طبعاً هذه الحالة التي وصل إليها جعلته يحمل حقداً فظيعاً جدًّا، وعداءً شديداً لمن؟ لآدم وبنيه؛ لأنه يعتبر أن سبب مشكلته هذه هي آدم وبني آدم، هي الإنسان، أن الذي سبّب له لأن يخسر هذه المكانة، وهذا المقام المقدس بين الملائكة في السموات، وإلى أن يصبح خاسئاً ومطروداً ومخذولاً ولا شرف له، ولا قدسية له، وهو متكبر، يعني لاحظوا مع كبره وتكبره هو يريد أن يبقى شيئا مهماً وكبيراً هناك، هذا الكائن هو استكبر عن أن يسجد لآدم، ويريد أن يبقى هناك كبيراً وضخماً[عَسْر] هناك، لكن النتيجة كانت نتيجة معاكسة، لقد فَقَدَ كل مكانة، وكل شرف، يعني لم تبق المسألة في حدود أنه يتنازل على حسب ما يراه هو، ويظن هو، ويتوهم هو بالسجود لآدم، لم يبق له أي شرف أصلاً، أي مكانة أصلاً، أي قدر أصلاً، أي اعتبار أصلاً، ونزل إلى أحط مستوى، وفقد كل شيء، ذلك التعاظم الذي يريده والتكبر والتعالي لم يبق له أي اعتبار نهائياً.
فهو حمل حقداً شديداً جدًّا، إضافةً إلى ذلك أصبح مطروداً من رحمة الله، وأصبح مصيره إلى غضب الله، إلى جهنم والعياذ بالله، وخسر كل شيء، كل ما يأمله ويريده ويبتغيه من علو المكان، والرفعة، والاعتبار، والقدر، وعلو المنزلة، فَقَدَ كل شيء، وأصبح مطروداً، ورجيماً، وخاسئاً -والعياذ بالله- ومذموماً، ومدحوراً، وملعوناً، ولا يحظى بالاحترام، لا بين أوساط الملائكة، ولا بين أوساط الجن، حتى من هم في صف الشيطان هم لا يحترمونه أصلاً، الآن مثلاً العصاة من البشر هم محسوبون على أنهم في صفه، وأنهم من حزبه، ولكن في الوقت نفسه هو لا يحظى باحترام حتى بينهم، حتى بين أوساط حزبه، الكل من بني أدم [يهود، ونصارى، ومسلمين، ووثنيين]، كل البشر يلعنون الشيطان، ويلعنون إبليس، ولا يحظى بأي احترام لدى أحد، فهو لا يحظى بالاحترام لا بين أوساط البشر، ولا بين أوساط الجن، ولا بين أوساط الملائكة، والنظرة إليه بين الكائنات المفكرة والمدركة أنه كائنٌ رجيمٌ، ملعونٌ، رجسٌ، خبيثٌ، يتسم ويعرف بخبثه، برجسه، بعصيانه، بسوئه، مذمومٌ لدى الجميع، ما يحظى بأي احترام أبداً، فعنده حالة من العداء الشديد جدًّا جدًّا جدًّا، وهو حقود، مخلوقٌ ناريٌ قريب من أن يحقد، وأن يحتفظ بحالة شديدة من الحقد.
ولذلك لاحظوا بعد أن طرده الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وقال له {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}، كان له طلب معين (قَالَ رَبِّ)، هو يعترف بالله، ويعترف بالجنة والنار، وبربوبية الله على كل الخلق، هو يقول لله: (رَبِّ) يا ربي: يعني يذعن يقرّ يقرّ بعبوديته لله، وأن الله ربٌ لكل الكائنات والمخلوقات، وإبليس هو يعرف بالله وبقدرته وبعلمه وعظمته وعزته، وهو –أيضاً- يؤمن بالجنة والنار بالإقرار، يعني يقر ويعرف هذا، يعرف بأن هناك [جنة، ونار، وبعث، وحساب، وجزاء]، يعرف بهذا المسائل بكلها، ولكن معرفة لم ينتفع بها، كما هو حال الكثير من الناس يعرف، يقرّ لك بالله وملائكته ورسله وكتبه، ويقرّ لك –أيضاً– بالجنة والنار والبعث والحساب، لكن إقراراً لم ينبن عليه إيمان، ولا تأثير في النفس، ولا في العمل، ولا في الاستقامة.
(قَالَ رَبِّ) يدعو الله، دعاء بهذا: (فَأَنظِرْنِي)، يعني أمهلني، لا تعاجلني بالموت والهلاك {فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، يعني أترك لي مهلة أعيش إلى يوم القيامة، {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [ص الآية: 80-81]، الله أمهله، من منطلق غنى الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– الله غني، يعني لا يشكّل بقاء إبليس على قيد الحياة أي خطورة على الله، ولا أي مشكلة لله، ولا أي تأثير على الله، هو الغني الحميد، والقوي العزيز، والعلي العظيم -جلّ شأنه- فما هناك أي تأثيرات أو خطورة يمكن أن يشكّلها استمرار إبليس في الحياة لزمن طويل.
{قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}، بمعنى أن الله أعطاه فسحة إلى يوم الوقت المعلوم، هنا يختلف المفسرون على (يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [البعض يقول: أنه يوم القيامة، ويقولون -بناءً على ذلك- بأن إبليس سيبقى على قيد الحياة حتى تقوم القيامة، ثم يموت مع الكائنات التي تموت أول ما تقوم القيامة]، البعض يقول: [|لا| قد يكون هذا يوماً قبل يوم القيامة]، الله أعلم! الذي يظهر من خلال النصوص القرآنية أنه سيعمر زمناً طويلاً، وأن المهلة هذه مهلة طويلة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
لعلكم تتقون رمضان 1438هـ: خطورة الشيطان الرجيم
-1- المحاضرة الرابعة