وهكذا يأتي مثل آخر في نبي الله يوسف (صلوات الله عليه) ونفس الكلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:22)
عندما تكون محسناً اللهُ سبحانه وتعالى يرزقك علماً، يرزقك حكمة، إذا لم تكن محسن فما لديك من العلم قد يكون وَبالاً عليك، ووبالاً على المجتمع! كيف؟.
عندما يبرز مثلا مجموعنا أو نصفنا علماء لكننا علماء لا نهتم بشيء سنكون وَبالاً على المجتمع؛ لأن المجتمع نفسه قد يصل به الحال إلى أن يُظلم، ويُضطهد، ويضيع، وتمسخ أخلاقه، وتفسد معتقداته ونحن صامتون. من المسؤولية عليه؟ أليست المسؤولية على من يحمل علماً؟ أليس واقع ذلك المسكين في المدن أو في الأرياف عامّة الناس من قد يضلون من حيث لا يشعرون، قد تفسد عقائدهم، تفسد أخلاقهم، يُظلمون، يضطهدون، وأنت يا من تحمل علماً وترتبط بكتاب الله ليس لديك أي موقف أن تهدي الآخرين، أن تبين للآخرين، أن تتبنى مواقف فيها إحسان إلى أولئك الآخرين.
ألم يَعُد الله سبحانه وتعالى الجهاد إحسانا عظيما عندما قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69) لماذا الجهاد إحسان؟ إحسان إلى من؟ أليس إحساناً إلى الأمة؟ أنت عندما تجاهد، تجاهد من أجل من؟ في سبيل الله والمستضعفين. أنت عندما تجاهد إنك تقدم أفضل وأحسن خدمة للمجتمع، تنقذهم من الظلم، من الفساد، من الضياع، تنقذهم من شرور كثيرة جداً، أليس هذا هو من الإحسان؟ الله يعِد بالهداية للمحسنين.
أنت عندما تكون طالب علم هل تريد أن تهتدي وتهدي الآخرين؟ هل أنت تَنْشُد الهداية من الله؟ أم أنني أرى أن الهداية لها برنامج خاص لا يحتاج إلى أن أسلك هذه الطريقة التي سماها الله سبحانه وتعالى [إحساناً]، أنا لا أحتاج إلى الله، هناك طريقة معينة! الهداية كلها مرتبطة بالله، وقد كررنا هذا الكلام أكثر من مرة؛ لأننا نحن طلاب العلم أحوج الناس إلى أن نعرف هذه القاعدة: أن الهداية يجب أن تنشدها من الله، مع قراءتك مع مطالعاتك، مع طلبك للعلم، يجب أن تنشد الهداية من الله، بأن تسلك أسبابها حتى تحصل على العلم، وتحصل على الحكمة، ومتى ما حصل الإنسان على العلم والحكمة، متى ما كان محسناً حينئذ قد يكون علمه هدى، قد يكون في علمه ما يهدي نفسه ويهدي الآخرين فيكون عنصرا خيراً، يعمل في سبيل الله، وفي سبيل المستضعفين من عباده.
إذا لم يكن لدينا هذا الشعور، أنا أقول إذا لم يكن لدينا هذا الشعور فلا ينبغي أن نطلب العلم.. أنت تطلب العلم من أجل ماذا؟ لو سألنا أي واحد منا: هل أنت تطلب العلم من أجل ماذا؟ هل من أجل أن تصبح عالماً تحظى باحترام الآخرين فقط، تحظى بإجلال الآخرين فقط؟ أم أنك تريد أن تعرف ما ينبغي أن تعرفه من هدي الله سبحانه وتعالى، من هدى الله.
أطلب العلم أي أتعرف على دين الله الذي أهتدي به وأهدي الآخرين به، الذي أسير عليه في حياتي، وأعمل على أن يسير الآخرون عليه في حياتهم، أليس هذا هو ما يجب أن يكون هدف طالب العلم؟.
إذا كنت تريد هذه الغاية فاسلك السبيل التي رسمها الله في القرآن الكريم.. لا تتصور أن كل شيء هو في الفنون الأخرى، ليس كل شيء في الفنون الأخرى، بل ربما فيها ما يعيقك عن أشياء عظيمة ومهمة داخل كتاب الله سبحانه وتعالى.
إذا كان - ولا سمح الله ونعوذ بالله - هدف الإنسان من وراء أن يطلب العلم هو أن يحظى بماذا؟ بأن يقال له عالم، أن يحظى باحترام الآخرين وإجلالهم حينئذ سيكون هو من يعرض نفسه ويعرض المجتمع لمساءلات كثيرة جداً أمام الله سبحانه وتعالى يوم يلقاه، ويعرض نفسه والمجتمع لضياع في هذه الدنيا.. إذا كنا مثلاً لا نفهم أن علينا ونحن طلاب علم في مرحلة كهذه أن نتحقق المسألة نتحقق القضية حتى نرسم الغاية الصحيحة التي نرى فيها إنقاذ أنفسنا وإنقاذ المجتمع، فلن نكون أكثر من نسخ متكررة لمن هم لا يقدمون ولا يؤخرون، بل لا يكادون يفهمون ما يدور حولهم.
الإنسان عليه أن يعتمد على الله سبحانه وتعالى، وعليه أن يفهم أن في هدى الله ما يجعل علمه واسعاً، ما يجعل وعيه عالياً، ما يجعل فهمه ثاقباً، ما يجعل روحه قوية، ما يجعل نفسه قوية، ما يجعله جديراً بأن يسمى ولياً من أولياء الله،
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
مسؤولية طلاب العلوم الدينية
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 9/3/2002م
اليمن صعدة