في هذه الحالة أيضاً تأتي حالة الحسرة والندم الشديد، يقول الله -جلَّ شأنه-: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} في تلك اللحظات الرهيبة جداً، لحظة التوقيف والتجهيز للنقل إلى جهنم،{يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} في حالة من النقاش، في حالة من الخصام، الناس في تلك اللحظات يحملون بعضهم بعضاً المسؤولية فيما وصلوا إليه، وفيما صاروا إليه، {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا}؛ لأن حسرتهم- بالتأكيد- هي أشد، وندمهم أشد، {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}[سبأ: الآية31]، فهم يتجهون بتوجيه اللوم عليهم ويحملونهم المسؤولية، يقولون: {لَوْلَا أَنْتُمْ}؛ لأن ورطتنا كانت هي في مناصرتكم، ومشكلتنا هي في الوقوف في صفكم، لو سلمناكم في الدنيا واستقطابكم وتأثيراتكم لكنا مؤمنين، {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ}[سبأ: الآية32]، يعني: اللائمة ليست علينا، بل هي عليكم، أنتم من انصرفتم من تلقاء أنفسكم، وفعلاً هذه هي الحقيقة.
الإنسان في هذه الدنيا هو الذي اتخذ قراره وخياره واتجه هو بنفسه هنا أو هناك، وإلا كان بإمكانه أن يكون متمسكاً بهدى الله -سبحانه وتعالى- الذي فيه نجاته، وفيه فلاحه، وبه فوزه، ولكن الإنسان قد يكون إنساناً عادياً ومستضعفاً وفقيراً وهو مجرم؛ ولهذا مال إلى المجرمين، مال إلى الطغاة والمستكبرين، هو يحمل في نفسه الحالة العدوانية؛ فكان مع المعتدين والطغاة والظالمين.
كل هذه الحالة من التحسر، من الخصام، من الجدل، من تحميل المسؤولية، كلاً يحمل المسؤولية الطرف الآخر، من النزاع ما بين الخليل وخليه، ما بين الصديق وصديقه، ما بين المجموعة فيما بينها… على هذا المستوى الجماعي وغيره، لا يجدي شيئاً، لا يجدي شيئاً، الله -جلَّ شأنه- كيف يقول؟ {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ}، ما هناك فائدة، خصامكم، تحميلكم لبعضكم البعض المسؤولية تجاه ما وصلتم إليه وما وقعتم فيه من العصيان والمخالفة، فأوصلكم إلى ما أوصلكم، لا يجديكم شيئاً، {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ}[ق: الآية28]، قدم الله بالوعيد في الدنيا، بل إنه -جلَّ شأنه- قدَّم حتى هذه التفاصيل التي ستحدث، قدَّم هذه التفاصيل عن تحسر الإنسان يوم القيامة، عن أسفه وندمه وحسرته، عن موقفه حتى من خليله الذي أضله، أبعده عن طريق الهدى، عن موقف المستضعفين من المستكبرين… كل هذا الوعيد تقدم في الدنيا على كل المعاصي والذنوب والمواقف والاتجاهات التي توصل الإنسان إلى جهنم، وحذر وأنذر ونصح وأقسم، في القرآن الكريم كل أساليب الخطاب، وضرب الأمثلة، ولدرجة أن الله يقسم لنا في القرآن إذا نفع فينا، إذا كان سيفيد فينا أن نصدق، يقسم لنا قسماً، فما الذي أبقى؟ ليس هناك أي تقصير من جانب الله -سبحانه وتعالى- {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}، ما هناك أبداً تغيير لقرارات الله وأحكامه، وإقناع له بأن يغير ما حكم به، لا؛ لأنه الحكم الحق الذي تقتضيه حكمته، ويقتضيه عدله.
يوم القيامة من أهم ما فيه: أنه يتجلى فيه العدل الإلهي، يتجلى فيه العدل من الله -سبحانه وتعالى- العدل وهو يفرق بين المحسن والمسيء، العدل وهو يثبت للإنسان ما عمله؛ حتى يراه ثابتاً عليه، حتى عملية هذا: التوثيق، وتلك الإجراءات والترتيبات والحسابات والشهود، حتى شهادة جوارح الإنسان: اليد تشهد، الرجل تشهد، الجلد يشهد، كلها تجلي العدل الإلهي، تجلي لنا عدالة الله -سبحانه وتعالى- حتى يتجه الإنسان إلى جهنم وهو معترفٌ ومقرٌ بأنه مذنب، معترفٌ بذنبه، وهذا ما يفعلونه، في ذلك الموقف: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا} معترفين خلاص، {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}[غافر: الآية11]، هل يمكن أن نستأنف مرحلة جديدة، حياة ثالثة وموت ثالث ثم بعث؟ لا يمكن أبداً، ليس هناك فرصة إضافية أبداً.
ففي ذلك الحال الله يقول: {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[ق: 28-29]، كل تلك الإجراءات هي عادلة، والعقاب والجزاء هو بالعدل، ولا ظلم، {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}، في آيةٍ أخرى يقول: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[غافر: من الآية17]، كله بالعدل، ويتجلى فيه العدل الإلهي حتى في مظالم العباد، كم في هذه الدنيا من مظالم كثيرة جداً تجلى فيه العدل الإلهي في الحكم بين العباد والفصل بين العباد.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية الرابعة1441 هـ
حسم مسألة الحساب.. وتقرير المصير.