خيانة الله والرسول!
أتى بعد ذلك الآية القرآنية المباركة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[الأنفال: 27-28]، هذه آية مهمة جدًّا، والإنسان عندما يتأمل فيها يهتز وجدانه، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، ينادينا الله بانتمائنا الإيماني، يخاطبنا بهذا الانتماء الإيماني، الذي مقتضاه: الطاعة لله، الاستجابة لله، الخشية من الله، الوفاء مع الله، الصدق مع الله، فيقول -جلَّ شأنه-: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}، الخيانة في طريق الحق، في العمل في سبيل الله، في المسيرة الإيمانية، هي: خيانةٌ لله -سبحانه وتعالى-، أنت في طريق الحق، في المسيرة الإيمانية، في العمل في سبيل الله، عندما تخون، فخيانتك هي خيانةٌ لمن؟ خيانةٌ لله، أنت تخون الله، وهذا ذنبٌ عظيم، وجرمٌ فظيعٌ شنيع، أن تخون الله، هل أكبر من هذا جرم؟ جرم رهيب جدًّا.
الخيانة لله لها أشكال متعددة، الخيانة لله -سبحانه وتعالى- عندما تتعامل مع العدو، أنت في المسيرة الإيمانية، في المسيرة الدينية، في مجال العمل في سبيل الله، في إطار موقف الحق، ثم تتعامل مع العدو لصالح العدو، والعدو يعمل للاستقطاب والتأثير والاختراق، من أكبر ما يركز عليه الأعداء هو: الاختراق، الاختراق للذين آمنوا في موقفهم الحق، في عملهم في سبيل الله، في إطار ما هم فيه من عمل ومسؤولية، ويستخدمون الكثير من الوسائل لتحقيق هذا الاختراق وللاستقطاب، والبعض من الناس هو معرضٌ -أصلاً- أن يتجه هو شخصياً ابتداءً، قبل أن يصل الأعداء إليه بوسيلة من وسائل الاختراق والاستقطاب، عندما يخذل، عندما يفتن، عندما يتجه الاتجاه السلبي، قد يتجه هو ليعمل لصالح الأعداء:
إما بدافع الانتقام والحقد؛ بسبب أمور شخصية، قضايا شخصية، عقد شخصية، وإما بدافع الطمع في المادة، وإما من واقع الاستهتار بالأمور، والاستهتار بالمسؤولية، وينظر إلى الواقع وإلى الأحداث وكأنها مسألة بيع وشراء، ومواقف وأمور شخصية، ومكاسب شخصية، ويريد أن يفتح له فيها نافذة... دوافع متعددة وكثيرة يمكن أن تدفع الإنسان للخيانة: الطمع، المخاوف، العقد الشخصية والضغائن والأحقاد... عوامل أخرى يمكن أن تدفع الإنسان للخيانة، فيقدم شيئاً لصالح العدو، قد يقدم هذا الشيء الذي لصالح العدو ولو لم يكن محباً للعدو، لكن في ذلك الذي قدمه خدمة للعدو، عندما تعمل ما هو خدمة للعدو، عندما تقدم ما هو خدمةً للعدو بأي دافع: بدافعٍ مادي، بدافع الحقد، بدافع الطمع، بدافع المخاوف... بأي دافع، فأنت هنا تخون الله، تخون الله -سبحانه وتعالى-، وتخون الرسول.
عندما يتجه الإنسان أيضاً لدورٍ تخريبي يمسَّ بالمسيرة الإيمانية والدينية والعمل في سبيل الله -سبحانه وتعالى-، وهو يعلم ذلك، يتجه اتجاهاً لذلك (لهذا الدور التخريبي)، فهو أيضاً يخون الله، هذا من أشكال الخيانة، يعني مثلما التعامل لصالح العدو من أشكال الخيانة، فالتوجه للعب دور تخريبي داخلي يعد من أشكال الخيانة، وجرمها كبير وعظيم.
الخيانة في المسؤوليات والحقوق العامة.
{وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، الخيانة للأمانة عنوانٌ واسع يندرج تحته الكثير الكثير من التفاصيل، فما تؤتمن عليه، سواءً عملاً، أو إمكانيات مادية، أو مالاً، أو وديعة، ما تؤتمن عليه من حقٍ عام، أو من حقٍ خاص، من حقٍ عام يتعلق بحق الأمة، أنت في موقع مسؤولية من المسؤوليات العامة، سواءً على مستوى: المستوى العسكري، المستوى الأمني، المستوى الاقتصادي، المستوى الإداري، المستوى القضائي... في أي موقع من مواقع المسؤولية كنت، وتؤتمن في هذا الموقع، في هذه المسؤولية، أنت هنا تؤتمن على عملٍ تؤديه، وعلى مسؤوليةٍ تتحملها، وأيضاً قد تؤتمن- إضافةً إلى ذلك- على إمكانيات مادية في إطار هذه المسؤولية: إما مالاً نقدياً مثلاً، أو إمكانيات ووسائل تستعين بها في عملك، ما كان ضمن هذه الأمانة عندما تتصرف فيه لمصلحةٍ شخصية خارج إطار المسموح، فأنت تخون، عندما تخون في أدائك العملي بعمل يخرب هذا العمل، أو يسيء إلى هذا العمل، أو تفرط عمداً في أشياء تؤثر على هذا العمل، تؤثر على هذه المسؤولية، فهي خيانة في نفس العمل، وأنت اؤتمنت على العمل، اؤتمنت على هذه المسؤولية، أو عندما تتجه خيانتك نحو تلك الإمكانات المادية التي هي لهذا العمل من مال أو غيره، فتأخذ منها، وتصادرها- على حساب هذا العمل- لمصالحك الشخصية، لاتجاهات شخصية، فهذه خيانة.
ويأتي هنا الحديث عن الفساد في الدولة مثلاً، وفي المسؤوليات العامة، وفي المسؤوليات الجهادية، في إطار كل مسؤولية الإنسان فيها يتحرك معتمداً فيها على إمكانات تأتي لصالح هذه المسؤولية، ولدعم هذه المسؤولية، ويطول الحديث ويكثر الحديث حول خطورة الفساد، الفساد في موقع المسؤولية، سواءً في الدولة، أو خارج الدولة، أنت في أي مسؤولية من المسؤوليات، أنت عندما تقتني إمكانيات معينة لصالح هذه المسؤولية يجب أن تحذر من الخيانة، الخيانة ذنبٌ عظيم، وجرمٌ كبير، والخيانة من أخطر الأشياء التي تؤثر سلباً على الأمة في أعمالها، وفي نجاحها، وفي فلاحها، ولها تأثيرات خطيرة جدًّا، تأثيرات على المستوى النفسي، الإنسان إذا خان أمانته تتغير نفسيته، يخسر من إيمانه، يخسر في مشاعره، يخسر من زكاء نفسه، من طهارة مشاعره، وتعظم وتكبر هذه الحالة السلبية في واقعه النفسي؛ حتى يفقد المشاعر الإنسانية الإيجابية ويكون جريئاً على الخيانة، من المهم أن يتذكر الإنسان عدة أمور:
أولاً: قُبح الخيانة، الخيانة لها قبحها الشنيع، اسمها- بنفسه- يدل على قبحها وشناعتها، الخيانة تعتبر جرماً تسيء فيه إلى نفسك، وأنت تخل- بالخيانة- بإنسانيتك، بكرامتك، بشرفك، بعزتك، وأنت تنزل إلى حالة دناءة في واقعك النفسي والحياتي، الخيانة دناءة، الخيانة انحطاط، الخيانة سرقة وزيادة وأكثر، سرقة وأكثر، الإنسان الخائن للأمانة يتحول إلى إنسان سيء جدًّا، من أسوأ الناس، مثلما الأمانة والوفاء من أجمل وأرقى القيم، وأعظم القيم؛ فالخيانة من أسوأ الجرائم، وأقبح الذنوب، وأسوأ المعاصي، هي دناءة، هي انحطاط، هي خسة، هي لؤم.
تأثير الخيانة على مستوى الواقع العام.
والإنسان أيضاً مع ذلك يؤثر سلباً على الواقع العملي، الخيانة تنتقص من فرص النجاح في الأداء العملي، وإذا انتشرت الخيانة، انتشر الفساد، يؤثر هذا على مستوى الواقع العام تأثيراً سلبياً، يستنزف الطاقات والإمكانات التي للأمة، ثم يؤثر على الواقع العملي تتجه اهتمامات الناس على نحو هذه الجوانب المادية؛ فيصبح جاهزاً للإخلال بعمل، أو لتخريب عمل، أو للعب في العمل، تدخل الأطماع والأهواء لتؤثر في نفس أداء المسؤولية، في نفس الأداء العملي؛ فتترك تأثيرها السلبي على فرص نجاح العمل، ويتحول دور الإنسان الخائن إلى دورٍ سلبيٍ يهدد العمل، يهدد المسؤولية، يهدد الأمة، تمتد آثار خيانته لتترك تأثيرات سيئة في واقع الناس، يترتب عليها الظلم، يترتب عليها خلل كبير في العمل، يترتب عليها الفشل، فتمتد آثار عمله إلى الواقع العملي من جوانب كثيرة، ويمتد الذنب ويكبر الوزر بحسب ذلك، فهي مسألة خطيرة جدًّا، فخيانة الأمانة منها ما يتجه إلى الحق العام الذي يتعلق بالمسؤولية، في الدولة أو في غير الدولة، في الأعمال الجهادية... في أي مجال من مجالات العمل.
وقد تأتي الخيانة- والإنسان إذا انحط ورضي لنفسه بالدناءة- في ظروف حتى ظروف عجيبة، ظروف مأساوية، الخيانة والأمة تعاني من ظروف صعبة جدًّا، لا يليق بالإنسان فيها أن يفكر حتى التفكير بالخيانة، والأمة تعاني من ظروف صعبة وعصيبة ومعاناة كبيرة جدًّا، قد تكون الخيانة على حساب مال تأخذه لنفسك شخصياً، والذي قدمه قدمه من ظروف صعبة؛ ليساهم به في موقف الحق، ليساهم به في النصرة للأمة، في دفع الخطر عنها، ليساهم به في سبيل الله -سبحانه وتعالى-، فتأتي أنت فتأخذ ذلك الحق، تلك المساهمة التي ساهم بها من ساهم من ظروف صعبة، آثر على نفسه، على معيشته؛ فيكون هذا جرماً عظيماً وشنيعاً، ووزراً كبيراً.
الخيانة خارج الإطار العام.
الخيانة للأمانة أيضاً في خارج المال العام والحق العام، والإمكانات العامة التي تتعلق بالمسؤوليات، والنوع الآخر من الخيانة: هو الذي يتجه إلى حقوق الآخرين، ما هي مستحقات للآخرين، أو ممتلكات للآخرين، ما اؤتمنت عليه من حقٍ شخصيٍ لآخر، هذا أيضاً من الأمانات التي يجب صيانتها والوفاء بها، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء: من الآية58]، عندما يأتمنك إنسان على مال، أو شيء من الممتلكات، أو شيء من الحقوق، فمن الخيانة أن تأخذه أو تضيعه عليه، وتحاول أن لا تعيده إليه، وأن تخفيه عنه، خيانة شنيعة، وذنب عظيم، وأمر سيء جدًّا، ودناءة وانحطاط.
من الخيانة: الخيانة في الأسرار(الأسرار العملية)، عندما يسربها الإنسان إلى العدو، أو شخص يأتمنك على سرٍ شخصي وتفشيه بغير حق... وما شابه ذلك، مجال الخيانة مجال واسع، وهو مجال خطير جدًّا ومجال سلبي جدًّا على الناس في حياتهم، في أعمالهم، في علاقاتهم، ويمس بالعدالة، يمس بالقيم يترك تأثيرات سيئة على الناس في واقعهم النفسي تجاه بعضهم البعض، عندما يفقدون الاطمئنان على بعضهم البعض، عندما يسود بينهم الخوف والقلق من بعضهم البعض، وعدم الائتمان لبعضهم البعض، حالة خطيرة جدًّا، تترك تأثيرات سلبية حتى على مدى الاستجابة العملية.
البعض من الناس مثلاً ما بعد التمكين الإلهي قد يخون؛ لأنه اتجه بحرص نحو التركيز على الرفاهية، على الأطماع المادية، على المقاصد الشخصية، البعض في إطار المسؤولية قد يمكَّن من إمكانات مالية أو مادية فلا يتحمل؛ عنده ضعف إيمان، وضعف قيم ووفاء، ضعف إنسانية، فيخون؛ نتيجةً للأطماع والأهواء، {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}[الأنفال: 27-28]، أنتم تعلمون قبح الخيانة، جرم الخيانة، سوء الخيانة، ذنب الخيانة، وأنها من الجرائم الشنيعة للغاية، وعليها الحساب والعقاب في الدنيا والآخرة، في الدنيا الله قد يصيبك بمصائب كبيرة جدًّا؛ نتيجةً للخيانة، وقد تدخل في متاهات لم تكن تتوقعها، وتصل إلى أمور لم تكن تتخيلها؛ نتيجةً لخيانتك، وأنت تحبط عملك- إذا كنت ممن له رصيد عملي- تحبط عملك بالخيانة، تورط نفسك بالخيانة، إذا كان دافع هذه الخيانة دافع مادي، أنت تحرص على أن تكون صاحب أموال، وتحوز ممتلكات، واتجهت للخيانة للحصول على ذلك، للحصول على المال وتنمية المال، أو من أجل أولادك وأسرتك تحت عنوان (تأمين مستقبلهم)، فاتجهت للخيانة؛ لتجهز لك مثلاً: بيتاً شخصياً، وتجهز لك ممتلكات شخصية ومكاسب شخصية من خلال الخيانة لهذه الأمانة، ما كان منها: إما حقاً عاماً يتعلق بالمسؤولية، أو حقاً خاصاً.
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، اختبار تختبرون بهما، ولذلك أنت في حالة اختبار، إذا سقطت في هذا الاختبار، واتجهت اتجاهاً خاطئاً، فأنت ستتحمل الوزر والإثم والذنب، وتورط نفسك؛ بينما كان بالإمكان إذا كنت ترغب أن تحصل على الخير، أن تحصل على الرعاية الإلهية الواسعة، فالاتجاه لذلك كان عبر الطاعة، عبر الاستقامة، عبر التوجه إلى الله -سبحانه وتعالى-، عبر الاعتماد على الوسائل المشروعة والحلال.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
يوم الفرقان (6) الفتنة أخطر عقوبة. والخيانة ونتائجها المدمرة.
المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرون: 1441هـ 16-05-2020م.