من أشكال هذا التعاون على الظلم، والتعاون على الإثم، والتعاون على العدوان، ومما يدخل في إطار العصبية: الجدال والمدافعة عمَّن له موقف ظلم، أو موقف معصية، فيقف الآخرون معه في موقفه، يجادلون عنه، يدافعون عنه، يحامون عنه، يؤيِّدون موقفه، وهذا من الظواهر التي تحصل، على المستوى القبلي قد تقف قبيلة مع شخص؛ لأنه منها، وقد يكون موقفه موقفاً ظالماً، وموقفاً خاطئاً، والموقف الصحيح أن تردده عن ظلمه، وأن تدفعه إلى الحق، هذا هو الموقف الصحيح، وهذا يحصل عند بعض المجتمعات والقبائل التي تحرص على أن تكون مواقفها صحيحة وعادلة، ويحصل أيضاً في كل الأطر العملية التي قد يرتبط فيها البعض مع بعضهم، أن يكون لهم هذا التوجه الصحيح: الدفع للظلم، الإجبار على الحق، الإلزام بالحق، الإنصاف، وهذا هو الموقف الصحيح.
الله -سبحانه وتعالى- قال في القرآن الكريم: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}[النساء: الآية107]، قد يكون البعض في موقف جريمة، أو موقف معصية، أو موقف ظلم، فيأتي البعض ليجادلوا عنه، وليدافعوا عنه، وليبرروا موقفه، وليتشفعوا فيه، وليعملوا على المنع من اتخاذ الإجراءات بحقه، قد يكون ظالماً في قضية من قضايا الناس، قد يكون مرتكباً جريمة معينة، قد يكون من المحششين، انتشار ظاهرة الحشيش والمخدرات من أسوأ الظواهر، ولكن من أخطر الأشياء أن يتعاون الناس على دعم من يتورط في مثل هكذا جريمة، فإذا سجن، يهب البعض للمراجعة فيه، والدفاع عنه، والسعي لإخراجه، ونحن حذرنا من التعاون في مثل هذه الجريمة في المحاضرات الرمضانية في العام الماضي؛ باعتبارها من أخطر الأشياء تأثيراً سلبياً على واقع المجتمع؛ لأن البعض من أصحاب التجارة في الحشيش والمخدرات يحاول أن يعزز موقفه، ويوفر لنفسه الحماية من المجتمع، عن طريق أن يوزع بعض الأموال، وأن يكسب بها صداقة أشخاص معينين: هدية لذلك الشيخ، هدية لذلك المشرف، وعلاقة مع ذلك الشخص، اهتمام بتلك القرية، اهتمام بأولئك الناس، ويعزز هذه الروابط وينميها، ويعطيهم جزءاً يسيراً مما يحصل عليه من دخل من هذه التجارة المحرمة؛ حتى يحبوه، حتى يتعصبوا معه، حتى يروا فيه شخصاً يحقق لهم مصالح مادية معينة، فيربطهم بمصالحه بهذه الطريقة، عندما يسجن أو يطارد، يقفون إلى جانبه، يتعصبون معه، يراجعون فيه، يبذلون كل جهد في سبيل حمايته، والدفاع عنه، والعمل على إخراجه من السجن، ودفع العقوبة عنه، هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وهذا من الاشتراك في الجرائم، هذا من الاشتراك في دعم الحرام، في تهديد الإقتصاد الإسلامي، في الإضرار بالمجتمع المسلم، فيما نال الناس من أضرار خطيرة ومن أضرار كبيرة.
البعض من الناس قد يقف الآخرون عنه ويبررون موقفه، والله ينهى هنا حتى عن دعمهم بالكلام، عن الجدال عنهم، فيقول: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [النساء: الآية109]، من سيقف إلى جانبهم يوم القيامة؟ الذي وقف إلى جانبهم في الدنيا سيكون شريكاً معهم في جرمهم، وداخلاً معهم في إثمهم، ومتورطاً معهم في جرمهم، ويتحمل معهم في وزرهم، يوم القيامة هل سيجرؤ أحد على أن يدافع عنهم؟ لا، سيكون موقف الكل موقفاً خائفاً، وموقف الانشغال بالنفس، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: الآية19]، لا أحد يتدخل لإنقاذ أحدٍ من المجرمين في يوم القيامة، هذا تهديد ووعيد من الله -سبحانه وتعالى-.
البعض من قبيلة قد يقتل ظلماً وعدواناً في قبيلةٍ أخرى، فتقف معه قبيلته وتناصره، أو يقف معه أصحابه، أو تقف معه جماعته، أو يقف معه البعض، البعض من الناس قد يغتصب أرضاً، أو ينهب حقاً، أو يصادر ملكاً بغير حق، ويقف البعض معه، هذه جريمة، إشتراك في الجرم، إشتراك في الإثم، معاونة على الظلم، معاونة على الإثم والعدوان، وهذا ما ورد النهي عنه.
التوجه الصحيح للمجتمع، والتوجه الصحيح للجميع: هو التركيز على الحق والعدل والإنصاف؛ وبالتالي التعاون على ذلك، ورد المسيء عن إساءته، في الحديث عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-: (لا تكونوا إمَّعة، تقولوا إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساؤوا أسأنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم أنه: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا)، هكذا يكون لدى الناس هذا التوجه الإيجابي، التوجه للإنصاف، للحق، للخير، للعدل، حتى إذا حصل ظلم، لا يقابل بظلمٍ أكبر، إذا حصلت مشكلة، لا تقابل بمشكلة أكبر.
البعض قد يقتل منهم شخص ظلماً وعدواناً، فيتجهون للثأر بطريقة عشوائية، ويحصل ظلم أو مفسدة كبيرة، أو خلل كبير، أو فتنة كبيرة، وهذا ما لا يجوز أبداً: أن يقابل الظلم بظلمٍ أكبر، فالتعدي والتعاون عليه، والتعدي قد يطال الإنسان: إما في حياته (في نفسه)، أو يطال الإنسان في ممتكاته وماله، أو في عرضه وسمعته... كل أشكال هذا الإثم وهذا العدوان، كل أشكال هذا الظلم يجب الحذر من التعاون فيه، ويجب التعاون على البر والتقوى، ورد المسيء عن إساءته.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية السادسة عشرة: 1441هـ 09-05- 2020م.
الظلم الاجتماعي آثاره ومخاطره.