أولاً: الالتجاء إلى الله أن يهدينا بكتابه، نحن بحاجة إلى الله -سبحانه وتعالى- أن يمنَّ علينا بالهداية بكتابه، وأن يجعلنا ممن يأنس بكتابه، وبتلاوة كتابه، وممن ينتفع بهديه ونوره وآياته، فالدعاء والالتجاء إلى الله أمرٌ لا بدَّ منه.
ثم لا بدَّ من الإقبال، لا بدَّ من الإصغاء، لا بدَّ من التفهم، الإنسان الذي هو مستهتر، لا يصغي جيداً، لا يُقبِل إذا سمع التذكير من آيات الله، إذا سمع تلاوة القرآن الكريم، إذا قرأ في القرآن الكريم وتلاه، إذا سمع التذكير على أساس هديه ونوره، لا يُقبِل، لا يصغي، لا يتفهم، ينشغل ذهنياً، أو حتى لا يُقبِل أصلاً، فهذه حالة خطرة جدًّا على الإنسان، الله -سبحانه وتعالى- قال في كتابه الكريم: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: الآية 55]، لماذا؟ لأن المؤمنين يُقبِلون على هدى الله، يصغون، يتفهمون، يتعامل مع هدى الله بإصغاء وتفهم، يدرك قيمة هدى الله، عظمة هدى الله، أهمية هدى الله، فهو يصغي، وهو يتفهم، الله -سبحانه وتعالى- قال: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}[ق: من الآية 45]، الله -جلَّ شأنه- قال: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى}[الأعلى: 9-10]، من يدرك أن هدى الله -سبحانه وتعالى- هو حجةٌ عليه، وأنه إن لم ينتفع بهدى الله -سبحانه وتعالى- سيخسر، سيشقى، سيكون مصيره إلى جهنم والعياذ بالله، المسألة ليست مسألة مزاجية، تترك لمزاج الإنسان ولا يترتب عليها أي نتائج. |لا| الإنسان المعرض، الإنسان المستهتر، الإنسان الذي لا يلتفت إلى هدى الله، ولا يصغي إلى هدى الله، ولا يتفاعل مع آيات الله؛ هو خاسر، هو هالك، تبعات ذلك ووزر ذلك عظيم، ذنبٌ عظيم.
ولهذا يأتي القرآن الكريم فيتحدث عن كل فئات المجتمع في موقفها من هدى الله، وفي علاقتها من هدى الله:
البعض ليس عندهم استعداد حتى للإصغاء والتفهم، ولا حتى للاستماع، أول ما يسمع هدى الله -سبحانه وتعالى- ويسمع التذكير بآيات الله، قد ينهي استماعه بالكامل ويذهب، أو يحاول أن يبعد نفسه عن ذلك، ليس على استعداد حتى على مستوى الاصغاء والسماع بتفهم، وهذه حالة خطيرة جدًّا على الإنسان، الله -سبحانه وتعالى- قال في كتابه الكريم:{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}[المدثر: الآية 49]، هذه حالة إعراض بالكامل، لا يريد حتى أن يسمع، {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}[المدثر: 49-51]، كمثل الحمار الوحشي إذا ظهر عليه الأسد يريد أن يفترسه فيهرب مذعوراً في حالة من الفوضى، والهروب بطريقة مذعورة، بطريقة فوضوية، بطريقة وهو يحمل الخوف والذعر والحركة غير المنضبطة، والحركة الفوضوية.
هذه حالة البعض مع هدى الله: ينفر من هدى الله، ويتجه بعيداً عن الإصغاء والاستماع، وكأنه من الحمر المستنفرة، لا يطيق حتى أن يبقى، أن يصغي، أن يستمع، هذه الحالة حالة خطيرة على الإنسان، سيندم عليها، لو لم يكن إلا يوم القيامة؛ لأن هذا الهدى الذي به نجاتك، به فوزك، إعراضك عنه، تجاهلك له، ابتعادك عن الإصغاء والسماع له، عدم تفاعلك معه، هو خطرٌ عليك أنت، أما الله فهو غنيٌ عنك.
الحالة الأخرى للبعض: أنه حتى إذا سمع آيات الله، إذا سمع التذكير بهدى الله لا يتأثر، لا يتأثر لا في واقعه النفسي ولا في واقعه العملي، آيات الله -سبحانه وتعالى- هي تذكِّرنا، وتتجه في كثيرٍ منها إلى واقعنا العملي، ما نعمل، ما هو يشكِّل خطورةً علينا ويجب أن نحذر منه، تذكِّرنا بمسؤولياتنا، ترسم طريق الخير لنا في مسيرة هذه الحياة.
ولذلك عندما يسمع الإنسان التذكير بأعمال أساسية ومهمة أمر الله بها، وهو مخلٌ بها، وتاركٌ لها، ومتجاهلٌ لها، ثم لم ينتفع بما سمع من آيات الله ومن هدى الله، واستمر في إعراضه، استمر في إهماله، استمر فيما هو عليه من مخالفة لتوجيهات الله وأوامره، أو تحذير عن شيءٍ يعمله، عن سلوكيات هي قائمة موجودة في واقع حياته ثم هو مصرٌ عليها، هذه حالة خطيرة جدًّا على الإنسان، إذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى من السوء، فلا ينتفع بآيات الله، ولا يتأثر بها، ولا يتذكر بها، ولا يستبصر بها، فهي حالة خطيرة جدًّا عليه، هي مؤشر على حالة من الانحراف والفساد في نفسه وفي واقع حياته، الله يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا}[الكهف: من الآية 57]، هل هناك شيء أكثر تأثيراً من آيات الله؟ هل هناك شيءٌ يمكن أن يترك أثره في نفسك، أو أن يصنع عندك قناعةً بالحق مثل آيات الله؟ |لا|{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا}، لم يتفاعل، لم يتأثر، لم يتقبل، لم يرجع عمَّا هو عليه من خطأ، لم يتجه إلى ما ينبغي أن يتجه إليه من عملٍ صالح،{فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}، نسي ما يفعله من أفعال، من أعمال، من معاصي، ما يفرط فيه ويقصر فيه، ليس عنده التفات إلى ما يعمل، ولا تدقيق في طبيعة ما يعمل، وما يترتب عليه من نتائج في الدنيا وفي الآخرة، الموضوع عنده منسي، ليس عنده أي التفات إليه، {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}[الكهف: من الآية 57]، حالة خذلان، الإنسان إذا وصل إلى هذا المستوى في علاقته مع هدى الله، لا يتذكر إذا نصح بنصيحة تجاه خطأ، تجاه عمل سيء، تجاه تقصير، وذُكِّر في ذلك بآيات الله، لا يرجع عن تقصيره، لا يتراجع عن خطئه، لا يتجه إلى العمل فيما عليه أن يعمل، حالة خطيرة جدًّا، تعتبر حالة خذلان والعياذ بالله.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة الثانية1441 هـ