استفاقت “تل أبيب” المحتلة فجر الجمعة 19/7/2024 على انفجار هزّ أركان الكيان. خنجر يمني جديد انغرس في قلب الكيان، وسط ارتباكات “إسرائيلية” وتحليلات بالجملة كلها صبّت في خانة واحدة مفادها: “ما تبقّى من هيبة الكيان المحتل سقط!”.
مرحلة جديدة أطلقها اليمن، مع مسيّرة “يافا”، في دلالة واضحة على التأسيس لنوع مختلف من الضربات باستخدام أسلحة متطورة تؤسس لبداية قد تكون فعلًا تحقيقًا لنبوءة “عقدة الثمانين”. واللافت أن كلّ إمكانيات العدوّ ومنظوماته الدفاعية الحديثة لم تستطع أن تكشف مَسير المسيّرة اليمنية حيث نفّذت مهمتها بالدقة المطلوبة وحققت النتائج المرجوّة.
إعلام العدوّ نقل وقع الصدمة التي عاشها الكيان لأوّل مرّة مع استهداف عاصمته “تل أبيب”، معتبرًا أنّها شبيهة بما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إذ علّق موقع “انتل تايمز” الاستخباري “الإسرائيلي” على اختراق الطائرة المسيّرة اليمنية للدفاعات الجوية “الإسرائيلية”، بالقول: “اليوم “تل أبيب”، وغدًا سيوجّهون نحو منصة الغاز”.
وتحت عنوان “يا لها من دولة وهم وندم”، علّقت منصة إعلامية “إسرائيلية” على ارتباك الناطق باسم جيش العدوّ إزاء الحادثة، حيث قال أولًا إنه “لا توجد إشارة إلى اختراق من البحر”، مستخدمًا عبارات “لم نرَ”، و”لم نسمع”، و”سنفحص”، و”سنوضح”، ثمَّ “فجأةً، (قال) بأعجوبة ومعجزة: رأينا وسمعنا”.
للوقوف على أهمية هذا الاستهداف ووقعه على كيان العدوّ وما ستؤول إليه الأحداث الأمنية والعسكرية وانعكاس مفاعيلها على المنطقة والمجريات السائدة، كان لموقع العهد الإخباري حديث مع الخبير اليمني في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، العميد مُجيب شمسان الذي قال إنّ “العمليات اليمنية المتوالية والتي كانت قد رسمت معادلة البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن والمحيط الهندي والبحر المتوسط.. وأدّت إلى إعلان إفلاس ميناء “إيلات”، كان لها دور كبير في تشتيت قدرات العدوّ “الإسرائيلي” والضغط عليه، حالها حال جبهات الإسناد الأخرى”.
وتابع العميد شمسان “إلا أنّ استمرار العدوّ الصهيوني بارتكاب المجازر واستهداف المدنيين وتحويل ما سمي بالمناطق الآمنة إلى مثابة أن تكون أفخاخًا ومصائد يصطاد العدوّ من خلالها المدنيين والقضاء عليهم؛ من هنا كان لا بدّ من فرض معادلة جديدة تتعلق بحماية المدنيين، وبالتالي كان الانتقال إلى خطوة متقدّمة من خلال استهداف مركز النظام الصهيوني ومركز التحكم الأساسي في الكيان ممثلًا بمنطقة “تل أبيب” التي توجد فيها أكثر المراكز والمؤسسات الحساسة أمنيًا وعسكريًا، إضافة إلى الكثافة السكانية الكبيرة لأولئك المستوطنين الذين تمّ جلبهم إلى داخل الأراضي المحتلة”.
هنا، “كانت الرسالة من خلال هذه الطائرة المسيّرة المسماة “يافا”، إضافة إلى استهدافها لهدف حيوي وحساس داخل هذه المنطقة، وقد كُشِف اليوم أنّ هذه الطائرة حديثة وتمّ الكشف عنها مؤخرًا، وتستطيع تجاوز المنظومات الدفاعية، ولا تستطيع الرادارات اكتشافها، وبالتالي تصبح كلّ الأهداف داخل الأراضي المحتلة أهدافًا مكشوفة بالنسبة للقوات المسلّحة اليمنية، ويمكن استهدافها في أي لحظة بحسب المكان والزمان المحددين من قبلها، وهذا من شأنه أن يخلق معادلة جديدة”، وفق شمسان.
المعادلة الثانية، تابع العميد شمسان، “هي المتعلّقة بمعادلة المدني مُقابل “المدني”، فمن المعروف أنّ المنطقة الوحيدة المتبقية داخل كيان العدوّ المحتل والتي من المفترض أنها المنطقة الآمنة هي منطقة “تل أبيب”، فتُفرض هنا معادلة المدني مقابل المستوطن، فكلما أوغل العدوّ الصهيوني بارتكاب المجازر لا سيّما بحق المدنيين ستكون هناك عمليات أخرى تستهدف المستوطنين، وهنا سترتفع وتيرة هذه العمليات”، وأضاف متسائلًا “إذا كان كلّ هذا الرعب الذي شهدناه داخل الكيان نتيجة مسيّرة واحدة، فكيف إذا استخدمت أسراب من هذه المسيّرات ناهيك عن الصواريخ الباليستية والفرط صوتية وصاروخ فلسطين وما كُشف عنه وما لم يُكشف عنه بعد؟”.
وخلص الخبير اليمني العسكري إلى القول “نحن أمام مرحلة جديدة تؤسّس لها القوات المسلحة اليمنية هدفها الضغط على العدوّ لوقف الحصار والعدوان على غزّة”.
-
“هيبة” مصطنعة روّج لها العدوّ، اُكتشف زيفها وسقطت أمام قوى محور المقاومة، وبحسب العميد شمسان فإنّ “ما تبقى منها سقط أيضًا، على اعتبار أنّ المنطقة الأكثر تحصينًا في الشرق الأوسط، وفق مزاعم العدو، هي الكيان الصهيوني، وداخل هذا الكيان المكان الآمن والمحمي بكلّ المنظمات الدفاعية والعسكرية والجوية والأمنية هو “تل أبيب”، ومع ذلك لم تتمكّن قوات الاحتلال لا من كشف الطائرة ولا من اعتراضها، بل حجم التناقضات داخل كيان العدوّ اليوم وصل إلى كشف حقيقة النظام ووضعه أمام فضيحة وأمام ارتباك غير مسبوقين”.
وأكد شمسان أن “هذه العملية ورمزية المكان الذي استهدفته أسقط ما تبقى من هيبة الكيان الصهيوني، وهذا سيكون له تداعيات كبيرة على الجبهة الداخلية نتيجة الفشل المتراكم منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى حتّى اليوم”.
ولدى سؤال الخبير اليمني عن رمزية توقيت الاستهداف، خاصة أنه جاء قبل سفر رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأميركية للقاء الرئيس جو بايدن، قال: “للجانب الزمني لهذا الاستهداف أكثر من دلالة على اعتبار أنّه أولًا جاء بعد محاولة الاستعراض من قِبل نتنياهو بزيارة معبر رفح ومحور فيلادلفيا ومحاولة تصوير أنّه حقّق انتصارًا في هذا الجانب، وثانيًا قبيل زيارته إلى أميركا للقاء الرئيس بايدن، لكن السحر انقلب على الساحر وأجبر نتنياهو على تأجيل موعد سفره الأمر الذي يُعطي صورة حقيقية عن حجم الضربة اليوم وتأثيرها على الكيان الصهيوني، كون المحاولة الصهيونية للتعتيم أو التكتم عن حجم الضربة كُشفت حقيقتها من خلال حجم الهلع الذي ظهر على ملامح المستوطنين وهم يشاهدون الانفجار ويتحدثون عن صوته وحجمه إضافة إلى سماع صوته من أماكن بعيدة، وكأنها المرة الأولى التي يعيش الكيان فيها مثل حدث كهذا، وثانيًا كما ذكرنا تأجيل زيارة نتنياهو إلى أميركا؛ وهذا يؤكد أننا أمام حدث استثنائي وغير عادي، لكن هل يجرؤ كيان العدوّ على الكشف عن طبيعة الهدف الذي تمّ ضربه؟”.
أمام هذا الواقع اليوم الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية، يرى العميد شمسان أنّنا “أمام مرحلة جديدة وتطوّر خطير واسترتيجي على كافة الأصعدة والمستويات، فإذا كانت هذه الطائرة قد تجاوزت كلّ الطبقات الدفاعية وأجهزة الإنذار المبكر والقوات البحرية الأميركية المتواجدة.. ولم تتمكّن كلها من رصد أو كشف هذه الطائرة، هذا يعني أنّ كلّ الأهداف الحيوية والحساسة داخل الأراضي المحتلة باتت هدفًا يمكن الوصول إليه دون أي عائق، والوصول اليوم إلى “تل أبيب” يعني حتمًا إمكانية الوصول إلى حيفا وما بعدها، فضلًا عن تبادل المعلومات في ما يتعلق بـ”هدهد1″ و”هدهد 2″، وطالما هناك تنسيق عالي المستوى بين جبهات الإسناد المختلفة، يمكن القول إنّ صنعاء اليوم تؤسس لمرحلة جديدة ضدّ الكيان الصهيوني على كافة المستويات”.
إذًا، وبحسب العميد شمسان، “نحن أمام مُعطى يشبه تمامًا لحظة الأفول للدول والقوى العظمى عبر التاريخ التي كانت تنتقل من خلال قرارات خاطئة إلى لحظة الموت أو لحظة الانهيار، بمعنى أنّ الانتقال من خطأ إلى خطأ آخر هو يشبه المصير الذي انهارت من خلاله الكثير من الدول عبر التاريخ، وهو ما يفسر اللحظة التي يعيشها كيان العدوّ اليوم وهي لحظة استشعار الخطر الوجودي وقلق المرحلة النهائية و”عقدة الثمانين” التي لا زالت تسيطر على ذهنيتهم السياسية”.
لهذا يرى العميد اليمني شمسان أنّ كيان العدو “الإسرائيلي” لن يتوقف عن الحرب لأنّ هذا يعني الانتصار لجبهات الإسناد والمقاومة الفلسطينية وسيعني الهزيمة له، وهذا لن يقبله الكيان لأنّ بقاءه قائم على أنّه “القوّة التي لا تُقهر والقوّة التي لا تُردع”، وأنها التي تحسم المعركة و”القوّة التي تضرِب ولا تُضرب”، وطالما أنّ هذا لن يتحقّق، إذًا إرهاصات نهاية الوجود لهذا الكيان بدأت تتشكّل، والمنطقة أمام تحوّلات ستغيّر شكلها بشكل عام وفقًا لما تريده قوى محور المقاومة لا وفقًا لما أراده الأميركي والغرب والإمبريالي والكيان الصهيوني”.
العهد الاخباري: حسن شريم