتهجون ثم يقومون بالتبول عليهم.
يقتل ناس لم يسبق مثلاً أن عملوا به شيئاً، أو فعلوا به شيئاً، أو قالوا ضده أي كلام، لا يحتاج، لا يحتاج منك حتى يصبح عنده حافز ليقتلك أو يعتدي عليك أو يعمل بك أي شيء، أن يكون قد حصل من جانبك استفزاز له، أو تحرش به، أو كلام ضده لا..، حتى لو لم يكن قد صدر منك أي شيء ضده، هو عنده النزعة العدوانية، هم عدوانيون هكذا يقول الله عنهم، لن يرده إلا العجز إذا كان يحسب لموقفه ألف حساب، يعرف أنه عندما يعمل شيئاً سيدفع ثمنه، عندما يعرف أن هؤلاء الناس الأمة المسلمة أنها أمة ليست فريسة سهلة، أنهم قوم لا يمكن أن يرضخوا للعدو ولا يستسلموا ولا يهنوا، وأنهم أصلاً سيتحركون لمواجهة العدوان.
{وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} هذه الحقائق التي قدمها الله عن المشركين كمشركين هي حقائق لا تختص بزمن دون زمن، ولا بواقع دون واقع، ولا بجغرافيا معينة، هو يحكي حقائق لكل زمن لكل عصر لكل واقع، وهي حقائق شهد لها الواقع في كل ما فيه من أحداث ومتغيرات ووقائع ومواقف، كلها تشهد لهذه الحقائق، كل الشواهد الكثيرة جداً لأنهم عدوانيون، وأنهم هم بنزعتهم نزعة الكفر والشرك يحملون الروحية العدوانية، وأنه بالتالي لا يفيد شيء إلا أن تتحرك الأمة على أساس منهج الله وهدي الله لتكون أمة مقتدرة على دفع عدوانهم ودفع شرهم ودفع طغيانهم.
دروس من هدي القرآن الكريم
من دروس سورة التو بة .
ألقاها السيد :
عبد الملك بدر الدين الحوثي
الدرس الأول / بتاريخ/ 5/ رمضان/1434هـ .