كـذلك يقول: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} هـذه الآية جـاءت بعـد قوله تعالى آمـراً لعباده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} (آل عمران:103) كنتم قد أشرفتم على السقوط في جهنم فأنقذكم منها، بهدايته، بالرسول العظيم الذي بعثه إليكم، بالكتاب الكريم الذي أنزله إليكم، برعايته، بلطفه، برحمته، {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.. فاذكروا نعمته لتهتدوا في الأخير إلى ما يريد الله سبحانه وتعالى أن تهتدوا إليه.
في هذه الآية.. لاحظوا كيف يأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتذكر كيف كانت وضعيتنا السابقة، هكذا يقول لأولئك الذين نزلت الآية تحكي واقعاً كانوا عليه، ثم تحول بإذن الله وبأمره وبنعمته إلى واقع آخر، يوم كانوا أعداء يخرجون بين الحين والآخر ليقتتلوا خارج المدينة، عداوة كانت بين الأوس والخزرج شديدة، عندما
هاجر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إليهم، وعندما استقر وضعه هناك بين أظهرهم وهيأهم ليكونوا هم أنصار دينه ليكونوا هم جند الله.. جاءت الألطاف الإلهية جاء التدخل الإلهي فألف بين تلك القلوب التي كانت ممتلئة بالعداء بالعداوة والبغضاء لبعضها بعض، كما حكى في آية أخرى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}(الأنفال: من الآية63) هذه فيها عبرة عظيمة لنا، وعبرة عظيمة لكل من ينطلق في إرشاد الناس ويتوجه نحو الأخلاقيات: [يجب علينا أن نحب بعضنا بعض، وأن نتآخى، وأن نكظم الغيظ، وأن نعفو، وأن.. وأن..] إلى آخره.
افهم، ولنفهم جميعاً أن كل شيء سيكون مجرد كـلام إذا لم نحقق المفتاح، إذا لم نحمل الهم الكبير في أن نكون من أنصـار دين الله سبحانه وتعالى، فهو هـو الـذي سيوفقنا، ويؤلف بين قلوبنا، ويملأها حبـاً لبعضها بعض.
كم أرشدنا، كم وعظنا نحن وغيرنا وتكلمنا كثيرا عن المحبة، وكم قرأ الناس الحديث عن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا)) كم دعي الناس إلى حسن التعامل فيما بينهم، وإلى الإنصاف من أنفسهم، وإلى المبادرة إلى حل مشاكلهم سريعاً قبل أن تورث العداوة والبغضاء فيما بينهم، ولكن لما كان الناس غير مستشعرين للمسؤولية العظيمة عليهم فيما يتعلق بدينهم أن يكونوا أنصارًا له، أن يحملوا روحية القرآن بين جنوبهم - تقريباً - لم يوفقوا، لم نوفق، متى خرج الناس من المسجد وقلوبهم ممتلئة حباً لبعضهم بعض بعد خطبة يسمعها مني أو من هذا أو من ذاك.
البعض يقول: لماذا لا تركزون على جانب الأخلاق، وتأمرون الناس بأن يكونوا فيما بينهم متآلفين، متحابين وينصفون بعضهم من بعض، ويحلون مشاكلهم سريعاً قبل أن تتحول إلى مشاكل تورث العداوة والبغضاء فيما بينهم.
من وجهة نظرنا - فيما نعتقد - لن يتحقق لنا هذا ما لم نحمل هماً كبيراً هو: أن نجند أنفسنا لله، وأن نستشعر المسؤولية الكبيرة أمام الله بأن نكون من المجاهدين في سبيله، وممن يعمل على إعلاء كلمته، متى ما حصل هذا وأصبح هماً لدينا، وأصبح كل شخص يستشعر المسؤولية في هذا فهو - وبتوفيق الله وألطافه - سينطلق بحرص على أن تكون علاقته مع أخيه، مع صاحبه، مع جاره علاقة حسنة، يعزز كل العوامل التي تخلق المحبة في أنفسهم لبعضهم بعض، يحرص على أن لا تنطلق من فمه كلمة تجرح مشاعر أخيه، ومتى ما بدرت منه زلة أسرع إلى الإعتذار، ومتى ما أحد أخطأ عليه كظم غيظه، أو عفى عنه، ومتى ما اعتذر أخوه قبل عذره، يتعامل الناس مع بعضهم بعض بأخلاق حسنة، وبنصح، وبمودة، وبإخلاص.
الله سيتدخل كما صنع لأولئك الذين كانوا يخرجون يتقاتلون خارج المدينة، فألف بين قلوبهم، عندما استجابوا للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) استجابة أولية، أنهم مستعدون أن ينطلقوا تحت رايته، فيقول أحد كبارهم: امض يا رسول الله، والله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه، ولن نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة: من الآية24) بل نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون. ألف الله بين قلوبهم، وأنقذهم.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة معرفة الله نعم الله الدرس الرابع
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 21/1/2002م
اليمن - صعدة