مـوقع دائرة الثقافة القرآنية – تقارير – 3 جمادى الآخرة 1446هـ
فتحت القواتُ المسلحة اليمنية، مسارَ ردع جديد ضد العدوّ الصهيوني، باستهداف شمالي فلسطين المحتلّة لأول مرة منذ بدء عمليات الردع اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة؛ ما يؤكّـد أن اليمن سيضرب موعدًا مع خيارات جديدة تربك العدوّ وتجبره على وقف إجرامه في غزة.
وتحمل العملية الجديدة مزيدًا من الأبعاد والدلالات، وفي مقدمتها استئناف العمليات المشتركة مع المقاومة الإسلامية العراقية، وتشتيت خيارات العدوّ الدفاعية.
وعلى ضوء بيان متحدث القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، عصر الثلاثاء، بشأن تنفيذ ثلاث عمليات في عمق كيان الاحتلال، بواقع عمليتين شمالي فلسطين المحتلّة وعملية جنوبيَّها، بالشراكة مع المقاومة الإسلامية في العراق، يبدو أن معادلة جديدة تلوح في الأفق، لا سيَّما أن استهداف شمالي فلسطين المحتلّة من قبل القوات المسلحة اليمنية هو الأول من نوعه منذ بداية (طُوفَان الأقصى).
-
استهدافُ “الشمال”.. هزيمةُ العدوّ تتجدَّدُ وخياراتُه تتعقَّد:
ومن اللافت أن عمليتَي استهداف شمالي فلسطين المحتلّة لأول مرة، تأتي عقب وقف إطلاق النار بين كيان العدوّ الصهيوني والمقاومة الإسلامية في لبنان، وهنا كانت الرسالة القوية للعدو إلى جانب الضربة العسكرية، حَيثُ إن استهداف شمالي فلسطين المحتلّة بعد توقف صواريخ حزب الله، يوحي للعدو بأن ساحات المقاومة ستظل تضرب في كُـلّ مفاصِلِهِ، وأن وقف صواريخ حزب الله باتّفاق لا يعني وقف صواريخ باقي ساحات الجهاد التي تطال شماليَّ فلسطين المحتلّة أَو أي مكان في عمق الاحتلال.
وفي ظل التقارير الصهيونية التي تتحدثُ عن مصاعبَ كبيرة أمام العدوّ لإعادة تأهيل شمالي فلسطين المحتلّة وعودة المغتصبين إليها وتطبيع الحياة فيها؛ فَــإنَّ هذه العملية اليمنية العراقية تزيد التعقيدات أمام العدوّ في هذا الصدد، خُصُوصًا أن التقارير “الإسرائيلية” التي أكّـدت الحاجة لـ10 سنوات قادمة حتى تعود الحياة في الشمال، كانت مبنية على الاستقرار العسكري والأمني والتفرغ للبناء والتأهيل؛ ما يعني أن عودة الصواريخ مرة أُخرى إلى شمال فلسطين المحتلّة ستجعل الأمر مستحيلًا أمام العدوّ ويجعل تطبيع الحياة هناك بعيد المنال، خُصُوصًا إذَا استمر الردع اليمني في ضرب هذا “الوتر الحساس” الذي أشغل العدوّ طيلة 14 شهرًا وكبده خسائر فادحة وحال دون أي انتصار عسكري في غزة على وقع العمليات الصاروخية التي كانت المقاومة الإسلامية اللبنانية تنفذها طولًا وعرضًا.
وفي حال زاد الزخمُ العسكري المقاوم في ضرب شمالي فلسطين المحتلّة؛ فَــإنَّ العدوّ أَيْـضًا سيجد نفسه أمام صفعة جديدة بعد الصفعة السابقة التي تعرض لها أمام حزب الله وحاول ترقيعها باتّفاق لوقف إطلاق النار، حَيثُ إن استمرار الصواريخ على الشمال سيجعل ملفات العدوّ هناك معلّقة؛ فالغاصبون سيبقون مهجّرون في الفنادق والشقق السكنية البعيدة التي يقطنونها ويستنزفون المزيد من الأموال الطائلة التي تكبد العدوّ خسائر كبيرة وعجزًا ماليًّا مُستمرًّا، فالإنفاق على المساكن والفنادق والرعاية الشاملة للفارين من الشمال يجعل حكومة المجرم نتنياهو في دوامة عجز مالي متراكم، تجبره على إضافات متواصلة للموازنات التكميلية لتغطية هذه البنود، فضلًا عن المتاعب الأُخرى سياسيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا وما تتطلبه من إنفاقات ضخمة، لا سيَّما وأن الدفاعات الجوية المكلفة ستظل تعمل في الشمال، وتضاعف الفاتورة وتزيد من اتساع رقعة الفشل العسكري والأمني الإسرائيلي، خُصُوصًا وأنها لم تثبت نجاعتها خلال الفترات الماضية من التصعيد اللبناني، فما بالها عندما تكون الأهداف “المعادية” هي صواريخ فرط صوتية، أَو بالستية متطورة فشلت أحدث المنظومات الأمريكية والغربية في مواجهتها.
كما أن استمرار هذا المسار الجديد من الردع في ضرب شمالي فلسطين المحتلّة، سيدخل العدوّ حتمًا في متاعب جديدة، ويجعل مخطّطه في الاستفراد بغزة أمرًا مستحيلًا، كما سيتمكّن هذا المسار من تثبيت معادلة الشهيد القائد السيد حسن نصر الله، الذي أكّـد فيها أن عودة المغتصبين الصهاينة إلى شمال فلسطين المحتلّة وتطبيع الحياة فيها، مرهون بوقف الحصار والعدوان على غزة، وبهذا يجد العدوّ نفسه أمام مأزِقٍ حقيقي، ويجد نفسَه أمام خيار واحد لإعادة الحياة إلى “الشمال”، وهذا الخيار لا يخرج عن وقف الإجرام بحق غزة.
-
الحصارُ يتفاقم ووحدة الساحات تتعاظم:
وفي الشق الآخر من العملية، والمتمثل في ضرب هدف حيوي للعدو الصهيوني جنوب فلسطين المحتلّة، وتحديدًا في منطقة أم الرشراش التي يسمِّيها العدوّ “إيلات”، فَــإنَّها أَيْـضًا تضاعف شواهد تطور القدرات اليمنية، وَأَيْـضًا تزيد من الخناق على العدوّ الذي يعاني من حصار بحري عطّل أهم موانئه الذي هو ميناء “أم الرشراش” المنفذ الوحيد المطل على البحر الأحمر.
فالعملية تؤكّـد أن اليمن لم يكتفِ بالحصار البحري الخانق وتعطيل وشل وإفلاس “ميناء أُمِّ الرشراش”، بل زاد من خياراته باستهداف الأهداف الحسَّاسة والهامَّة في تلك المنطقة الحيوية، لمضاعفة خسائر العدوّ وتشديد قبضة الخناق عليه.
من جانب آخر توحي العمليات الثلاث شمال وجنوب فلسطين المحتلّة، بتطور كبير ونوعي للقوات المسلحة اليمنية، حَيثُ إن الأسلحة المستخدمة في الثلاث العمليات تنوعت، وجميعها حقّقت الهدف دون أن تتمكّن أيٌّ من الدفاعات الأمريكية أَو الإسرائيلية أَو الغربية في رصدها واعتراضها، وهذا بدا واضحًا من خلال عدم نشر العدوّ الصهيوني أَو راعيه الأمريكي لأي أخبار مسبقة بشأن رصدهم للصواريخ والمسيَّرات التي ضربت الشمال والجنوب، عكس العمليات السابقة التي كان الأعداء ينشرون أخبارًا برصد ما يسمونه “أهدافًا جوية معادية” وهي في طريقها لأهدافها في “فلسطين المحتلّة”، ما يؤكّـد أن هذا التطور اللافت سيضع العدوّ ورعاته أمام تحديات صعبة، وتجعلهم في مسارات مُرهِقةٍ لملاحقة خيارات القوات المسلحة اليمنية، أما مواكبتهم للخيارات فقد صارت مستحيلة في ظل تجدد مسارات الردع اليمنية وتطورها بشكل لافت، يعبر عنه المسؤولون العسكريون الأمريكيون والغربيون بـ”الصادم” و”المدهش” والمرهق أَيْـضًا.
وبعودة العمليات المشتركة بين القوات المسلحة اليمنية والمقاومة الإسلامية في العراق، يتأكّـد للأعداء أن ساحات المقاومة ستظل على الموعد في تجديد الضربات غير المتوقعة، وتنويع التكتيكات والأساليب العسكرية الموجعة، حتى يتبين للأعداء أن الاستفراد بغزة سيظل حلمًا يستحيل الوصول إليه، وأن الأجدر فعله هو وقف الإجرام على الشعب الفلسطيني وبكامل شروط فصائل المقاومة الفلسطينية التي تملك أوراق قوة وضغط، خُصُوصًا وأن كُـلّ ساحات الجهاد والمقاومة خارج فلسطين وبما تملكه من خيارات، باتت أوراق قوة وساحات ضغط بيدها؛ كونها تتمترس في خندق الأُمَّــة المتقدم في مواجهة العدوّ الصهيوني ورعاته، وخلفها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
صحيفة المسيرة: نوح جلّاس