أول هذه العوامل المساعدة المشجِّعة، والتي هي حُجَّة- في نفس الوقت- على الأُمَّة، هو: مدى وحجم الصمود الفلسطيني في قطاع غزَّة:
الصمود الفلسطيني في قطاع غزَّة لأكثر من عام ونصف، بهذا المستوى من: الاستبسال، والثبات، والفاعلية، والتضحية، هو حُجَّةٌ على هذه الأُمَّة؛ لأنه غير مسبوق أصلاً، غير مسبوق في الصراع مع العدو الإسرائيلي، لا في فلسطين نفسها، منذ بداية الصراع مع العدو الإسرائيلي، ولا على المستوى العربي، لم يسبق أن كان هناك صمودٌ بهذا المستوى، في مقابل: إبادة جماعية، تدمير شامل، هجمة عدوانية إجرامية وحشية إسرائيلية أمريكية، مدعومة غربياً بهذا المستوى، مع إطلاق يد العدو الإسرائيلي لارتكاب أبشع الجرائم، مع فعل كل الجرائم، من تجويع من إبادة جماعية، من انتهاك لكل الحرمات، ومع ذلك عجز العدو الإسرائيلي لأكثر من عام ونصف من حسم ما يريد حسمه في قطاع غزَّة، ومن تحقيق أهدافه في السيطرة الكاملة عليها، هذا الصمود العظيم للإخوة المجاهدين هناك، بإمكانات محدودة للغاية، محدودة جدًّا، وصمود كذلك الحاضنة الشعبية، صمود الشعب الفلسطيني في أقسى ظروف، وأصعب وضع، هو حُجَّة على هذه الأُمَّة.
وكان من المفترض أن يقابل هذا الصمود بالاحتضان، بالدعم، بالمساندة، وأن يكون هناك- كما قلنا- تغيُّر في طبيعة التعامل، ومستوى التعامل تجاه الشعب الفلسطيني نفسه بالدعم الكبير، والمساندة الحقيقية، وتجاه المجاهدين، أن يكون هناك ما يعتبر فارقاً ملحوظاً عن الماضي؛ لأنه ليس هناك مساندة بالشكل المطلوب، دعم بالشكل المطلوب، الحالة إمَّا حالة تخاذل بالكامل، أو حالة تواطؤ من البعض، وهناك قوى محدودة تدعم الشعب الفلسطيني، وتساند مجاهديه، وتقدِّم الدعم لمجاهديه.
بل أصبحت هذه القضية تمثِّل عند الكثير من الأنظمة إشكاليةً بينهم وبين الجمهورية الإسلامية في إيران، يعني: بدلاً من أن يشكروا الجمهورية الإسلامية في إيران، أنها تقدِّم الدعم للإخوة المجاهدين في فلسطين، هي مما ينتقدونه على إيران، وينتقدونه- في نفس الوقت- على الشعب الفلسطيني، وعلى مجاهديه، هم يريدون من الشعب الفلسطيني ومن مجاهديه ألَّا يقبل بأي مساندة، وألَّا يقبل بأي دعم، فمن يساند الشعب الفلسطيني؛ يتعرض لهجمة إعلامية من بعض الأنظمة العربية، وفي نفس الوقت هجمة على الشعب الفلسطيني كيف يتعامل حتى إيجابياً مع هذه الوقفة والمساندة، وهذا واضح، حتى فيما يتعلَّق بإسناد اليمن، ترى بعض الأصوات التي تنتقد الشعب الفلسطيني، تنتقد مجاهديه: [لماذا يرحِّب بهذه الخطوة الإيجابية الفريدة في الساحة العربية؟! لماذا يشيد بها؟! لماذا يرتاح لها؟!]، لا يريدون من الشعب الفلسطيني أن يرتاح حتى لمن يقف معه، أو يعبِّر عن ارتياحه لأي وقفة صادقة معه من أي عربيٍ أو مسلم، حالة غريبة جدًّا!
فعلى كُلٍّ ، هذا الصمود العظيم هو من العوامل المساعدة، التي تؤكِّد قطعاً على الجدوائية الواضحة للصمود، وهناك من إن قدَّمت له الأُمَّة الدعم الكامل، من هو واقف بثبات في مواجهة العدو الإسرائيلي، فبدلاً من التأليب ضد المجاهدين في فلسطين، ضد حركة حماس، ضد كتائب القسَّام، ضد حركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس... وغيرها، من المفترض أن يكون هناك تعاون، ودعم بكل الأشكال للشعب الفلسطيني، واعتبار هذا عنصراً مهماً جدًّا.
لو نأتي إلى من لهم تقديرات أخرى، وحسابات أخرى، من هم من ذوي اليأس والإحباط تجاه إمكانية الصمود في مواجهة العدو الإسرائيلي، كيف كانت تقديراتهم في بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة؟ البعض منهم مع تلك الهجمة لم يكن يتوقَّع للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة أن يصمد ولو لأسبوعٍ واحد، أو لشهر، أو لشهرين، في كل أسبوع يكونون منتظرين أن يكون في آخره رفعٌ للرايات البيضاء والاستسلام في قطاع غزَّة... وهكذا، يستمرون في حالة التربص شهراً بعد شهر إلى الآن، يكفي، يكفي، المفترض أن تفهموا أنَّ الثبات العظيم للشعب الفلسطيني ومجاهديه عامل قوَّة مهم، ينبغي أن يُبنى عليه: دعم، ومساندة، واحتضان، وتأييد، وتحرُّك جاد لدعم الموقف.
- ثانياً: الاستفادة من المتغيرات العالمية في صحوة الضمير، وتصحيح النظرة تجاه القضية الفلسطينية:
هناك صحوة ووعي منتشر في الساحة العالمية، أصبحت النظرة العالمية في أوساط الشعوب، في مختلف البلدان، إلى العدو الإسرائيلي أنَّه: مجرم، ظالم، محتل، غاصب، يرتكب الإبادة الجماعية، والتغيرات في النظرة وصلت إلى الساحة الأمريكية نفسها، يعني: حسب استطلاعات للرأي في أمريكا نفسها، أنَّ أكثر من نصف المواطنين الأمريكيين لم يعودوا متضامنين مع إسرائيل، وهذا من المتغيِّرات المهمة جدًّا، المتغيرات أيضاً في الشعوب الأوروبية، في النظرة إلى القضية الفلسطينية، إلى المظلومية الفلسطينية، النظرة إلى العدو الإسرائيلي كمجرم، غاصب، ظالم، يرتكب الإبادة الجماعية، يرتكب أبشع الجرائم، وأفظع الجرائم، هذا متغير مهم في الساحة العالمية.
بل ليس فقط على مستوى الشعوب، هناك على مستوى الأنظمة، أنظمة كثيرة، بعض الأنظمة الأوروبية أعلنت عن مواقف متقدِّمة نسبياً في التضامن مع الفلسطينيين، حكومات وجهات رسمية في بلدان أخرى في غير أوروبا، مواقف متقدّمة جدًّا أيضاً في أمريكا اللاتينية.
هذا الموقف العالمي، الأكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني، والأقرب إلى الإنصاف للقضية الفلسطينية أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، ينبغي أن يحسب من عوامل القوة، التي كان ينبغي أن تستفيد منها هذه الأُمَّة، وأن تتَّجه بموقف موحَّد، بمختلف حكوماتها، وأنظمتها، وشعوبها، للضغط لإنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني، ولدعم القضية الفلسطينية.
هناك أيضاً مظاهرات تخرج في بلدان كثيرة، الرأي العام العالمي مهيأ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، ومتعاطف أكثر من أيِّ وقتٍ مضى مع الشعب الفلسطيني، كيف لا يستثمر هذا العامل المهم؟!
- كذلك من العوامل المساعدة هي: الخلافات الإسرائيلية ما بين الإسرائيليين:
هناك خلافات كبيرة، وخلافات تتعمَّق وتزداد وتيرتها، والمسألة واضحة في المظاهرات، في التصريحات، في طبيعة تلك التصريحات للإسرائيليين فيما بينهم، تكشف عن حجم الفجوة التي تزداد اتِّساعاً فيما بينهم، تصريحات أيضاً بشكل حاد، المحاكمات، الإقالات، الاتِّهامات، المظاهرات... وغير ذلك.
في الجانب الأمريكي حتى رسمياً، هناك أيضاً إشكالات داخلية، وتباينات، والوضع الأمريكي مأزوم، والمشاكل التي يعاني منها الأمريكي هي مشاكل كبيرة؛ ولـذلك على المستوى الاقتصادي، اتَّجه إلى الحرب التجارية بممارسة الابتزاز المالي في إطار التلفيق لوضعه، الأمريكي في هذه المرحلة لديه مشاكل كبيرة، مشاكل كبيرة بكل ما تعنيه الكلمة.
مثلاً: على المستوى الاقتصادي، عندما لجأ إلى الابتزاز المالي، هو يحاول أن يعالج مشاكل في واقعه، لم تكن هكذا مجرد قرارات اتَّجه فيها، لديه مشاكل وتحدثنا عن هذا في الأسبوع الماضي، لكن عندما يتأمل الإنسان- مثلاً- عن بعض القرارات الأمريكية، منها:
- أنه خفَّض ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية إلى النصف.
- أغلق عدداً مهماً من السفارات في عدة بلدان، وكذلك عدداً كبيراً من البعثات الدبلوماسية.
إجراءات كثيرة تكشف عن حجم الأزمة الأمريكية، والمشكلة الأمريكية، هذا مما كان ينبغي الاستفادة منه.
- الاستفادة أيضاً من الموقف اليمني كنموذج:
اليمن اتَّجه بموقفه (رسمياً، وشعبياً) بسقف عالٍ، هو كل المستطاع والممكن في إطار المشروع، اتَّجه على هذا الأساس، وأن يكون السقف هو: الاستجابة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والانطلاق في المسؤولية.
هذا نموذج مهم، نموذج مهم، هل قامت القيامة؟! هل شُطب اليمن من الخارطة؛ لأنه اتَّخذ هذا الموقف القوي، الجريء، الصامد، الثابت، المستند على أساس التوكل على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والاعتماد على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؟! هذا الموقف كان من المفترض الاستفادة منه أيضاً كعاملٍ من العوامل المساعدة؛ لأنه موقف فعَّال، وقوي، وفي نفس الوقت بسقفٍ عالٍ، ومتكامل.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات الأسبوعية 26 شوال 1446هـ، 24 ابريل 2025م