{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} اعتصاماً حقيقياً، أي يهتدي بهديه، يرجع إليه، يثق به ليرشده كيف يعمل، يرشده كيف يعمل، وليس كيف يقوم بدلا عنه، ومتى ما انطلقت على ما أرشدك إليه كيف تعمل فهو سيقف معك.
ما هو الإعتصام بالله؟ قالوا: [العمل بكتاب الله، وسنة رسوله، لو أن المسلمين مشوا على كتاب الله، وسنة رسول الله لكان كذا وكذا]. لكن ما حال بينهم وبين أن يعملوا بكتاب الله، وسنة رسوله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) هو أنهم فصلوا أنفسهم عن الله، وعن رسوله، فصلوا أنفسهم عن الله، عن الثقة به، عن العلاقة به، وعن رسوله على هذا النحو أيضاً.
فيجب أن تترسخ في أذهاننا هذه القضية، ولنرجع إلى القرآن الكريم نجد بأن من أهم ما دار حوله القرآن الكريم هو شد الناس إلى الله، وشدك أنت إلى الله، فلم يقدم كتابه بديلاً عنه، ولم يجعل رسوله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) بديلاً عنه، بل رسول الله أليس هو – و هو رسول الله بنفسه - كان يهتدي بالله، يلتجئ إلى الله، يرجع إلى الله، ويهتدي بهدي الله؟ فلم يكن رسول الله بدلاً عن الله، ولا رقماً ثانياً ننظر إليه منفصلاً عن كتاب الله، وعن الله.
{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} على هذا النحو {فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) تلاحظ أن المسألة هي أنك تعتصم بالله ليهديك أنت إلى شيء؛ ولهذا قال: {فقد هُدِيَ} أي أن اعتصامي بالله هو على النحو الذي أريد منه أن يهديني إلى كيف أعمل.
الإنسان الذي لا يتحرك، الذي لا يعمل هل يحتاج إلى هداية؟ أنت لا تحتاج إلى أن تسير إلى القرية الفلانية هل أنت في هذه الحالة تحتاج إلى من يهديك إليها؟ لا. أنت عندما تتحرك، وتريد أن تسافر إلى بلد معين، وأنت في الطريق تحتاج إلى من يهديك، وتبحث عمن يهديك، فقوله: {فقد هُدِيَ} فعلاً يفيد بأنه قد اهتدى وعبارة {هُديَ} أي أن هذا طرف اعتصم بالله من منطلق أنه ينطلق في ميدان العمل، فهو يحتاج إلى أن يهديه الله إلى كيف يعمل عملاً، كيف يتحرك.
{فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) طريق واضحة، طريق تؤدي إلى النجاة، تؤدي إلى الفوز، تؤدي إلى الغلبة، تؤدي إلى العزة، تؤدي إلى الرفعة والمكانة، تؤدي إلى الفلاح، {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قَيِّم ليس فيه عوج، ليس فيه [مطبّات] قد تقفز من فوقه فيحطم نفسك ويوقعك في الضلال.
طريق لا تضل وأنت تسير عليه، طريق لا تخزى وأنت تسير عليه، طريق لا تُقهر ولا تذل وأنت تسير عليه، وهو في الوقت نفسه مستقيم، قَيِّم، ذو قيمة، يجعلك أنت تستغني عن أي طُرُق أخرى متى ما سرت عليه، لا تحتاج إلى الالتجاء إلى أي طرف آخر متى ما سرت عليه، يستطيع أن يقف بك على قدميك، يستطيع أن يقف بالأمة السائرة عليه على قدميها، مستغنية عن أي قوى أخرى، مستغنية عن أي طرق أخرى، مستغنية عن أي خبرات لتهديها نحو الطرق التي توصلها إلى الفلاح والفوز والنجاة.
عندما كانت البلاد العربية مستعمرة من قِبَل البريطانيين، والفرنسيين، والإيطاليين، وغيرهم كيف كان يحصل؟ كان معظم ما يحصل – عند ما كانت النظرة كلها منعدمة نحو الثقة بالله سبحانه وتعالى، الثقة بالله منعدمة في نفوس المسلمين – كا ن من يريد أن يتحرر من هذا البلد يلجأ إلى هذا، يتحرر من بريطانيا يلجأ إلى روسيا، يتحرر من روسيا يلجأ إلى بريطانيا، يتحرر من إيطاليا يلجأ إلى فرنسا، من فرنسا يلجأ إلى إيطاليا وهكذا. ما هي النتيجة في الأخير؟ ما هي سواء؟ تخرج من تحت بريطانيا تدخل تحت روسيا، كله واحد.
الله سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا بأن دينه يستطيع أن يجعلنا أمة مستقلة، تقف على قدميها، عزيزة، رافعة رأسها، تقهر الأمم الأخرى، ما الذي يحصل الآن؟ أليس كل العرب يتجهون إلى أمريكا لتنقذهم من إسرائيل؟ ولو أن أمريكا هي المحتلة وإسرائيل هناك للجئوا إلى إسرائيل لنقذهم من أمريكا، يلجئون إلى أمريكا وروسيا راعيتا السلام أن تنقذهم من إسرائيل.
النظرة القاصرة التي أراد الله أن يمسحها من أذهان العرب - لو تربوا على دينه، لو تربوا على نهج نبيه (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) لو عرفوا سيرته وهو في جهاده من (بدر) إلى آخر غزوة لم يلجأ إلى طرف آخر، لم يلجأ إلى الفرس، أو يلجأ إلى الروم، وهما القوتان التان كانتا تمثلان القوى العظمى في العالم في ذلك العصر لم يلجأ إلى الفرس ليساعدوه ضد الروم، ولا إلى الروم ليساعدوه ضد الفرس، ولا إلى الفرس ليساعدوه على قريش، ولا إلى الروم ليساعدوه على قريش، ربى الأمة تربية توحي لها بأن بإستطا عتها أن تقف على قدميها وتقارع الأمم الأخرى.
وكان أبرز مثال على هذا ما عمله هو في ترتيبات [غزوة تبوك] لأنه (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) كان رجلاً قرآنياً يتحرك بحركة القرآن، ويعرف ماذا يريد القرآن أن يصل بالأمة إليه في مناهجه التربوية وهو يربي نفوسهم كيف تكون كبيرة، كيف تكون معتزة بما بين يديها من هذا الدين العظيم فلا تحتاج إلى أي قوى أخرى.
حتى نحن على مستوانا في أعمالنا لدينا مثلاً مراكز صيفية، نقول: [لننظر إلى المؤتمر إذا كان سيساعدنا، أو ننظر إلى ذلك الطرف إذا كان سيعيننا أو ننظر إلى هذا أو ذاك] تصبح حالة سائدة لدينا حتى كمواطنين من عند الكبار كمسئولين وحكام، ثم إلى عند المواطنين حتى إلى عند الدعاة في سبيل الله، الذين هم دعاة في سبيل الله يجب أن يفهموا أولاً ما يدعوهم إليه الله، في كيف يكونون معتمدين على أنفسهم حتى لا يقعوا في أحضان هذا الطرف أو أحضان هذا الطرف فتصبح في الأخير تخدم هذا أو تخدم هذا، ولم تخدم دينك بشيء، الأمر الذي يؤدي بالأمة إلى أن تضحي بدينها.
وهكذا تأتي آيات كثيرة تتحدث عن صراط الله بأنه صراط مستقيم فيما تعنيه الكلمة من أنه قيِّم، وفيما تعنيه الكلمة من أنه يستطيع أن يجعل السائرين عليه قادرين على أن يستقلوا بأنفسهم، وأن يقفوا على أقدامهم فلا يعتمدوا على هذا ولا على هذا، {دينا قِيَماً} {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً}.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(سورة آل عمران – الدرس الثاني)
}وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ{
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ:25شوال 1422هـ
الموافق:9/1/2002م
اليمن – صعدة.