مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله
  • خـــطـبـــة الــجــمــعـــة

   الرابـــــــعــــــــة :

        ٢٦ / ١١ /  1441هـ

       ١٧ /  ٧ / ٢٠٢٠م

        

         (ولتنظر نفسٌ)

 

      ▪️الخطبة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، الحمد لله القائل في كتابه الكريم: (وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ) ونشهد ألّا إله إلا الله، كل عزيز غيره ذليل، وكل قوي غيره ضعيف، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله بأمره صادعاً، وبذكره ناطقاً، فأدى أميناً، ومضى رشيداً، وخلف فينا راية الحق، من تقدمها مرق، ومن تخلف عنها زهق، ومن لزمها لحق، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، وارض عن صحابته الأخيار المنتجبين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد/ أيها الأخوة المؤمنون:

يستمر حديثنا عن اليوم الآخر، هذا اليوم الآتي الذي لا ريب فيه، والذي أصبح قريباً أكثر من أي وقت مضى في تأريخ البشرية كما قال تعالى: (ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ) وقال: (ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ . مَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا ٱسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ . لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡ).

ويمكن أن نقسم اليوم الآخر إلى محطات عملية متتابعة كما وضحها السيد/عبدالملك بدرالدين (حفظه الله) في محاضراته الرمضانية، ويبدأ اليوم الآخر بعملية: زلزلة الساعة التي يدمر الله فيها كل هذا العالم ويموت من بقي من البشر، ثم يبدل الله السماوات غير السماوات (يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ) وتتبدل الأرض إلى أرض مستوية لا فيها عوج ولا منخفضات ولا مرتفعات (فَيَذَرُهَا قَاعٗا صَفۡصَفٗا . لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجٗا وَلَآ أَمۡتٗا)؛ لأن وظيفة الأرض قد تبدلت.

تأتي بعدها عملية البعث بالنفخ في الصور فتتشقق الأرض، ويخرج الناس منها بسرعة وبكثرة كبيرة كما قال تعالى: (يَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعٗاۚ ذَٰلِكَ حَشۡرٌ عَلَيۡنَا يَسِير) (وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ يَنسِلُونَ) ويُصور لنا القرآن مشهد الخروج الرهيب للناس من تحت الأرض (يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّهُمۡ جَرَادٌ مُّنتَشِر).

 وبعد البعث مباشرة تأتي عملية تجميع البشر وتنظيمهم لعملية الحساب كما قال تعالى: (مُّهۡطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ)، وفي تلك الحالة عبّر القرآن عن استقلال الناس لكل ماضي حياتهم التي عاشوها في الدنيا، وكذلك يستقلون الفترة من بعد الموت إلى وقت الحساب ويقدرونها كأنها ساعة، والبعض يقدرها ببعض يوم والبعض يقدرها بيوم (وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقسِمُ ٱلۡمُجرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيرَ سَاعَة كَذَٰلِكَ كَانُواْ يُؤفَكُونَ . وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَٱلإِيمَٰنَ لَقَدۡ لَبِثۡتُم فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَومِ ٱلۡبَعۡثِ) وقال تعالى: (كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَونَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَو ضُحَىٰهَا)  (قَٰالَ كَمۡ لَبِثۡتُم فِي ٱلۡأَرۡضِ عَدَدَ سِنِينَ . قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمِ فَسْئَلِ ٱلۡعَآدِّينَ) وأكثر تلك التقديرات للحياة التي مضت عشرة أيام (يَتَخَٰافَتُونَ بَيۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا)؛ لأنهم قد بُعثوا لحياة أبدية لا حساب فيها للزمن، فلا ساعات ولا أيام ولا شهور ولا سنوات؛ لأنه لا نهاية لتلك الحياة، ورغم كثرة الخلائق المنتشرة لا تسمع إلا الهمس فيما بينهم، وفي مرحلة من مراحل الحساب يصلون إلى الصامت الكامل (يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِ).

أيها المؤمنون الأكارم:

بعد عملية التجميع تأتي عملية التنظيم للعرض على الله في موقف مهيب جداً، حيث يُنظمون في صفٍ مستوٍ للعرض على الله (وَحَشَرۡنَٰاهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدٗا . وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِ)، وعندها تأتي الترتيبات الأولية لعملية الحساب وتبدأ بقدوم الملائكة بأعداد هائلة جداً إلى ساحة المحشر، ومع قدوم الملائكة يُؤتى بالعرش ليكون بمثابة المقر لكبار الملائكة لإدارة عملية الحساب، وهذه اللحظة - التي يشاهد فيها الإنسان قدوم المليارات من الملائكة وإحضار العرش -لحظة رهيبة جداً وهائلة يستشعر فيها الناس قرب الله والحضور الإلهي، وتأتي مثلها لحظات رهيبة جداً مثل لحظة مجيء جهنم كعالم من العذاب حتى تُشاهد في ساحة المحشر كما قال تعالى: (وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۢ بِجَهَنَّمَ) (وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ) وفي تلك اللحظات الرهيبة والعصيبة أكثر ما يركز

 

عليه الإنسان ويدرك أهميته وحس

 

اسيته هو العمل (يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ) يتنبه ويدرك أهمية العمل، ويتذكر الأعمال التي عملها في الحياة الدنيا (يَوۡمَ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا سَعَىٰ) ويتذكر الأعمال المهمة التي كانت ذات قيمة للنجاة والفوز والتي لم يتفاعل معها حينما عُرضت عليه، ويتذكر حينما كانت تُتلى عليه آيات الله فيعرض، ويتذكر الدعوات التي وُجهت له في الدنيا فلم يسمعها فيقول بحسرة وندم (يَٰالَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي)، فالموقف صعب، والمرحلة القادمة هي الحساب ثم الجزاء، فهل يمكن للإنسان أن يفر من هذا الموقف الرهيب؟ وهل يمكنه أن يختبىء؟ وهل يمكنه أن يتملص من الحساب؟ (يَقُولُ ٱلۡإِنسَانُ يَوۡمَئِذٍ أَيۡنَ ٱلۡمَفَرّ . كَلَّا لَا وَزَرَ . إِلَىٰ رَبِّكَ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡمُسۡتَقَرّ . يُنَبَّؤُاْ ٱلۡإِنسَانُ يَوۡمَئِذِۢ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ)، من أي بلاد كنت، وكيفما كنت، لن ينساك الله عن البعث، ولن تنساك الملائكة عن السَوق إلى ساحة المحشر، ولن تستطيع أن تتملص من الحساب، ولا خلاص إلا بالاهتمام الآن في الدنيا، والتركيز على الأعمال والمسؤوليات التي تجعل الحساب يسيراً في ذلك الموقف (يَوۡمَئِذٍ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ).

 وهنا تبدأ عملية الحساب بتوزيع الصحف، ويؤتى كل إنسان كتابه (وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَامَةِ كِتَٰبٗاً يَلۡقَاهُ مَنشُورًا)، كُتبَ فيه كل أعمال الإنسان في الخير أو في الشر (فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰابَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ)، يسعد ويستبشر ويرتاح ويفرح فرحةً لم يسبق له أن فرح مثلها أبداً؛ فقد اطمأن فيها إلى مستقبله الأبدي  في سعادة  لا نهاية لها، لمـــاذا؟ (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ) كنت في الدنيا أحسب حساب هذا اليوم، كنت استشعر دائماً أني سأحاسب؛ ولذلك كنت أعمل لحساب هذا اليوم الأعمال التي فيها نجاتي (وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰابَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُوتَ كِتَٰابِيَهۡ . وَلَمۡ أَدۡرِ مَا حِسَابِيَهۡ) حالة من الندم والعذاب النفسي والحسرة والألم لا يمكن تخيلها؛ فقد أدرك الإنسان أن الفرصة قد فاتته، وقد كان بإمكانه أن يفوز وينجو؛ لكنه أضاعها وأهملها وغفل وتجاهل ولم يبالِ ولم ينتبه لنداءات الله وآياته وتوجيهاته.

أيها المؤمنون الأكارم:

في ذلك اليوم سيندهش الإنسان من ذلك الكتاب الذي وثّق عليه حتى لحظات عينه الحرام المتعمدة السريعة، وحتى خفايا صدره من العداوات والأحقاد وسوء الظن التي كانت بغير حق (يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ)، وتبدأ عملية الحساب على مستوى الملفات الشخصية لأعمال الإنسان وتصرفاته ومشاكله الشخصية مع الآخرين، ثم المحاسبات العامة للأمم والأقوام والتوجهات (يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۢ بِإِمَٰمِهِم) ويأتي الفصل الإلهي بين الجميع (وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ)، وفي تلك الساحة لا مجال للمغالطة، ولا يمكن الاستناد على ماكينة إعلامية تروج الطغيان والظلم وتبرر الجرائم.

وتأتي بعد ذلك عملية الفرز والتمييز بين المؤمن والفاجر، المطيع والعاصي، المظلوم والظالم، ويكون الانتصار للمظلومين المؤمنين (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ . يَوۡمَ لَا يَنفَعُ ٱلظَّٰالِمِينَ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ) وحتى داخل الأمة المحسوبة على الإسلام يأتي الفرز بين الصادق والمنافق (وَٱمۡتَٰازُواْ ٱلۡيَوۡمَ أَيُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ) ويعرض لنا القرآن الحالة التي يعيشها المنافقون ـ المحسوبون على المسلمين ـ الذين يحاولون أن يعودوا إلى صف المؤمنين بعد أن فصلتهم الملائكة (قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاً) فينادون المؤمنين ألم نكن معكم؟ وقد يكون البعض من أسرة واحدة، وقد يكون البعض من قرية واحدة، أو حارة واحدة، ولربما كانوا يلتقون في المسجد الواحد، ويجلسون في المجلس الواحد مع المؤمنين؛ لكن توجههم كان مختلفًا عن المؤمنين، (أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُم) في الدنيا مسلمين؟ نصلي ونصوم معكم في تلك القرية أو تلك الحارة (قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ . فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُؤۡخَذُ مِنكُمۡ فِدۡيَةٞ وَلَا مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ مَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوۡلَىٰكُمۡ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ) كنا أمة واحدة؛ لكنكم كنتم تعانون من هذه المشاكل: ارتيابٌ فلا ثقة عندكم بالله وبنصره وبتأييده؛ فلم تقفوا مواقف الحق بجدية ومصداقية، واغتررتم بهذه الحياة؛ فكنتم تؤثرون مصالحكم الشخصية على حساب المواقف الحق، واغتررتم بالشيطان الذي كان يورطكم في إرضاء شهواتكم على حساب الاستقامة الصادقة على منهج الله، وتربصكم وأنتم تنتظرون ماذا ستكون نتائج الأحداث هو الذي أبعدكم عن المواقف الحق التي هي جزء أساسي من الالتزام الديني والإيماني؛ فانحرفتم في ولائكم وفي موقفكم، وتخليتم عن الأمة وهي تعيش محنتها وصراعها؛ فاليوم ستلحقون بأولئك ولن تقبل منكم فدية مالية، ولن تفيدكم مصالحكم الشخصية التي آثرتموها في الدنيا وبهذا تكتمل عملية الفرز.

عباد الله الأكارم:

تتجلى يوم القيامة حالتان بالنسبة للروابط  بين الناس، الأولى: حالة شتات وفرقة تحدث بين من كان شملهم مجتمع في الدنيا على الباطل والمعصية، وإن كانوا من أسرة واحدة (يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ . وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ . وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ) شتات وتفرق رهيب لا اجتماع بعده، وعداوات بين التابع والمتبوع، وبين المستكبرين وأعوانهم من المستضعفين (ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۢ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ)، بينما يجتمع شمل أهل الحق على مستوى الأسرة الواحدة (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖ)، وعلى مستوى الأتباع مع المتبوعين من الأنبياء والأولياء والصديقين والصالحين الذين يتحركون في جمع يسوده الألفة والسعادة والشعور بالفوز(وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقٗا)، وهنا يكتمل العمل في الحساب وتبقى عملية الانتقال من ساحة الحساب إلى الجنة التي تُقرّب (وَأُزۡلِفَتِ ٱلۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِينَ) أو إلى جهنم التي تُقرّب (وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۢ بِجَهَنَّمَ) وتبقى آخر محطة في ساحة الحساب وهي للخطاب الذي سيلقيه الشيطان على أتباعه من العصاة والكافرين والمنافقين والفاسقين (وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰانٍ)، أنا لم أجبركم لتستجيبوا لي ( إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِي) فقط دعوة، دعاكم الله ووعدكم، ودعاكم الشيطان ووعدكم (فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُ) يلومهم ويتبرأ منهم ويحملهم المسؤولية، فكم هي حسرتهم وندامتهم، وينادي الله تعالى تلك المليارات من البشر (أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ) وبعدها ينقلون قسراً إلى جهنم، أجارنا الله وإياكم منها.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ,إنه تعالى جواد برٌ رؤوف رحيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولكافة المؤمنين والمؤمنات فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

  ﴿   الخطبة الثانية ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, وأشهد ألاّ إله إلاّ الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، ورضي الله عن أصحابه المنتجبين.

أما بعد/ أخوة الإيمان:

يعيش شعبنا اليمني العزيز هذه الأيام ذكرى جريمة (تنومة) التي ارتكبتها ـ قبل مائة عام ـ عصابات الإجرام والتوحش الوهابية التكفيرية بحق آبائنا وأجدادنا الذين كانوا متوجهين لأداء فريضة الحج استجابة لأمر الله القائل: (وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ) لكن أولئك الذين خرجوا حتى عن حدود الفطرة البشرية، وبما حملوه من عقائد التكفير والإجرام الخارجة عن الإسلام وعن القيم والأخلاق غدروا بهم في طريقهم إلى بيت الله في منطقة تنومة وسدوان، وهم مُحرمون ملبّون لله، عُزّل عن السلاح، آمنون بأمان الله الذي قال: (وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَيۡتَ مَثَابَةٗ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنٗا) فقتلوا منهم أكثر من ثلاثة آلاف حاج في أبشع ما عرفته البشرية من إجرام وتوحش، ونُهبت أموالهم، وتُركت جثثهم في العراء للوحوش والطيور، وكان ذلك هو بداية عدوان قرن الشيطان على يمن الإيمان والذي ما يزال مستمراً حتى اليوم.

 وإننا إذ ندين هذه الجريمة النكراء ندين أيضاً جريمة السكوت عنها وتغييبها عن المناهج الدراسية وعن المنابر والإعلام خلال كل الفترة السابقة لثورة الواحد والعشرين من سبتمبر، فنحن أمام جريمتين: جريمة تنومة، وجريمة إخفائها عن الشعب اليمني لفترة طويلة، حتى أن الكثير لم يسمع بها إلا قبل فترة قليلة، كما ندين منع الحج والعمرة من قبل نظام قرن الشيطان المجرم والعميل، ونعتبر تلك الخطوة تنفيذاً لتوجيهات أعداء الإسلام أمريكا وإسرائيل، فلا حق لنظام قرن الشيطان أن يغلق مكة (حرم الله) أمام عباده بأي عنوان كان، ولا مبرر له إطلاقاً أن يغلق حرماً فتحه الله لعباده في كل الظروف، ورحم الله الشهيد القائد الذي حذر الأمة الغافلة مما يحاك ضد الحج، وتحدث قبل سبعة عشر عاماً عن خطط اليهود لمنع الحج، وكيف أنهم يمكن أن يتعللوا بوباء ما، وهاهم يتعللون بوباء كورونا لمنع الحج في حين يفتحون دور السينما ولا يخافون على الناس فيها من الوباء، وهذا مما يضاعف المسؤولية علينا للتحرك لإنقاذ الدين والمقدسات، كما ندين حصار العدوان وجرائمه المتواصلة بحق شعبنا وآخرها الجريمة التي ارتكبها العدوان بحق أسرة كاملة من الأطفال والنساء في محافظة حجة.

كما ندعو المغرر بهم للخروج من صف الخيانة والعدوان والعودة إلى صف الوطن والأحرار ونقول لهم يكفيكم أكثر من خمس سنوات من تكشف الحقائق التي بيّنت مع من تقفون وتقاتلون، فقد وصل الحال إلى حد التصريح من قبل قادة الارتزاق للتطبيع مع اليهود، فالنصر قريب وهو حتماً للشرفاء والأحرار والمتقين، كما ندعو كل أبناء شعبنا الحر المجاهد إلى دعم القوة الصاروخية؛ لتحقق الردع الكامل للعدو، ويشفي بها الله صدور قوم مؤمنين من الأحرار وأسر الشهداء والمظلومين، وندعو إلى مواصلة رفد الجبهات بالمال والرجال حتى يتحقق النصر الكامل على المعتدين.

هذا وأكثروا في هذا اليوم وأمثاله من ذكر الله, والصلاة على نبينا محمد وآله؛ لقوله عز من قائلٍ عليماً {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً},اللهم صلِ وسلم وبارك وترحم على سيدنا وإمامنا ومعلمنا أبي القاسم محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم, وعلى أخيه ووصيه وباب مدينة علمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب, وعلى زوجته الحوراء، سيده النساء في الدنيا والأخرى فاطمة البتول الزهراء, وعلى ولديهما سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين الشهيدين المظلومين, وعلى آل بيت نبيك الأطهار, وارض اللهم برضاك عن صحابة نبيك الأخيار, من المهاجرين والأنصار, وعلى من سار على نهجهم, واقتفى أثرهم إلى يوم الدين, وعلينا معهم بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل لنا من كل همٍ فرجاً, ومن كل ضيقٍ مخرجاً, ومن النار النجا, اللهم انصر علم الجهاد, واقمع أهل الشرك والعدوان والفساد, وانصرنا على من بغى علينا: أئمة الكفر أمريكا وإسرائيل، وأئمة النفاق السعودية والإمارات وكل من حالفهم وعاونهم يا رب العالمين {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}

عباد الله: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

 ➖➖➖➖➖➖➖

صادر عن الإدارة الـعــامـــة للــوعــظ والإرشــاد قـطـــاع التوجـيـه
والإرشــاد بـديــوان عــام الـــــوزارة.


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر