مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

كتاب الله هو المخرج، هو الذي يمكن أن يقي الإنسان من مضلات الفتن، ومن الالتباس عند الفتن، ومن الاشتباه للأمور عند الفتن، لماذا؟ لأن القرآن فيه كل هذه المواصفات التي ستأتي:

 

أولها قال: (فيه نبأ ما قبلكم)، القرآن يخبرنا عن الأمم الماضية، وبطريقة فيها الكثير من الدروس والعبر المهمة، التي تصنع لدى الإنسان الوعي، والبصيرة، والفهم الصحيح، والإدراك للسنن الإلهية، والمعرفة عن الاختلاف في الواقع البشري، وعن الأساليب التي تأتي من كل فئات الضلال، هذا بحد ذاته- نبأ الذي قبلنا من الأخبار، أخبار الأمم المتقدمة والسالفة، وأخبار الأنبياء وأممهم- فيه دروس كثيرة ومهمة جداً تجاه الفتن، تفيد الإنسان تجاه الفتن، يلحظ من خلال ذلك تقييماً شاملاً لكل المراحل المهمة البارزة، التي قدِّمت عنها نماذج مهمة في القرآن الكريم، ودروس وعبر كافية في أن يكون لدى الإنسان الوعي العالي جداً، والبصيرة الكبيرة، والفهم العميق الصحيح، فيكون هذا- بحد ذاته- الوعي من خلال النماذج التي قدَّمها القرآن الكريم عمَّا قبلنا من الأمم والأجيال والأحداث، يكون هذا- بحد ذاته- عاملاً مهماً في أن يكون لدى الإنسان بصيرة وفرقان وفهم صحيح؛ فيبتعد عن حالة الالتباس، التي يعيشها الكثير من الناس.

 

(فيه نبأ ما قبلكم)، والذي هذا النبأ، هذا الخبر من الأمم الماضية، متضمناً الدروس والعبر الكافية والمهمة جداً، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[يوسف: من الآية111].

 

(وخبر ما بعدكم)، خبر ما سيأتي، كيف ذلك؟ هل عن طريق السرد الإخباري، على شبيه ما يأتي في بعض الملاحم: [سيأتي في عام كذا، أو آخر الزمان حدث كذا وكذا، ويأتي كذا، ويفعل البعض كذا]؟ لا، ليس عن طريق السرد الإخباري، في القرآن الكريم بعض الأخبار عمَّا يأتي في آخر الزمان، كمثل ما حكاه عن يأجوج ومأجوج وغير ذلك، ولكن المقصود هنا ليس السرد الإخباري، هو يخبرنا في القرآن الكريم: عن الأعمال وعن نتائجها، وعن الأسباب وعن نتائجها، وعن السنن التي رسمها الله في واقع هذه الحياة في أعمال الناس ونتائجها، وهذه طريقة مهمة جداً جداً، فيستطيع الإنسان أن يعرف من خلال سلوك معين، من خلال تصرفات معينة، مسيرة عملية معينة، لأمة، لقوم، لشخص، لمجتمع، أنَّ نتائجها الحتمية هي بالتحديد كذا وكذا، نتائج جيدة، أو نتائج سيئة، عوامل تصل بالأمة إلى حالة الانهيار، عوامل تسمو بالأمة، وترتفع بالأمة، أسباب للعزة، للفلاح، للنجاح، وللنهضة، أسباب للسقوط والانهيار، وهذا هو مهم، هذا من أهم ما تحتاج إليه الأمة، من أهم ما نحتاج إلى الوعي عنه، أن نعي الاتجاهات الخطيرة، وأين مآلاتها، وأين يمكن أن تصل بالأمة، والاتجاهات الصحيحة، وكيف هي نتائجها، وكيف يمكن أن ترتقي بالأمة، فيصبح هناك أيضاً تقييم من خلال الواقع العملي، من خلال نتائج الأشياء، تقييم حتى للتوجهات الصحيحة، للأفكار الصحيحة، للمواقف الصحيحة، بقياس آثارها ونتائجها في واقع الحياة، وهذا مما يغيب عن أي طرحٍ آخر خارج القرآن الكريم، عن أي أطروحات، أفكار، ثقافات، مفاهيم، مقروءات وعلوم تقدم من خارج القرآن الكريم، هي لا تعطي ما يعطيه القرآن الكريم فيما يتعلق بهذا الأمر.

 

الآن من خلال القرآن الكريم تستطيع حتى أن تقيم فكرة معينة، أو حتى عقيدة معينة، أو مقولة معينة قدمت باسم الدين، عندما طُبِّقَت كيف كانت نتائجها، كيف كان آثرها في واقع الحياة، هل سلباً، أم إيجاباً، جيداً، أم سيئاً، وهكذا مما يفيده القرآن فيصنع الوعي تجاه الفتن، والفتن يترتب عليها نتائج كبيرة جداً، لها مخرجات كثيرة، الفتن يبتني عليها عقائد، الفتن يبتني عليها: أفكار، وثقافات، ومفاهيم، الفتن ينتج عنها: توجهات، وولاءات، ومواقف، فالقرآن الكريم هو الذي يقيس من خلال ما يربطنا به في واقع الحياة، ويكشفه لنا من النتائج في واقع الحياة، يقيس لنا الأمور الصحيحة، والتوجهات الصحيحة، والمواقف الصحيحة، والعقائد الصحيحة، والمفاهيم الصحيحة.

 

(وحكم ما بينكم)، في القرآن ما يحكم، ما يفصل، عند الاختلاف، الاختلاف في كل الأمور، في كل المسائل، الأمور العقائدية، المفاهيم الدينية، المفاهيم العامة، يأتي القرآن الكريم ليقدم الحق، ويقدم لنا ما هو صحيح في المسألة، فيكون فصلاً، لكن يحتاج هذا إلى الرجوع إليه.

 

(هو الفصل، ليس بالهزل)، القرآن ما يقدمه هو فصل، وأمور جادة، ومؤكدة، ويجب أن نتعامل معه بجدية، لا نتعامل معه بالهزل، فما فيه هو حقائق فاصلة، ليس فيه أي هزلٍ.

 

(من تركه من جبارٍ قصمه الله)، من تركه، النتيجة أن يقصمه الله حتى لو كان جباراً، بإعراضه عن القرآن، وابتعاده عن القرآن، وإن كان ينتمي للإسلام وهو جبارٌ مُعرِضٌ متكبرٌ، ويرى أنه في غنىً عن القرآن الكريم، وعن هديه، عن تعليمات الله فيه، في النهاية يقصمه الله ويخسر.

 

(ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله)، وهذا نص مهم جداً، (ومن ابتغى الهدى)، إنسان يريد الهدى، ويطلب الهدى، ويسعى للحصول على الهدى، ولكنه لا يريد أن يعتمد على القرآن الكريم في ذلك، قد تكون عنده نظرة خاطئة تجاه القرآن يستنقص القرآن يعجب بكتب أخرى، بمصادر أخرى، ويرى أن فيها الهداية الكافية، ويكون تعامله مع القرآن الكريم إما تعاملاً ثانوياً هامشياً، أو بالإعراض التام، النتيجة: أن يضل، وأن يضله الله، فلا يهتدي أبداً، حتى وهو حريصٌ على الهدى، لكنه لم يأت للهدى من قناته الصحيحة، من القرآن الكريم.

 

(وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم)، هو حبل الله الذي إن تمسكنا به أنقذنا الله بذلك، وارتفع بنا من وحل الضلال، من وحل الشقاء، من الحضيض الذي يسقط إليه الناس عندما يبتعدون عن القرآن الكريم، فهو الحبل الذي دلاه الله لنا لينقذنا به، وليرفعنا به من وحل الضلال والشقاء والخسران والعياذ بالله.

 

(المتين): الذي لا ينقطع، لا ينفصل، موثّق وقوي، (وهو الذكر الحكيم)، فقوله: (حبل الله)، هو يصلنا بالله “سبحانه وتعالى”، يصلنا بالله، إذا أردنا أن ينقذنا الله من دون أن نستمسك بحبله هذا، لن نحصل على الإنقاذ؛ لأنه قد قدم لنا وسيلة الإنقاذ إلينا، والخلاص لنا، فإذا لم نأخذ بها، لا ننجو.

 

(وهو الذكر الحكيم)، كل ما فيه حكمة، ويهدي إلى ما هو حكمة، إلى المواقف الحكيمة، الرؤى الحكيمة، الأعمال الحكيمة، الأقوال الحكيمة…إلخ.

 

(وهو الصراط المستقيم)، الذي إن سرنا على ضوء هديه، يصل بنا إلى الغايات العظيمة، والتي من آخرها وأهمها: رضى الله، والجنة، والسلامة من عذاب الله.

 

(هو الذي لا تزيغ به الأهواء)، مهما أتى الآخرون من ذوي الأهواء ليتقولوا عليه، وليقولوا عنه ما ليس فيه، من مفاهيم باسم تفسير خاطئ، أو باسم كذلك حديث خاطئ، ليس صحيحاً، يحسب على أنه معنى لآية، أو مفهوم لنصٍ قرآنيٍ معين، فمهما أتى هذا التلبيس، وأتى في واقع الأمة بشكل كبير، لكن القرآن يبقى في أصله سليماً، وعند العودة إليه من خلال قرنائه، يتضح لنا بطلان كل ما حُسِبَ عليه من تفاسير غير صحيحة، أو مفاهيم غير صحيحة، يبقى أصله سليماً.

 

(ولا تلتبس به الألسن): المتقولون الكثيرون، الذين يخدمون الباطل، ويفترون على الله الكذب، وكذلك هو الحال، كمثل ما قال: (لا تزيغ به الأهواء)، (لا تلتبس): يبقى القرآن في أصله سليماً لمن عاد إليه، وعندما يقدم من خلال قرنائه، تتضح الحقائق التي تعبر عن مفاهيمه الصحيحة.

 

(ولا يشبع منه العلماء)؛ لأنه بحرٌ من العلوم، والمعارف، والمفاهيم، لا يمكن أن ينفد، ولا أن ينضب معينه، ولا أن يدرك قعره، ولا أن يستكمل الإنسان كل ما فيه من المفاهيم والهدى، الله قال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}[لقمان: من الآية27]، حتى لو أصبح الإنسان عالماً كبيراً، لا يمكن أن يكون قد استكمل القرآن، وفرغ من كل ما فيه من الهدى، وأحاط بكل ما فيه من المعارف، لا يصل إلى ذلك أبداً، و لا يزال بحاجة إلى المزيد والمزيد، ولا يزال عطاء القرآن واسعاً جداً جداً، هذه النظرة غابت، غابت حتى عند الكثير ممن هم يتحركون باسم علماء، أو باسم طلاب علم، لم تعد نظرتهم إلى القرآن الكريم هذه النظرة، وجعلوه هناك على جنب، مهمشاً إلى حدٍ كبير، واستغنوا عنه بأشياء أخرى لا تغنيهم، لا تفيدهم، وأعطوها كل الجهد، وكل الاهتمام، وكل الوقت، واستغرقت منهم كل اهتمامهم، وكل جهدهم، وكل جدهم، وكل عنايتهم، مع تعظيمٍ لها يكاد يكون أكثر من تعظيم القرآن الكريم.

 

(ولا يخلق على كثرة الرد): لا يبلى، لا يبلى، كلما عاد الإنسان إليه، كلما تأمل فيه، كلما استزاد منه، من معارفه، من هديه، من نوره، لا يبلى، يتجدد عطاؤه بشكلٍ مستمر، ويواكب كل الأحداث، كل الأزمنة، كل المتغيرات، كل الظروف، فيعطي المزيد والمزيد والمزيد، وهكذا.

 

(ولا تنقضي عجائبه)، عطاؤه فيما يعطي من هدى، ونور، وحكم، ومعارف، كلها عجيبة، كلها ثمينة، كلها ذات أهمية، لا تقول أنه: لم يعد يعطي إلا حثل، وإلا معارف عادية، أو نفدت منه الحكم العجيبة، الهدى العظيم، الدلالة العجيبة جداً، المعارف العجيبة، لا، بشكل مستمر، عطاؤه عطاء نفيس وعظيم ومتميز.

 

(هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}[الجن: 1-2])، هؤلاء الجن الذين عندما سمعوه قالوا هذا القول، هم أدركوا أهمية القرآن وعظمته، فقالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}، عرفوا أنه ليس كتاباً عادياً، وليس شيئاً عادياً، هو شيء عظيم، شيء عجيب ومتميز، {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}، عرفوا وظيفة القرآن الأساسية، وهي الهداية إلى الرشد.

 

(من قال به صدق، ومن عمل به أُجِر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه فقد هدى إلى صراطٍ مستقيم): عندما تتحرك على أساس القرآن، عندما تكون مسيرتك قرآنية، تقول به، تركز على أن تقدم هديه للناس، وأن تتحدث من خلال آياته ومعارفه، تقدمها إلى الناس، فأنت تصدق؛ لأن كل ما فيه صدق، هذا يبعدك عن تقديم مفاهيم خاطئة، وأفكار خاطئة، وروايات غير صحيحة، ومقولات غير صحيحة، من أقوال الناس، فالتركيز على القرآن الكريم، والتمحور حول القرآن الكريم، فيما يقدم إلى الناس، لتعريفهم بالدين، لتوعيتهم، لتبصيرهم، يجعل الإنسان يقدم حقائق.

 

(ومن عمل به أُجِر): عندما تعمل به فيما يدعو إليه، فيما يوجه الله فيه إليه، تحصل على أجرك من الله “سبحانه وتعالى” في الدنيا والآخرة، لذلك ثمرة عظيمة في عاجل الدنيا وفي آجل الآخرة.

 

(ومن حكم به عدل): عندما تحكم به فأنت تعدل وتقيم القسط؛ لأن مضمونه وما فيه مما يفصل بين الناس في كل اختلافاتهم هو العدل.

 

(ومن دعا إليه): دعا إلى القرآن، إلى اتباعه، إلى الاهتداء به، إلى التثقف بثقافته، إلى إعطائه أولوية على ما سواه مما يقدم باسم كتب، أو ثقافات، أو مفاهيم، إلى أن يكون هو المعيار الفاصل الحاسم، تجاه مختلف الثقافات والمقولات.

 

(فقد هدى إلى صراطٍ مستقيم): إلى الاتباع له، إلى التمسك به، إلى الالتزام به، (فقد هدى إلى صراطٍ مستقيم): لم يغش الناس، وقدم ما فيه هداية إلى الصراط المستقيم، الموصل إلى الغايات الكبرى والعظيمة.

 

هذا النص النبوي فيه ما يكفي ويفي أيضاً، إلى جانب الآيات القرآنية العظيمة، التي تحدثت لنا عن القرآن وعظمته، ليكون دافعاً لنا إلى أن نلتفت بكل جدية إلى الاهتمام بالقرآن الكريم، وإلى أن نؤمن به إيماناً متكاملاً، وأن نتحرك على أساس الاستجابة الكاملة، في مواقفنا، في ولاءاتنا، في حركتنا في هذه الحياة، في كل مجالاتها؛ حتى لا ندخل في محذور الإيمان ببعض والكفر ببعض، هذه حالة خطيرة جداً، عندما نقبل بعضاً من القرآن على المستوى العملي، ونرفض البعض الآخر على المستوى العملي، هذه الحالة الخطيرة التي حذر الله منها في قوله: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}[البقرة: من الآية85]، نعوذ بالله، تحذير ووعيد شديد.

 

 [الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي

سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة الثالثة 1442هـ


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر