مـوقع دائرة الثقافة القرآنية - تقارير – 5 جمادى الأولى 1447هـ
منذ 77 عاما والكيان الصهيوني لم يدخر وسيلة إلا واستخدمها في سبيل إنجاح مخططه الرامي لتصفية القضية الفلسطينية، مستغلاً الدعم الأمريكي والغربي اللا محدود وغياب الدور العربي الإسلامي الفاعل، إلا أن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، أكد من جديد مدى الإصرار الإسرائيلي على إنهاء وإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه، فالعدو لم يكتف بإبادة ما يزيد عن 70 ألف فلسطيني وتدمير 90% من المباني، وإخراج القطاع الصحي عن الخدمة واستهداف كل مقومات الحياة، إلا أن اللافت في الإجرام الصهيوني تعمّده استهداف التعليم وبشكل ممنهج
وتكريساً لجريمة الإبادة الجماعية، فإن العدو الإسرائيلي سعى للقضاء على كل سبل الحياة في قطاع غزة، وعلى ما تبقى من قطاعات مهمة للسكان، كقطاع التعليم وكل مكوناته كالمدارس والمراكز والمقرات التعليمية والجامعات، وحتى الطلاب والمعلمين وجميع العاملين في هذا القطاع، ولم يستثني الاستهداف المرافق التعليمية سواء كانت تتبع لوزارة التربية والتعليم أو لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أو حتى الأهلية والخاصة.
ومنذ اليوم الأول للعدوان، توقفت العملية التعليمية في كافة المستويات، في الجامعات والمدراس والمراكز التعليمية والتدريبة، وتحول عمل المدراس من أماكن تعليمية إلى مراكز إيواء يستخدمها السكان النازحين الذين هُجروا من منازلهم قسراً، ومع ذلك لم يتوان العدو الإسرائيلي عن استهداف هذه المدارس والمنشآت وهي مكتظة بالنازحين، لتوقع المئات من الشهداء والمصابين، حتى وإن كانت المدرسة أو المنشأة تتبع لهيأة دولية كالأمم المتحدة وترفع علمها.
في العام الدراسي 2023/2024، كان عدد المدارس في قطاع غزة (803) مدرسة تشغل (550) مبنى مدرسي، موزعة كالتالي: (448) مدرسة حكومية، و(288) مدرسة تتبع لوكالة الغوث الدولية "الأونروا"، و(67) مدرسة خاصة، فيما بلغ عدد الطلبة في مدارس قطاع غزة في بداية العام الدراسي 2023/2024 حوالي (625,000) طالب وطالبة، موزعين حسب جهات الإشراف في المدارس الحكومية (305,000) طالب وطالبة، و(300,000) طالب وطالبة في مدارس وكالة الغوث، و(21,000) طالب وطالبة في المدارس الخاصة.
في حين بلغ عدد المعلمين في مدارس قطاع غزة حوالي (22,000) معلم ومعلمة، منهم (12,000) في مدارس الحكومة و(9,300) آلاف في مدارس وكالة الغوث، و1,300 معلم ومعلمة في المدارس الخاصة. كما بلغ عدد الطلبة المسجلين لدى الجامعات في قطاع غزة (88,000) طالب وطالبة مسجلين في (19) مؤسسة تعليمية من الجامعات والكليات الجامعية، أما عدد العاملين في التعليم العالي (5100) عامل.
لم يرق للعدو الإسرائيلي أن تستمر العملية التعليمية في غزة، فجعل منها هدفا عسكريا . المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم في غزة، الأستاذ مجدي برهوم، أن القطاع التعليمي تعرض لاستهداف ممنهج ووحشي، مشيراً إلى أن الاستهداف، سواء للطلبة أو للسجل التعليمي، يمثل محاولة صارخة لاقتلاع الكوادر المستقبلية، وتفريغ المجتمع من قادته المحتملين. بل ويُعد جريمة حرب واضحةً تشير إلى استهداف متعمد ومقصود لأجل محو جيل بأكمله.
الـ "أونروا" من جانبها أكدت أن أكثر من 660 ألف طفل في قطاع غزة خارج المدارس منذ أكثر من عامين. وقالت: في الوقت نفسه، يتلقى نحو 300,000 طفل دروسًا أساسية -في القراءة والكتابة والحساب- عن بُعد، بدعم من آلاف المعلمين المتفانين.
-
اغتيال العقول وتدمير المنشآت
على مستوى الخسائر البشرية (اغتيال العقول)، يؤكد المكتب الإعلامي الحكومي حجم الجريمة، مشيراً إلى أن العدو ارتكب مجازر بشعة بحق أكثر من 13,500 طالب شهيد، و830 من المعلمين والكادر التربوي، إضافة إلى أكثر من 193 عالماً وأكاديمياً وباحثاً. هذا الحجم من التدمير لا يهدف فقط إلى شلّ الحركة التعليمية المؤقتة، بل يسعى إلى إلغاء أي إمكانية للعودة السريعة للتعليم، وتحويل المدارس من أماكن للعلم إلى مجرد ملاجئ للنازحين، ما يرسّخ صورة الانهيار التام، ويسلب المكان دلالته الأساسية كبؤرة للتنوير.
ويستمر هذا التدمير الهمجي، حيث طالت الأضرار ما يزيد عن 95% من المدارس والجامعات وأخرجتها عن الخدمة، وبات نحو 90% من المباني المدرسية يحتاج إلى إعادة بناء أو تأهيل رئيسي، وفقاً لبيانات المكتب الإعلامي الحكومي. وقد تعرض 668 مبنى مدرسياً (نحو 80% من الإجمالي) لضربات مباشرة، ودمر العدو كلياً 165 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية، وتضرر جزئياً 392 مؤسسة تعليمية. وهي معطيات أكدها المفوض العام لـ"أونروا"، فيليب لازاريني، الذي أشار إلى أن 4 من كل 5 مبانٍ مدرسية تعرضت للقصف أو تضررت.
وأشار إلى أن النظام المدرسي في غزة قبل اندلاع العدوان على القطاع في السابع من أكتوبر 2023، يعاني أساسا من الاكتظاظ. والآن، تُقام مراكز التعلم الموقتة في مدارس أو بالقرب من مخيمات النزوح، داخل خيام أو غرف جاهزة تفتقر حتى إلى النوافذ.
-
صمود في وجه الإبادة المعرفية
رغم أن هذه الحملة التدميرية دمر فيها العدو الإسرائيلي كل شيء مادي، إلا أنه فشل في كسر الإرادة. إذ يتجسد الموقف الفلسطيني كمعركة كسب الجيل في صمود تترجمه خطوات عملية تسعى بجهود حثيثة لإنقاذ ما تبقى من المسار التعليمي، وتتمثل في الاتجاه نحو التعليم في خيام النزوح.
فقد تم إنشاء النقاط التعليمية الوجهية في ظروف قاهرة، تحت النار الملتهبة والشمس الحارقة، كبديل طارئ يؤكد الإصرار على استمرار العملية التعليمية رغم التهديدات المباشرة. ويُشار هنا إلى اعتماد 234 نقطة تعليمية مؤقتة استوعبت نحو 80 ألف طالب، وفقاً للمتحدث باسم وزارة التربية والتعليم في رام الله (التي تنسق مع الجهود في غزة). ويبرهن هذا الإقبال على التعلم رغم الركام على أن التعليم في غزة لم ينكسر. كما تؤكد "أونروا" جهوزية أكثر من 8 آلاف معلم لديها لمساعدة الأطفال على العودة، مشددة على وجوب السماح لها بالقيام بعملها من دون عوائق.
وفي محاولة لسد الفجوة الكارثية، أطلقت وزارة التربية والتعليم في غزة مشروع 25 مدرسة افتراضية بمشاركة نحو 1,500 معلم ومعلمة من الضفة الغربية، سجل فيها أكثر من 130 ألف طالب خلال يومين فقط. ورغم أن التجربة ما زالت محدودة، إلا أنها توفر متنفساً تعليمياً في ظل توقف معظم المدارس عن العمل. كما اضطرت الجامعات لإتاحة التعليم مجاناً وإعفاء الطلبة من الرسوم، ما يبرهن على أن الكيان الإسرائيلي يستخدم سلاح الحصار والتدمير الاقتصادي لدفع المنظومة التعليمية نحو الانهيار الذاتي.
-
استعادة العملية التعليمية أولوية قصوى
وبينما تمكنت "يونيسف" من إعادة سُدس الطلاب إلى أماكن تعليم مؤقتة بعد وقف إطلاق النار الأخير، فإن هذه الأماكن تفتقر لأبسط مقومات التعليم، حيث يجلس الأطفال على الأرض أو الحُصر، ويكتبون على الألواح أو قطع الحجارة، وتُقدم الدروس بنظام دوام متناوب لثلاثة أيام أسبوعيًا، وتشمل ثلاث مواد أساسية فقط. في سياق متصل، أعلنت وكالة "أونروا" عن إطلاق "العام الدراسي الجديد عبر الإنترنت" لـ 290 ألف طالب، مشددة على أن استعادة العملية التعليمية هي أولوية قصوى، وتمثل "شريان الحياة" الذي يجلب الأمل والتعافي لأطفال لم يعرفوا سوى الحرب.
على الجانب النفسي، تتفاقم التبعات المدمرة للعدوان الصهيوني على أطفال غزة، حيث حذرت منظمة الصحة العالمية ومركز حقوقي فلسطيني من "الأثر الهائل على الصحة النفسية"، و"تفشي اضطرابات ما بعد الصدمة". وتُظهر بيانات حديثة أن نحو 90% من الأطفال في غزة يعانون من اضطرابات نفسية حادة بسبب القصف والتهجير القسري. كما أشار مركز "حشد" إلى أن 80% من الأطفال يعانون من الكوابيس واضطرابات النوم، و96% يشعرون بأن الموت وشيك، و92% يعانون من صدمات حادة نتيجة الفقدان والتعرض المستمر للقصف.
-
المعركة قائمة ولن تنتهي
لقد وصل الأمر بالمنظمات الدولية كـالأمم المتحدة، و"يونيسف"، والمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إلى إطلاق نداء أخير: "حان وقت الفعل لا الفرجة!". يجب توطين اتفاق وقف الحرب فوراً، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم. إن أي تأخير في تكاتف الجهود لإعادة إعمار التعليم هو تواطؤ جديد يخدم استراتيجية التجهيل.
ويظل التعليم هو الضمانة الوحيدة والمفتاح لبناء مستقبل الأجيال القادمة، ولتحرير الأرض، ولن ينجح المحتل في استراتيجيته الخبيثة لـ"كسب معركة كسر الإرادة"؛ فالمعركة قائمة ولا تنتهي.






