بقلم / بندر الهتار
صبرنا كثيرا ونحن نمنع أقلامنا عن الخوض في صراع الشائعات التي كان يسوقها الشريك السياسي أو على الأقل رموز وقيادات محسوبة على المؤتمر،
ورغم حرصنا على الصف الداخلي إلا أنني أعترف بارتكابنا أخطاء كبيرة عندما تجاهلنا سيل التهم الباطلة التي كانت توجه من تلك الأقلام المعلولة والألسن الحداد التي تسلطت لتشويه أنصار الله حتى بات ذلك شغلها الشاغل، وإذا ما أرادوا التنفيس عن أنفسهم قليلا كتبوا عن العدوان دون أن تخلوا تلك الكتابات من القدح في أنصار الله .!
أسلوب الحملات الإعلامية المنظمة كان واحدا من سلسلة خطوات - نعيشها ولا نتوهمها - في سياق حرف الناس عن الجبهات وإلهائهم بمشاكل ثانوية متزامنة مع تحضيرات عسكرية كبرى لتحالف العدوان كما أكد السيد عبد الملك الحوثي في خطاب الأمس.
لم يكن مستغربا أن يتحدث السيد عبد الملك بأن جبهات مواجهة العدوان تتعرض لطعنات من الظهر، ففي الوقت الذي يتحمل أنصار الله عبء الدفاع عن الوطن إلى جانب أحرار اليمن من بقية المكونات الوطنية، فإن شريكهم الذي تعهد بالحفاظ على الحد الأدنى من الجدية في الميدان قد رسم لنفسه مسارا آخر وظهرت له هواجس وترتيبات بما يؤكد أن مواجهة العدوان لم تعد في أولوياته، وهذا ما لفت إليه السيد القائد من خلال بعض النقاط:
1- طوال الأشهر الماضية ظهر أن الحملات الإعلامية التي نظمها المؤتمر كانت تُسخر بنسبة لا تقل عن 90% ضد أنصار الله ولتشويههم والتصوير بأنهم السبب في إيقاف الرواتب والأزمة الاقتصادية بل وفي كثير من الأحيان تعتبرهم السبب في الحرب، والأدهى من ذلك أن تلك الحملات تشابه إلى حد كبير ما تروج له وسائل إعلام العدوان.
2- تثبيط المجتمع عن القيام بواجبه في مواصلة رفد الجبهات ومواكبة تصعيد العدوان، من خلال شعارات تبرز التململ من إطالة أمد العدوان وتأثير الحصار والحرب الاقتصادية وكأن أنصار الله هم من يملكون قرار إيقاف الحرب وليس العدوان.
3- تبني مبادرات سياسية استسلامية لا تليق بتضحيات الشعب اليمني طوال عامين ونصف، ولو كان خيار الاستسلام واردا فكان الأفضل أن يتم ذلك في بداية العدوان دون الانتظار إلى اليوم حتى وصلنا إلى المأساة الإنسانية الأكبر في العالم، علاوة على أن تحالف العدوان بعد هذه المدة في حالة من اليأس والإرهاق.
4- تعطيل كل الخطوات التصحيحية في المؤسسات التنفيذية للسلطة وعلى رأسها إعاقة محاربة الفساد، وتكبيل القضاء دون محاكمة الخونة والخلايا الإجرامية التي ضُبطت متورطة بالعمل لصالح العدوان.
أمام كل ما سبق فإن الخلل في حرف أولوية المؤتمر لم يكن وليد اللحظة، بل جاء بالتدريج حينما اعتقدت بعض قيادات الحزب المتعودة على بيع وشراء الأوطان بأن العدوان سيوفر لهم الوسيلة للعودة إلى التفرد بالحكم، أي العودة إلى ما قبل 2011، وظلت تشتغل بشكل مكثف لتجميل صورة صالح وتشويه صورة الآخرين، حتى الانجازات العسكرية كان المؤتمر يسعى للتسلق عليها ومحاولة نسبها إليه، وإذا ما حصلت انتكاسة عسكرية يعود للقول إنه لا يشارك في المعارك الداخلية..!
حقيقة أخرى أن علي عبد الله صالح ليس لديه أي حساسية من أن يصبح اليمن مرهونا وضعيفا وتابعا طالما أنه سيبقى في السلطة، ونحن لا نفتري على الرجل فلدينا تجربة عمرها 33 عام..!
أمام كل ذلك، وبعد أن خاض صالح في المفاوضات السياسية وبعد أن برزت فكرة الطرف الثالث الذي سيستلم السلطة، فقد رأى في نفسه الطرف الذي تنطبق عليه تلك المواصفات، فلا هو الذي بذل كل شيء في التصدي للعدوان كما فعل أنصار الله، ولا هو الذي ترك البلد والتحق بمعسكرات المرتزقة كما فعل محسن والإصلاح..!
يحتاج علي صالح إلى جس نبض الطرف الآخر المتمثل بالسعودية والإمارات ومن خلفهما الإدارة الأمريكية، لمعرفة هل يقبلون به كطرف ثالث مع تقديمه ضمانات بأن تعود لهم حصتهم من الهيمنة والنفوذ، وهذا يؤكد أن تنسيقا يجري بشكل متواصل من خلال قيادات المؤتمر المتواجدة في الخارج أو تلك التي تتواجد في الرياض وأبو ظبي، وما اعتراض المؤتمر على محاكمتهم بتهمة الخيانة إلا لأنهم جزء منه ولا يزالون، كذلك فإن شعارات الوسطية والحياد التي ترفع بكثافة هذه الأيام هي في السياق ذاته.
ولذلك فإن العمل المكثف ضد أنصار الله والتحشيد المتواصل لأشهر لفعالية السبعين أشبه ما يكون بموسم الحصاد لأشهر من العمل المنظم لكسب ثقة الأطراف الخارجية المتورطة بالعدوان أو المعنية بملف اليمن، على أمل أن تقتنع بـ صالح كطرف يحقق لها أدنى حد من الأهداف التي عجزت عن تحقيقها عسكريا في الأشهر الماضية.
مشكلة صالح ومستشاريه أنهم يفكرون بعقلية ما قبل 2011، ولم ينظروا إلى أن الخارطة السياسية قد شهدت تحولات كبرى، ما يعني أن القفز على الواقع هو ضرب من الخيال، ولعل خطاب السيد القائد جاء ليعيد الأمور إلى نصابها بضرورة أن تعيد قيادة المؤتمر التفكير جديا في مسألة الشراكة السياسية والعسكرية لتوجيه البوصلة نحو العدو الخارجي الذي يستهدف احتلال اليمن وإذلال كل أبنائه دون استثناء.... وبدورنا سننتظر أي المسارين سيختار المؤتمر..!