رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه" بعد نزول الآية المباركة، وعلى الفور اتخذ جملةً من الترتيبات والإجراءات، هي أيضاً تفيد أهمية ما سيقدمه، وتنسجم بشكلٍ تام مع منطق الآية المباركة، في أهمية الموضوع، فهو "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" أمر بعودة من قد تقدم من الحجيج، من كانوا قبله أن يعودوا فوراً، هم لم يبتعدوا كثيراً، وكذلك أمر المتأخرين أن يلحقوا، ونودي فيهم: (الصلاة جامعة)؛ لجمعهم، وكان ذلك في وقت الظهيرة، والوقت حارٌ جداً، الحرارة ساخنة، في ذلك الوقت الحار جداً، في موقع ليس فيه ظل يتفيأ الناس به؛ إنما كان موقعاً مكشوفاً، فيه بعض الدوحات، شجرات قليلة مشوكة، يمكن أن تكون مفيدةً في موقع النبي "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه"، حيث نُظِّف ما تحتهن، وَقُمَّ ما تحتهن من الشوك؛ ليجلس فيه النبي "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه" في ذلك الموقع، واجتمع المسلمون بعشرات الآلاف، بجمعهم الكبير جداً، بناءً على ذلك الأمر من النبي "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه"، اجتماعاً طارئاً يستحق هذا التوصيف؛ لأهميته الكبيرة: أثناء الظهيرة، والحرُّ على أشده.
ثم أمر النبي "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه" بأن تُرَصَّ أقتاب الإبل؛ لتكون مِنبراً، يصعد من فوقه ليوجه للمسلمين خطابه، ويقدم الإعلان والبلاغ الذي أمره الله بإبلاغه، وصلَّى بالناس صلاة الظهر، دخل وقت الظهر، فصلَّى بهم صلاة الظهر، وبعد صلاة الظهر أخبرهم أن الله قد أمره بأن يبلغ أمراً مهماً، وقرأ عليهم الآية المباركة، وصعد فوق أقتاب الإبل، وأخذ معه عليّاً "عَلَيْهِ السَّلَامُ" ليصعد معه فوق أقتاب الإبل، ثم خطب خطاباً موجهاً إلى الناس، والناس ينصتون؛ لأنهم قد أدركوا بطبيعة الترتيبات والإجراءات والاستدعاء الطارئ، والاجتماع الطارئ، أن الموضوع مهم، ثم من خلال إبلاغه لهم بالآية المباركة، وأن الله قد أمره أن يبلِّغ أمراً مهماً.
فخطب "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه" خطابه، فحمِد الله، وأثنى عليه، وذكَّر المسلمين أيضاً بقرب رحيله من هذه الدنيا الفانية، وبعبارة: ((إِنِّي أُوْشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبُ))، يعني: على وشك الرحيل من هذه الحياة الدنيا، وأيضاً استشهدهم على إبلاغه الرسالة والدين، ونصحه لهم، وجهاده في سبيل الله، وما بذله من جهدٍ لهدايتهم، وشهدوا له بكل ذلك، أخبرهم في سياق خطابه: أنه قد ترك فيهم الثقلين، ثم وصل إلى صُلب الموضوع، وهم في حالة إصغاء تام، والمشهد أمامهم واضحٌ في غاية الوضوح، الوقت هو وسط النهار، الشمس مشرقة، ليس هناك ضباب، ولا غبار... ولا أي عوائق، ولا أي مؤثرات سلبية تحول دون أن تكون الصورة واضحة لهم، أو الصوت ليس كذلك بمسمعهم، هم يسمعون وهم مصغون.
وصل إلى صلب الموضوع، ثم قال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ مَوْلَايَ، وَأَنَا مَولَى المُؤمِنِين، أَوْلَى بِهِم مِنْ أَنفُسِهِم، فَمَن كُنتُ مَولَاهُ، فَهَذَا- وأخذ بيد عليٍّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ" ورفعها بيده ومع يده- فَهَذَا عَلِيٌّ مَولَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُر مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُل مَنْ خَذَلَهُ))، واستشهدهم على البلاغ وأنه قد بلغهم، وأمرهم أن يبلِّغ الشاهد منهم الغائب، أن ينقلوا بلاغه إلى الناس.
فالبلاغ كان- البلاغ الذي أمره الله بإبلاغه في الآية المباركة، كما يتَّضح جلياً من خطابه، ومن تنفيذه لأمر الله له في تلك الآية المباركة- كان عن ولاية أمير المؤمنين عليٍّ "عَلَيْهِ السَّلَامُ"؛ باعتبارها امتداد لولاية النبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" بالعبارة الواضحة: ((فَمَن كُنتُ مَولَاهُ، فَهَذَا عَلِيٌّ مَولَاهُ))، كما أن أجواء الموقف بكله، من نزول الآية المباركة، التي فيها الأمر بالبلاغ، والترتيبات التي عملها النبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم"، والإعلان بنفسه، ومحتواه، والمضمون، كل ذلك يُبيّن أهمية الموضوع بالنسبة لنا كمسلمين، وأهمية الموضوع للأُمَّة فيما بعد رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه".
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في مناسبة يوم الولاية 1445هـ