عند بزوغ فجر الإسلام كان اليمنيون السابقون قبل غيرهم لنصرة الإسلام ورسول الإسلام، فاحتضنوا رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› في دار هجرته، وآووه ونصروه، وأسلم أهل اليمن جميعاً في عهد رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› دون ضغط أو إكراه.
أرسل الرسول ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› الإمام علياً ‹عليه السلام› إلى أهل اليمن فأسلمت همدان في يوم واحد فبعث إلى الرسول ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› يخبره الخبر؛ فلما قرأ الرسول ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› الكتاب خر ساجداً ثم رفع رأسه وقال: «السلام على همدان» ثلاثاً.
وأقبلت طلائع الوفود على رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› معلنين إسلامهم، ففرح بذلك رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› وقال: «أتاكم أهل اليمن وهم ألين قلوباً، وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية».
ولقد كان لأهل اليمن دورهم المميز في الفتوحات الإسلامية، وكانوا أيضاً قادة وجنود الإمام علي ‹عليه السلام› في قتاله الناكثين، والقاسطين، والمارقين.
وقد قال علي ‹عليه السلام› معبراً عن ذلك في قصيدة طويلة قال في آخرها:
فلو كنت بواباً على باب جنة
لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
وبسبب هذا الارتباط الوثيق بين اليمنيين بالرسول وأهل بيته، ودور اليمنيين البارز في نصرة الإسلام ووقوفهم مع الإمام علي ‹عليه السلام› باعتباره الامتداد الحقيقي لرسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› لهذا كله عاقبهم بنوا أمية حملة الموروث الجاهلي ومن تلك العقوبات أن معاوية أرسل إلى اليمن جيشاً بقيادة "بسر بن أرطأة" بمساندة من الموالين للدولة الأموية، فعاث في الأرض فساداً وقتل النساء والأطفال والشيوخ.
وكان من ضمن قتلاه طفلا عبيد الله بن عباس - قثم وعبدالرحمن - ذبحهما بيده وهما على مصحفهما يتعلمان القرآن، وكان عبيد الله بن عباس قد تركهما عند أم سعيد البرزخية، وبلغ علياً ‹عليه السلام› خبره فقال: «اللهم اسلبه دينه وعقله» ووجه إليه جارية بن قدامة السعدي، ومعه وهب بن مسعود في أربعة آلاف فارس، فهرب بسر بعد أن قتل الآلاف من محبي أهل البيت ‹عليهم السلام› وعند وصوله إلى الشام أصيب بالجنون وساءت خاتمته وكان يأكل الأذى؛ فيمنعه أهله، فيقول لهم: «أنتم تمنعوني وقثم وعبدالرحمن يطعماني إياه».
ثم حل باليمن مأساة أخرى أيام عبدالملك بن مروان إذ كان أخو الحجاج "محمد بن يوسف الثقفي" والياً على اليمن وكان مشهوراً بالظلم والقسوة، فقتل الكثير من أهل صنعاء.
ثم تنازع اليمن: الولاة في العصر العباسي، ومنهم محمد بن زياد استخلفه المأمون لما رأى تكاثر محبي أهل البيت في اليمن .
وعملوا على تفريق اليمن إلى قبائل متناحرة متنافرة فيما بينها، كثر الصراع والحروب والفتن بين القبائل اليمنية حتى ضاق بهم الحال فشدوا الرحال إلى المدينة يطلبون من أهل البيت ‹عليهم السلام› الذين تشربت قلوبهم بحبهم أن ينقذوهم من هذه الوضعية وخصوصاً أنهم قد سمعوا بصيت الإمام الهادي ‹عليه السلام› وعلمه وشجاعته.
كان ‹عليه السلام› قد بايعه أعمامه وآباؤه بالإمامة لما رأوا من علمه وورعه وتقواه وخشيته من الله سبحانه وتعالى وتواضعه وكرمه وأخلاقه، وتوجهوا جميعاً إلى طبرستان، ثم عادوا إلى الرس فجاءه وفد من علماء اليمن وقبائلهم يطلبونه الخروج وألزموه أمام خالق السموات والأرض القيام بأمر الله سبحانه وتعالى.
وكان ذلك في عهد الدولة العباسية سنة 280هجرية أيام المعتضد العباسي وكان عمره ‹عليه السلام› حين ظهوره 35 سنة؛فاستجاب ‹عليه السلام› لذلك استجابة لأمر الله سبحانه وقد قال ‹عليه السلام›: «والله الذي لا إله إلا هو وحق محمد ما طلبت هذا الأمر، وما خرجت اختياراً وما خرجت إلا اضطراراً لقيام الحجة علي، ولوددت أنه كان لي سعة في الجلوس، وكيف لي بأن يسعني الجلوس عن هذا الأمر الذي أنا فيه مزموم بزمام، أنا والله إذا جنني الليل أفكر فيما عملت وما كان مني في يومي؛ فأناظر نفسي في ذلك فأردد على نفسي وأقول: فعلت كذا، وكان كذا أصلح، ولو لم أكن في هذا الأمر لم يمنعني ترك الفكر في هذا الأمر حتى ناظرت نفسي فيه طويلاً فما وجدت إلا الخروج أو الكفر بما أنزل الله على محمد ‹صلى الله عليه وآله وسلم›».
وقال ‹عليه السلام›: «والله لولا كرامة الله ما نظرت في هذا الأمر» .
وهكذا خرج معهم ‹عليه السلام› لإحياء كتاب الله والعمل بسنة رسول الله، وإماتة البدعة والضلالة، ووصل صعدة سنة 280 هـ ثم رحل إلى قرية الشرفة ناحية بني حشيش بالقرب من صنعاء، ولبث مدة يسيرة؛ فظهر منهم الخلاف لبعض الأوامر الشرعية فقال: «هل هي إلا سيرة محمد ‹صلى الله عليه وآله وسلم› أو النار والله لا أكون كالفتيلة تضيئ غيرها وتحرق نفسها» ثم عاد إلى الحجاز.
قيل: أن سبب غضبه ورحيله أن بعض الأمراء هناك، من أولاد ملوك اليمن، من عشائر أبي العتاهية شرب الخمر فأمر بإحضاره ليقيم عليه الحد، فامتنع عليه فقال ‹عليه السلام›: لا أكون كالفتيلة تضيئ غيرها وتحرق نفسها .
يقول الشيخ أبو زهرة: (ولكن عاد إلى الحجاز بعد أن تعلقت به القلوب ووجد الراشدون من أهل اليمن أنه الإمام الذي يستطيع أن يجمع شمل اليمنيين وأن يحارب بهم البدع التي كانت منتشرة ومذهب القرامطة الذي كان يساورهم).
من كتيب "الإمـام الهـادي (علية السلام) صورة مُوجزة " للاستاذ يحيى قاسم ابو عواضه