هذه الحالة من التخاذل والتَّفَرُّج هي موتٌ جماعيٌ للضمائر، وتنكرٌ عامٌ للقيم، تتنكر أنظمة بكلها، ومعها الشعوب الخانعة لها، وفي داخل تلك الشعوب: النخب، الكثير من علماء الدين، القوى والأحزاب، التيارات السياسية، والمجتمعية... وغيرها، حالة جماعية من التَّنَكُّر للقيم، من التَّنَكُّر للمسؤولية، من التَّنَصُّل عن المسؤولية، من التفريط في الواجب الديني والأخلاقي والإنساني، من التفريط فيما يشكِّل في نتائجه خطورةً على الجميع، يعني: حالة رهيبة جدًّا!
المسألة ليست مسألة أنَّ المسلمين أُمَّة صغيرة، قليلة العدد، مستضعفة ومستذلة نتيجةً لذلك، أُمَّة الملياري مسلم هي التي تتخاذل، مئات الملايين من الدول العربية والإسلامية هي التي تتخاذل، باستثناء القليل القليل من أبناء هذه الأُمَّة، ممن لهم موقف صريح وواضح ضد العدو الإسرائيلي، ولمناصرة الشعب الفلسطيني، أصبحوا حالة استثنائية في الأُمَّة، وحالة محاربة في داخل الأُمَّة، من أنظمة، من كيانات، من قوى، لها ارتباط بالأعداء، ولها موقف ممن يناصر الشعب الفلسطيني، موقف عدائي وسلبي، هذه حالة مؤسفة جدًّا!
هذا يشهد أيضاً على أسوأ تبلُّد إنساني، وأبشع تنكُّر للقيم الفطرية في هذا العصر، وله تبعاتٌ خطيرة، وهو إطلاقٌ ليد الإجرام الصهيونية في كل العالم.
التسليم، والقبول، والتغاضي، عن كل ما يرتكبه العدو الإسرائيلي بشراكةٍ أمريكية في قطاع غزَّة، هو إهدارٌ للحياة الإنسانية في كل الدنيا، إطلاقٌ ليد الإجرام الصهيونية في كل العالم، والتَّوَجُّه الصهيوني هو توجُّهٌ عالمي، الحركة الصهيونية صنعها اليهود، وأنشأها اليهود، لتكون ذراعاً لهم على مستوى كل العالم، وليس فقط في فلسطين، هي بدأت بفلسطين، ولكن توجُّهها توجُّهٌ عالمي، ولها جناحان: الجناح الأمريكي والجناح الإسرائيلي، وتوجُّهها عالمي، وأهدافها عالمية، وهي تسعى بوضوح في إطار أهدافها المعروفة والمعلنة، وهي عدوانية، وإجرامية، وظالمة، ومفسدة، ومستعبدة للناس، وفي المقدِّمة: العرب، العرب قبل غيرهم، ثم كذلك البقية من المسلمين، ثم امتداداً على مستوى العالم.
الصهيونية هي صاحبة فكرة [المليار الذهبي في المجتمع البشري، والإبادة لبقية المجتمعات البشرية]، هي التي ورثت الإرث الإجرامي، الاستعماري، الطامع، الذي يسعى إلى الاستئثار بخيرات الشعوب، والاستباحة لها، والاستعباد لها، والإذلال لها، والقهر لها، وطمس هوياتها، ومصادرة حريتها واستقلالها، هذا هو التَّوَجُّه الصهيوني بأذرعه (بأمريكا، وإسرائيل، وبريطانيا).
المسار العربي تجاه القضية الفلسطينية كان ولا يزال مساراً ضعيفاً وعشوائياً، منذ بداية المأساة للشعب الفلسطيني، منذ بداية الحركة الصهيونية اليهودية في اغتصاب فلسطين، تحت الرعاية البريطانية، والدعم البريطاني والغربي، منذ بداية الأمر كان التفاعل العربي والموقف العربي ضعيفاً، لا يرقى إلى مستوى المسؤولية، ولا إلى مستوى الخطر، ولا إلى مستوى التَّحَدِّي، ثم بقي كذلك ضعيفاً، عشوائياً، غير مدروس، ولم يرقَ إلى مستوى متقدِّم؛ بل اتَّجه نحو الانحدار، وصولاً إلى التطبيع المفضوح المخزي من بعض الأنظمة العربية مع العدو الإسرائيلي، وتطبيعهم ليس مجرَّد علاقة عادية مع ذلك المجرم، المحتل، الغاصب، المعادي لهذه الأُمَّة، بل على مستوى التعاون مع عدو، عدو لهذه الأُمَّة، عدو لها في دينها ودنياها، عدو لا يحمل ولا مثقال ذرة من الاحترام لهذه الأُمَّة، يستبيحها بحقدٍ وبإجرام، ويعمل كل ما يعمل، ومعروفٌ ما يعمله تجاهها.
هذا المسار الضعيف وصل إلى ما وصل إليه؛ حتى اطمأن العدو الإسرائيلي، أنَّه مهما بلغ إجرامه، ومهما كانت فظائع جرائمه في قطاع غزَّة وغيرها ضد الشعب الفلسطيني، فهو مطمئنٌ من أن يكون هناك أي تحرُّك جامع للمسلمين والعرب في موقفٍ قويٍ للحد من إجرامه، ومنع طغيانه وما يرتكبه من الفظائع ضد الشعب الفلسطيني؛ ولـذلك فالتخاذل العربي في المقدِّمة، والتَّخاذل على مستوى المسلمين إلا القليل، هو إسهامٌ فيما وصل إليه الإجرام اليهودي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، إلى مستوى أن يُقْدِم على هذا التجويع لمليوني إنسان في قطاع غزَّة، بهذا الشكل الواضح، المعلن، الصريح، المتنكِّر لكل شيء في هذه الدنيا: لشرائع الله وتعليماته، للقوانين الدولية، ومواثيق الأمم المتَّحدة، للحقوق والأعراف في كل العالم، إجرام مكشوف وواضح، ووقح جدًّا، وبشع للغاية، ومسيء إلى هذه الإنسانية جمعاء، هذه الجرأة هي نتاجٌ لذلك المسار الضعيف، المتخاذل، الذي وصل- في نهاية المطاف- إلى أن يكون جزءاً منه هو حالة خيانة، حالة تعاون مع العدو، تواطؤ مع العدو.
على مدى اثنين وعشرين شهراً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة، وصاحب هذا العدوان التجويع من البداية؛ إنما وصل الآن إلى مرحلة خطيرة للغاية، وشاملة، وعامَّة، إيقاف للطعام بشكلٍ نهائي عن معظم سكان قطاع غزَّة، لكن على مدى كل هذه المدَّة الزمنية (اثنين وعشرين شهراً)، وهناك أنظمة إسلامية وعربية لم تتوقف سفنها وهي تحمل المواد الغذائية والبضائع للعدو الإسرائيلي، وزادت، زادت خلال هذه المدَّة الزمنية من وتيرة ومستوى تبادلها التجاري مع العدو الإسرائيلي، وهي من كبريات هذه الأُمَّة، من كبريات دولها، نظام إسلامي يُظهِر التعاطف إعلامياً مع الشعب الفلسطيني، وعدد ما قدمته سفنه أكثر من أي دولة في العالم، على مستوى النشاط التجاري، والتبادل التجاري، والنشاط الاقتصادي.
كبريات الأنظمة العربية معروفة، وهي مستمرَّةٌ في ذلك؛ بل إنَّ البعض منها حاول أن يقدِّم البديل للعدو الإسرائيلي؛ نتيجةً لما حصل في الموقف اليمني من منعٍ للملاحة الإسرائيلية عبر (البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي)، فحاولوا أن يقدِّموا له حلولاً أخرى، وبدائل أخرى؛ ليمدوه باستمرار بالمواد التجارية، الغذائية... المتنوعة، مختلف الاحتياجات، في الوقت الذي يحاصرون فيه الشعب الفلسطيني، ولا يقومون بأي خطوة عملية جادَّة في الحد الأدنى، على مستوى:
- قطع العلاقات الدبلوماسية مع العدو الإسرائيلي.
- إنهاء العلاقات الاقتصادية مع العدو الإسرائيلي.
- المقاطعة السياسية للعدو الإسرائيلي.
هذا المستوى من المواقف في الحد الأدنى لم يقوموا به؛ بل على العكس من ذلك، يتَّجهون- البعض في السر، والبعض في السر والعلن- لخطوات تؤكِّد مسارهم وتوجههم القائم على أساس التطبيع الكامل مع العدو الإسرائيلي، ومعاداة من يعادي العدو الإسرائيلي، هذا شيءٌ مؤسفٌ جدًّا، وهو تنكُّر لمبادئ الإسلام!
و [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي
حول آخر التطورات والمستجدات الأسبوعية
الخميس: 29 محرم 1447هـ 24 يوليو 2025م