أصحاب الكهف هم قالوا: {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} الله سبحانه وتعالى قال، أو كأنها حكاية لحال القضية، ما كأنه وحي، أي: كأنه قال هكذا سأجعل {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا} (الكهف16) لماذا نقول بأن هذا لا يمكن أن يكون من شخص منهم يدعو به، ولا يبدو أنه وحي؛ لأنه ما أحد منهم كان نبيًا، كما هو معروض في [قصة أصحاب الكهف] أنه يوحى إليه. إن الكلمة هذه دقيقة جدًا لا يمكن أن تأتي إلا من جانب الله، لا يمكن أن أحدًا يعملها في دعاء، ولا يتذكرها في دعاء.
{ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقا} الارتفاق معناه فيما يتعلق بالجانب الأمني، والجانب الغذائي، يعني سأجعل لكم من واقعكم، ومن هيئتكم، ومن وضعيتكم، ما تستغنون به عن الغذاء، وما يحقق لكم الأمن.
أصحاب الكهف، عندما اتجهوا إلى الكهف، الوضعية التي كانوا فيها وضعية يبدو مجتمعهم، بسلطتهم بكلها، اتجاههم آخر.
هم مجموعة محدودة، ومن الطبيعي أن يحصل في تاريخ الأنبياء، في تاريخ الأولياء، أن يكونوا قليلًا بهذا الشكل محدودين، سيتجهون إلى مكان ليفكروا أين يتحركوا بعد، وأين يتجهوا ليعملوا على مواصلة نشاطهم، ما هو هروب، ليست مسألة أنه هروب، أنهم قد قالوا تلك الكلمة وهربوا وانتهى الموضوع؛ لأن الكهف نفسه لا يمكن أن يكون مقرًا لمن هو هارب من أمر، وسيجلس فيه وما له حاجة، أليس هكذا؟
وإنما ماذا؟ مرحلة يقضّوا فيه فترة، يتجهون إلى الكهف، يقضوا فيه فترة، ويفكروا أين يتجهوا، أو كيف يتواصلون مع الآخرين لمواصلة نشاطهم، يعني ليس هروبًا.
الله سبحانه وتعالى بين هنا بشكل عجيب؛ ولهذا قال: {كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} كيف أنهم قد لجأوا إلى كهف، ولا طعام، ولا شراب، وفي وضع خطير، قد يمكن أن يلحق بهم أحد. كيف هيأ الله أن يكونوا على وضعية يستغنون بها عن الطعام والشراب، وتحقق لهم أمنًا، بحيث أنه ما أحد يدخل عليهم، لا حيوان، ولا إنسان، ولا شيء.
كذلك رعاية أنه يحرك الشمس، يغير مجراها، كل يوم يغير مجراها في لحظة معينة عندما تطلع وعندما تغرب، كل يوم على مدى ثلاث مائة سنة، وتسع سنين.
فمن يحرك الفلك لمجموعة أشخاص راقدين في كهف من أوليائه ألا يستطيع يصنع كثيرًا من التغيرات في هذا العالم ليهيئ أمام من يتحركون في سبيله، وعلى سبيل هديه؟ هذا مثل للناس.
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت} (الكهف17) هنا بدأ يتحدث عن ما يهيئ لكم من أمركم مرفقا. كيف أنهم عندما كانوا راقدين في كهف، وهذا الكهف بحاجة إلى شمس، إما في لحظة معينة تنزوي عنه، وفي حالة معينة تعطي جزءًا من شعاعها إلى هذا الكهف، أو إلى محيطه؛ لحاجتهم إلى هذه؛ فليحرك الفلك من أجل صحتهم، من أجل الحفاظ على صحتهم هم يحرك الشمس عن مسيرها! {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت} كل يوم {تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ}.
وهكذا تجد في المقابل؛ لأنه في نفس الوقت: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا}، في المقابل أيضًا ماذا يعمل؟ يهيئ، ويدبر، ويعمل متغيرات كثيرة، تهيئ أمام من يتحركوا في سبيله، لكن إذا كانوا على هذا النحو: فتية آمنوا بربهم، صادقين، متجهين بصدق، ومصدقين بما هم متجهين فيه، أن يكونوا مصدقين بالقرآن، وواثقين بالقرآن، القرآن فقط، لا يمكن أن نتقبل أي شيء آخر غيره، أو تهتز ثقتنا به بأنه لا يمكن أن يهدينا في كل مجال من مجالات الحياة، وفي كل موقف من مواقفنا أمام الآخرين.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
آيات من سورة الكهف
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 29/8/2003م
اليمن - صعدة