نحن كمسلمين عندما نعود إلى مسيرة الإسلام العظيمة نجد موقع عليٍ -عليه السلام- الموقع العظيم الذي عبَّر عنه الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- من جانب، والذي شهد به التاريخ في حركة علي، في عمل علي، في مواقف علي من جانبٍ آخر، وعندما نتحدث عن الإمام عليٍ -عليه السلام- فهناك جانبان أساسيان للحديث عنه كشخصيةٍ عظيمةٍ في الإسلام:
الأول: فيما كان يمثِّله الإمام علي -عليه السلام- من نموذج، وفي التعبير القرآني (الشاهد)، عندما قال الله -سبحانه وتعالى-: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ}، وهو هنا يتحدث عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} [هود: من الآية17]، الإمام عليٌ -عليه السلام- كان هو الشاهد الذي قدَّم في واقعه هو الشهادة على عظمة هذا الإسلام، هو النموذج الذي ارتبطت به الثمرة المهمة لجهود الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وتربيته، وتقديمه للإسلام في أثره في الناس، في أثره في أتباعه، في المتمسكين به، في المهتدين به، فالإمام عليٌ -عليه السلام- إلى جانب أنه قدَّم في واقعه العملي، وفي مسيرة حياته قدَّم الشاهد على إمكانية التطبيق لهذا الدين، وعلى- كذلك- إضافةً إلى إمكانية التطبيق العملية الصحيحة للتطبيق، والأثر الصحيح لهذا الدين في نفسه، في وجدانه، في أخلاقه، في اهتماماته العملية، في سلوكياته، في مواقفه، في أفكاره، في ثقافته، في ما كان يقدمه للأمة، ولأنه كان على هذه النحو العظيم: الشاهد للرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- للإسلام في أثره العظيم في الإنسان على المستوى التربوي، على المستوى الأخلاقي، على المستوى الفكري والثقافي، على المستوى العملي، نستطيع القول: بأن الإسلام صنع من عليٍ شخصيةً قدَّمت أرقى صورة عن الإسلام، وتجلى فيها الإسلام في الإنسان، كيف هو أثره، كيف هو صنعه في هذا الإنسان، وهذه مسألة مهمة جدًّا تعني لنا الكثير كمسلمين؛ لأنها تقدِّم جاذبية الإسلام، وتقدِّم عظمة الإسلام الذي نحن في أمسِّ الحاجة أن ننظر إليه نظرةً صحيحة، البعض مثلاً ينظرون إلى الإسلام كدين إما نظرةً خاطئة: عندما يتقمصون شخصيةً على ضوئها تطلع شخصيةً مشوهة، تسيء إلى الإسلام بأكثر مما تقدِّم شهادةً لهذا الإسلام، والبعض قد يحملون العقدة تجاه عظمة هذا الإسلام، وقد يبحثون عن بدائل، ولو لم يكن عن الإسلام بشكلٍ كلي، ولكن في جوانب كثيرة من هذا الدين، قد يبحثون لبدائل هنا أو هناك، وهذا الذي يحدث في واقع الأمة: أن البعض يتأثر أو ينظر ويستقرئ في ساحتنا الإسلامية في نماذج مشوهة، قدمت صورةً سلبية عن الإسلام، أو صورةً ناقصة، فهو: إما أن يرى الإسلام مشوهاً، وإما أن يرى الإسلام ناقصاً، هذا وذاك يدفعه إلى التوجه هنا وهناك للبحث عن بدائل في الفكرة، في الرموز، في المسارات العملية، في قضايا مهمة جدًّا، ولكن ينبغي لنا كمسلمين أن نعرف أن الإمام علياً -عليه السلام- هو شخصية إسلامية، أن لا تمثل الانقسامات المذهبية أسواراً على البعض، أو قيوداً تكبِّل البعض من الاستفادة من هذه الشخصية العظيمة التي هي إسلامية، للمسلمين جميعاً، وتعبِّر عن الإسلام العظيم، هذا الدين العظيم الذي نرى أثره في شخصية عليٍ -عليه السلام- في كل مجالٍ من مجالات الحياة.
الإمام علي الأول إسلاماً والأكثر إسهاماً
عليٌ -عليه السلام- كان في هذ الدين هو السابق، هو أول الأمة إسلاماً، وإسلاماً من غير أن يسبقه شرك، وكانت هذه ميزة في كل الذين أسلموا واتبعوا رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ميزةً فريدة، الإمام عليٌ -عليه السلام- حظي بما لم يحظ به غيره من الاختصاص بالرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- الرسول هو الذي قام بتربيته منذ أن كان طفلاً صغيراً، وعاش في كنف رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وبقابلية عالية جدًّا في نفسه هو، في مسيرة حياته العجيبة والفريدة، وهو الذي فتح عينيه أول ما ولد في الكعبة المشرفة، في بيت الله الحرام، ثم- فيما بعد ذلك- حظي في طفولته المبكرة بتربية الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- تربيةً على مكارم الأخلاق، تربيةً على القيم الفاضلة، وبقابليةٍ عالية، تأثر بهذه التربية العظيمة، تركت فيه الأثر الكبير.
وعندما بدأت مسيرة الإسلام في الرسالة الإلهية كان هو خير وأكثر الناس تقبلاً، وأكثر الناس تهيئةً لحمل الرسالة في هذا الدين، والتأثر بها من موقع الإتباع، من موقع الإيمان بالرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- والاهتداء برسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- بهذه القابلية العالية لإنسانٍ لم يتدنس بدنس الشرك، لم يتأثر بالعهد الجاهلي لا في نفسه، ولا في سلوكه، ولا في وجدانه، وفي بيئةٍ عظيمةٍ، بيئةٍ سليمةٍ، بيئةٍ صالحة، في جو التربية النبوية، جو التربية التي حظي بها عند رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-.
نشأ الإمام عليٌ -عليه السلام- وبدأ مسيرته مع مسيرة الإسلام من يومه الأول، فكان ذلك الذي حظي بارتقاءٍ عظيمٍ في هذا الإسلام، لا يماثله غيره من المسلمين من أتباع الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- ونشأ نشأةً عظيمةً، وتميَّز بإسهاماته الكبيرة تحت قيادة الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- فكان على مستوى الجهاد وعلى مستوى العمل لإقامة الإسلام ذا إسهامٍ كبير جدًّا، وتأثير كبير جدًّا.
عندما نأتي إلى جانبٍ من جوانب الإيمان، وجانبٍ يمثِّل إسهاماً عظيماً في حركة الرسالة وهو الجهاد في سبيل الله، نجد أنَّ الإمام علياً -عليه السلام- تميَّز على نحوٍ عظيم بين الأمة الإسلامية، بين المسلمين بكلهم، في عطائه العظيم، وجهاده الكبير، فهو في هذا الدين الفدائي الأول، وهو في هذا الإسلام الذي أتت الآية القرآنية المباركة عندما قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: الآية207]، ليكون هو المصداق الأول لهذه الآية المباركة.
في مرحلة مكة- وهي مرحلة حساسة جدًّا– كانت إسهاماته مهمة ومبكرة، وكان حضوره للمبيت في فراش النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- ليلة الهجرة عمليةً فدائية بكل ما تعنيه الكلمة، نفَّذها بكل رحابة صدر، وبكل رغبة، واستحق بها وساماً عظيماً، ومثَّل بها إيمانه العظيم، وعبَّر عن هذا الإيمان الصادق باستعداده العالي للتضحية في كل المواطن، وفي كل المقامات، وفي كل المواقف التي تستدعي هذا الاستعداد التام للتضحية، وأن يكون الإنسان بالفعل في موقع التضحية.
الإمام عليٌ -عليه السلام- كان أعظم جنديٍ من جنود رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- جندياً عظيماً، وقائداً عظيماً في كل المهمات القيادية التي حرَّكه فيها الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وكان أعظم قائدٍ عسكريٍ في بطولته العظيمة، وفي إنجازاته العسكرية الكبيرة، وفي إسهاماته الكبيرة، فأشاد به القرآن، وأشادت به الملائكة حتى هتف هاتفهم في يوم أحد: (لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي).
وسجَّل له التاريخ أعظم المواقف تضحيةً وبطولةً، وبسيفه جندل أبطال الكفر، وصناديد الشرك، وكل الذين يمثِّلون عقبةً كبيرةً، وتحدياً خطيراً ضد الإسلام، إسهاماته في بدر ومواقفه العظيمة التي سجَّل بها المؤرخون له أكبر رصيدٍ وأعظم إسهامٍ بين كل جنود الإسلام، وهو يستبسل استبسالاً عظيماً منقطع النظير في معركة بدر كجنديٍ للرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-.
أما في يوم أحد فكما قال جبريل -عليه السلام- فيما روته الأمة عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- ورسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- في أحرج المواقف، وهو بين يديه يستبسل استبسالاً لا مثيل له، يتصدى للكتائب التي تأتي بهدف الوصول إلى الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وقتله، وقد أثخن بالجراح، فكان الإمام عليٌ -عليه السلام- يتصدى لكل كتيبة، ويقتل قائدها، ويفرِّق جمعها، تأتي الكتيبة الأخرى فيثب وثبة البطولة والاستبسال والتفاني للتصدي لها بما يمتلكه أيضاً من قدرات عسكرية عظيمة، وبما يمتلكه من رصيدٍ إيمانيٍ عظيم، جعل منه أعلى مثالٍ في جنود الإسلام للاستبسال والتفاني، فيتصدى لتلك الكتيبة الأخرى… وهكذا. فيقول جبريل -عليه السلام- معجباً بهذا المستوى العالي من التفاني والاستبسال: (إنَّ هذه لهي المواساة)، فيقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (إنَّه مني وأنا منه)، فيقول جبريل -عليه السلام-: (وأنا منكما)، ما أعظم هذا الشرف الكبير والعظيم، ثم في غزوة خيبر، في الأحزاب كذلك، في كل غزوات الإسلام الكبرى، وفي كل المقامات التاريخية والمفصلية، وفي حنين، في كل المواقف الحسَّاسة، حتى كان الإمام عليٌ -عليه السلام- في مقدمة مصاديق الآية المباركة: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: من الآية23]، فسجَّل التاريخ له أعظم انجاز وأكبر إسهام كجنديٍ عظيمٍ بين جنود الإسلام وجنود الرسالة الذين كانوا تحت قيادة الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وبطولته كانت بطولةً جمع فيها بين الفطرة والغريزة والإيمان، فكانت على مستوىً عظيم لا مثيل له في جنود الإسلام بكلهم.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
(الإمام علي السابق والشاهد والامتداد الأصيل لحركة الهداية)
بمناسبة استشهاد الإمام علي -عليه السلام- 1440هـ
مايو 27, 2019م