أن القرآن تحدث عن جهنم، ووصفها بشتى الأوصاف وكذلك تحدث عمن داخل جهنم سواء كان يحمل اسم [مسلم]، أو يحمل اسم [يهودي، أو نصراني، أو مشرك]. أو كيفما كان.
يقول الله سبحانه وتعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} (الصافات:62)، بعد أن ذكر ما أعد الله سبحانه وتعالى للمتقين من النعيم العظيم، قال بعده: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا - أي: ضيافة وإكراما - أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} (الصافات:68) كما تحدث عن الفاكهة الكثيرة التي ليست كما قال عنها: {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} (الواقعة:33) في الجنة فواكه كثيرة، العنب والرمان والتفاح، ومختلف الفواكه التي قد لا نعرف كثيرا منها.
هناك في النار أيضًا شجرة هي فاكهة أهل النار نفس اسمها بشع [زقوم] أليس اسما مزعجا؟ اسم غير مقبول، وهكذا بعض المفردات تكون هي غير مقبولة، حتى لو حاولت أن يكون اسمها لشيء جميل فالاسم لا يركب على هذا المسمى، اسمها بشع. وهي شجرة حقيقية، والله بقدرته سبحانه وتعالى هو القادر على أن يجعل في النار أشجارا تتغذى على النار، وتثمر نارا، وتورق نارا، ليس هناك ما يعجز الله سبحانه وتعالى، وإن كان الظالمون قد يجادلون في هذه، كيف شجرة في جهنم ونحن نعلم أن النار تحرق الأشجار!
من المعلوم أنه هنا في الدنيا يقال أن بعض الحيوانات جلودها غير قابلة للاحتراق هنا في الدنيا. النار ألم يجعلها الله سبحانه وتعالى بردا وسلاما على إبراهيم وهي نار قد ملئوا بها واديا تحرق الطير عندما يمر من فوقها، الله الذي خلق النار يستطيع وهو قادر على أن يجعلها بردا فلا تضر إبراهيم، ويستطيع أن يخلق أشجارا تنمو فعلا تتغذى على النار كما تتغذى أشجار الدنيا على التربة، والماء، والنور، والهواء.
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} تخرج هي، تنبت، أليس كثيرا من الأشجار هنا في الدنيا الناس هم الذين يزرعونها، أهل النار غير مستعدين أن يزرعوا شجرة الزقوم، لكن هي تخرج رغما عنهم، تنبت لا تحتاج إلى مُزارع، {تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}في نفس أرض الجحيم. {طَلْعُهَا}: ثمارها أيضا بشعة {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} كل شيء في جهنم عذاب، وعذاب حتى معنوي أن تكون ثمرة تلك الشجرة التي هو سيضطر إلى أكلها الجوع يكاد يميته فيضطر إلى أكل ثمار هذه الشجرة ثمرة بشعة طلعها كأنه رؤوس الشياطين. العرب أنفسهم يتخيلون رؤوس الشياطين بشعة، وإلا فنحن لا نشاهد رؤوس الشياطين، وقد تكون حقيقة رؤوس الشياطين شكلها بشع جدا.
{فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} من شدة الجوع يأكل رغما عنه من هذه الشجرة الشديدة المرارة التي يقال كما روي في الأثر: أنه لو أن قطرة واحدة من هذه الشجرة شجرة الزقوم وقعت في الأرض لأمرت على أهل الأرض معائشهم! شديدة المرارة جدًا، وهي أيضا نار هي تغلي في البطن، {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} الإنسان هنا في الدنيا أليس يتعود على أن يشرب أثناء الطعام؟ يأكل زقوم ثم يشرب حميما بعده. كما قال أيضا في آية أخرى يذكر فيها هذه الشجرة أنها نار أيضا ثمرها نار: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} (الدخان:45) - كالزيت المحترق تغلي في البطن - {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} (الدخان:46). كغلي الماء الساخن جدا.
لأنه هنا في الدنيا عادة ما يضل الإنسان، وما يصرفه عن طاعة الله، ويصرفه عن مواقف الحق، هو ما يقدم إليه من إغراءات من قبل الآخرين، والإغراءات طبعا قد يكون كثير منها متعلق بقضية الأكل والشراب، وعندما يكون الإنسان نفسه يريد أن يتوفر له الطعام الجيد والشراب الجيد والسكن الجيد ولو كان على حساب دينه فليعرف أنه سيرى تلك متعة قصيرة تنسى، عارضة في حياته ثم نُسِيت ثم سيكون له طعام من هذا النوع.
عندما يأتي حاكم من الحكام يحكم بالباطل عندما تقدم له[جالونا] من العسل عندما تقدم له خروفا، عندما تنقله إلى بيتك وتقدم له غداء دسمًا فيتعاطف معك فيضيع حق الآخرين مقابل ما أعطيته، نقول له هنا: أنت أضعت الدين، أضعت الحق مقابل طعام وشراب، أنت ستلقى طعاما وشرابا سيئا، وإذا كانت تلك وجبة واحدة فإنك ستأكل من ذلك الطعام البشع في اسمه، البشع في منظره، الذي هو يحرق البطن، ستأكله دائما، دائما، وجبة واحدة تبيع بها الحق، وجبة واحدة دسمة تبيع بها دينك، وجبة واحدة تدخل في موقف باطل؛ لأنه هنا قدم لك غداء دسما وقدم لك عسلا. هناك في جهنم ما يجب أن تتأمله، هناك زقوم، وهناك صديد، وهناك حميم.
كأن الله يقول لنا: إذا آثرتم هذا الطعام في الدنيا، وبعتم به دينكم، فإنكم ستجدون طعاما سيئا تأكلون منه دائما، دائما لا ينقطع أكلكم منه، حينئذ يخاف الإنسان.
لأن الله لرحمته عندما يذكر هذه التفاصيل هو من أجل أن نقارن نحن في الدنيا فنخاف؛ لأنه لا يريد أن ندخل جهنم إلا إذا فرضنا أنفسنا على جهنم رغما عنها، الله لا يريد لعباده أن يدخلوا جهنم، يهديهم، يذكرهم، يخوفهم يعرض تفاصيل هذه النار لأجل أن تقارن بينما تسمع من تفاصيلها وبين ما يعرض لك في الدنيا، طعام وشراب هنا، هناك طعام وشراب، فقارن بينهما، حينئذ تجد بأن هذا الطعام والشراب الذي يقدم لك في الدنيا ليس أهلا لأن تبيع دينك به ثم يكون جزاؤك طعام وشراب من هذا الطعام والشراب السيئ في نار جهنم.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس الخامس عشر
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 8/2/2002م
اليمن – صعدة