ففي هذه الخسارة التي تتحدث عنها السورة المباركة ما يفوتك في هذه الخسارة هو أمرٌ عظيمٌ جدًّا، يفوتك ما وعد الله به -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين المفلحين في الدنيا، يفوتك الحياة الطيبة، يفوتك العزة الحقيقية والكرامة الحقيقية، تفوتك الرعاية الإلهية الخاصة بعباد الله المؤمنين، يفوتك ما يتحقق من مكاسب لعباد الله المؤمنين المفلحين على مستوى إنسانيتهم وواقعهم النفسي والحياتي، ويفوتك الجنة، تفوتك الجنة بكل ما فيها، يفوتك رضوان الله -سبحانه وتعالى-، وتفوتك الجنة ذلك النعيم العظيم الأبدي، الجنة بكل ما فيها من تفاصيل من النعيم العظيم، حياة سعيدة للأبد، ما في الجنة من نعيم مادي بكل أنواعه، على مستوى الإنسان في نفسه، يعيش سليماً، معافاً، صحيحاً، لا يهرم، ولا يحزن، ولا يضجر، ولا يموت، ولا يغتم، ولا يصاب بأي أمراض، وعلى مستوى ما يتحقق له من رفاهية في المعيشة في الجنة، من قصورها، من بساتينها، من فواكهها، من ثمارها، من الطعام، من الشراب، العيش في ذلك العالم الذي كله عالمٌ عجيب، وحياة عجيبة جدًّا وسعيدة للغاية، الجنة عالم ليس مليئاً بالصحاري، كله أشجار، وكله بساتين، وكله جنان، والأنهار تجري فيها، النعيم العجيب الواسع جدًّا في كل أصنافه: من الملابس... من كل وسائل المعيشة والحياة والرفاهية، كل ذلك يفوتك، ليس يفوتك فحسب، بل وتقع في نفس الوقت في خسارةٍ رهيبة، في شقاءٍ أبدي، في عذابٍ دائم، تخسر نفسك، تخسر أهلك، تخسر كل شيء، تعيش معذَّباً في كل شيء، طعامك عذاب، شرابك عذاب، ملابسك عذاب، كل لحظات حياتك تلك الدائمة الأبدية كلها عذاب، فإذا قسنا هذه الخسارة بما يفوت، وهو من الدنيا إلى الآخرة رعاية من الله، ورضا الله -سبحانه وتعالى-، وما وعد الله به، ثم الجنة، وما يحصل للإنسان في هذه الدنيا وهو يعيش معرَّضاً لعقوبات الله -سبحانه وتعالى- في هذه الحياة بأشكال كثيرة، وفي الآخرة النار والعياذ بالله، في ذلك الشقاء، وذلك العذاب، وذلك الخسران، وذلك الكرب، وذلك الغم، وذلك الضيق، وذلك الضجر، وذلك التعب، وذلك النصب، وذلك الألم الذي لا نهاية له، أمر رهيب جدًّا، وخسارة هائلة للغاية، شيءٌ بسيط- كما ذكرنا في بداية الحديث- يجعل الإنسان يتحسر، ويألم، ويحزن، ويغتم، والبعض حتى يصاب بجلطة، فهذه الخسارة رهيبة جدًّا، وهي مؤكدة، وهي لكل إنسانٍ ما عدا من يدخل في هذا الاستثناء الذي هو استثناء حصري، ولأن المسألة عامة جاءت المعادلة الأساسية الخسارة في واقع الإنسان {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، وأتت مسألة النجاة من هذه الخسارة هي الحالة الاستثنائية، وهذا أمر مخيف ورهيب؛ لأنه يعني أنَّ أكثر الناس سيخسرون هذه الخسارة الهائلة التي تقاس- كما قلنا- بحجم ما يفوت، وبحجم ما يتورَّط فيه الإنسان ويقع فيه الإنسان.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، هذا الإستثناء- كما قلنا- يفيد أنَّ أكثر الناس هم من الخاسرين، هذه الخسارة الرهيبة جدًّا المؤكدة الحتمية التي أقسم الله عليها، قد تكون أنت واحداً منهم، قد تكون أنت بغفلتك، وعدم التفاتك إلى هذا المقياس، وعدم تحققك من أنَّ هذا المقياس وهذا المعيار يتوفر في واقعك أنت، فقد تكون من هؤلاء الخاسرين، قد تكون أنت هذا الإنسان الخاسر.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية العاشرة 1441هـ.