ثم يكون منطقهم- وهذا منطلق وسائل إعلامهم، منطق من يروِّجون لخيارهم- هو: السعي للترسيخ في الذهنية العامَّة لدى العرب والمسلمين جميعاً، أنَّ المشكلة هي السلاح، فيتحوَّل الطرح في لبنان من بعض المكونات والأحزاب، مع بعض المسؤولين في الحكومة، ومنطق السلطة الفلسطينية في فلسطين، ومنطق بعض الأنظمة العربية، على لسان مسؤولين وفي وسائل الإعلام بمختلف أنواعها: [أنَّ مشكلة الشعب الفلسطيني، ومشكلة قطاع غزَّة هي في سلاح الفصائل الفلسطينية في قطاع غزَّة، والمشكلة في لبنان هي سلاح المقاومة]! تتحوَّل هذه النظرة هي التي يروِّجون لها، ويسعون لترسيخها.
وهذا من التضليل الرهيب، ومن المؤسف والمحزن أن يُطرَح مثل هذا الكلام، يعني: هو في سياق ما يشابهه من أطروحات تكرَّرت كثيراً من فريق اتَّجه للولاء لأمريكا، والتَّبَنِّي لأطروحاتها، والتعاون معها؛ وبالتـالي الخدمة للعدو الإسرائيلي، في تجاهلٍ تام لحقيقة القضية من بدايتها وإلى اليوم، من بدايتها وإلى اليوم.
القضية الفلسطينية ليست جديدةً من هذا العام، أو مِمَّا قبله، يعني: ليس عمر القضية الفلسطينية عامين، القضية الفلسطينية لها أكثر من قرن من الزمان منذ الاحتلال البريطاني، ثم في إطار الاحتلال البريطاني أتى البريطاني بعد (وعد بلفور)، وبدعمٍ غربي وأمريكي، أتى باليهود الصهاينة لاحتلال فلسطين، الشعب الفلسطيني منذ البداية ما هي مشكلته، التي كان لها تأثير سلبي في أن يتمكَّن اليهود الصهاينة من احتلال فلسطين؟ المشكلة أنَّه لم يكن جاهزاً لمواجهة هذا الخطر عسكرياً، ولم يحظَ بالدعم العربي بالقدر الصحيح، بوعيٍ تام لحقيقة هذه المشكلة، بحيث يتوفَّر الدعم الكبير، اللازم، المستمرّ؛ ليدفع عن نفسه وعن الأُمَّة من حوله هذا الخطر.
ولـذلك عند تشكيل العصابات الصهيونية، وهي لا زالت بشكل عصابات محدودة، البعض منها بالمئات، ثم تطوَّر الأمر إلى الآلاف، وهي تستخدم البنادق والديناميت ضد الشعب الفلسطيني، وفي بعض الحالات تستهدف البعض من الأهالي في فلسطين، في أراضي ما يُسَمَّى بـ (48( في التصنيفات التي لعبت فيما بعد؛ لتجزئة فلسطين، وإباحة فلسطين للأعداء، يهاجمون بعض القرى، ويقتلون أهلها حتى بالخناجر، والفؤوس، والسكاكين؛ لأنهم لا يمتلكون السلاح؛ ليدافعوا عن أنفسهم، وليوحِّدوا جهودهم، ويتحرَّكوا بشكلٍ منظَّم، وبشكل مسلَّح؛ ليدفعوا عن أنفسهم الخطر.
فواحدة من أبرز الأسباب التي مكَّنت العدو الإسرائيلي من احتلال فلسطين، هي: قِلَّة توفُّر السلاح بيد الشعب الفلسطيني، هي: عدم البناء لقدرة عسكرية كبيرة في فلسطين، من أبناء الشعب الفلسطيني، تدفع عن أبناء الشعب الفلسطيني الخطر.
لو اتَّجه العرب منذ البداية هذا التَّوَجُّه الصحيح، في بناء الشعب الفلسطيني ليكون شعباً قوياً، يمتلك كل أنواع السلاح، ويمتلك قوَّةً عسكريةً منظَّمةً، مدربةً، تتظافر جهودها بشكلٍ جماعي في درء الخطر عنه؛ لكـان الوضع مختلفاً تماماً عمَّا هو عليه؛ فالشعب الفلسطيني لم يكن يمتلك السلاح حتى يكون السلاح هو المشكلة، بل كان قِلَّة السلاح، وانعدام السلاح- في كثيرٍ من الحالات- هو المشكلة على الشعب الفلسطيني.
في لبنـــــــان: العدو الإسرائيلي اجتاح لبنان بكلها، حتى وصل إلى بيروت، ثم تشكَّلت المقاومة ما بعد ذلك؛ لطرده من لبنان، ونمت، وقويت، وتمكَّنت من تحقيق هذا الهدف الكبير، وبعد ذلك: الردع للعدو الإسرائيلي من العودة لاحتلال لبنان منذ العام 2000 وإلى الآن، عامل الردع الوحيد الذي منع العدو الإسرائيلي من العودة لاحتلال لبنان هو المقاومة، وقوَّة المقاومة، سلاح المقاومة الذي هو بيد رجالٍ مؤمنين، يحملون رؤيةً متكاملة، وينطلقون منطلقاً إيمانياً في التَّصَدِّي للعدو الإسرائيلي في أطماعه، وطغيانه، وإجرامه، وهو واضحٌ في أطماعه، وفي نطاق هذه الأطماع أنها واسعة.
فالعرب في أطروحتهم: [أنَّ المشكلة هي السلاح، وأنَّ الحل هو تجريد الفلسطينيين من سلاحهم في غزَّة، وتجريد اللبنانيين من السلاح الذي يحمي لبنان في لبنان]، هي أطروحة غبية بكل ما تعنيه الكلمة، وكما قلنا: تتناقض وتتباين مع الفطرة، مع المحسوسات، مع المشاهدات، وليس لها فقط أي مستند ولا اعتبار؛ وإنما هي مطلبٌ أمريكيٌ إسرائيليٌ يسعى بعض العرب لتحقيقه، وهذا شيء مؤسف جدًّا!
ولهـذا نكرِّر دائماً: أنَّ المسلمين جميعاً، بنخبهم، وحكوماتهم، وأنظمتهم، بشعوبهم، الجميع بحاجة إلى امتلاك رؤية صحيحة، عن طبيعة هذا الصراع مع العدو الإسرائيلي ومن معه، مع اليهود الصهاينة بأذرعهم، التي تعمل لتنفيذ المخطَّط الصهيوني؛ لأن تجاهل هذه المسألة: طبيعة هذا الصراع، وحيثيَّات هذا الصراع، ومن هو العدو؟ وماذا يريد؟ والتعامل بشكلٍ مجرَّد عن هذه الاعتبارات، وهذه الحيثيَّات، هو من الأسباب الكارثية، التي تورِّط الأنظمة والحكومات، وتدعمها بعض النخب، وتتماهى معها بعض النخب، وتتبنى ما هي عليه بعض النخب، من اعتماد خيارات غبية، كارثية، تخدم العدو؛ لأنها مطلب للعدو، تتحوَّل المسألة- في نهاية المطاف- إلى أنَّ يقدِّم الإسرائيلي إملاءات، تسعى أنظمة عربية، وتؤيِّدها نخبٌ بين الشعوب، والشعوب تسكت، وتجمد، تتبنى تلك المطالب الإسرائيلية، وعندما يقدِّم الإسرائيلي والأمريكي طلباً، فهو من منظور المصلحة الإسرائيلية الخالصة، يعني: الإسرائيلي ليس عدواً منصفاً، يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الجميع، ويرعى لهذه الأُمَّة مصالحها، الأمريكي أيضاً ليس طرفاً منصفاً، يتعامل بإنصاف وحرص، ويقول: [أنا أراعي مصلحتكم أيضاً]! لا، المنظور هو المصلحة الأمريكية الإسرائيلية الخالصة، دون أي اعتبار لهذه الأُمَّة، ولا احترام لها، ولا احترام لحقوقها، فالأمريكي والإسرائيلي حينما يطلب نزع سلاح المقاومة في لبنان، وتجريد لبنان من الوسيلة التي كانت هي الوسيلة الوحيدة لحمايته فعلاً على أرض الواقع، والجميع يعرف أنَّ الجيش اللبناني لن يحمي لبنان، لا من حيث القدرة والإمكانات التي تؤهِّله لمواجهة خطر بحجم الخطر الإسرائيلي، الذي تشارك أمريكا بدعمه بشكلٍ مفتوح، ولا من حيث القرار السياسي، وإلَّا لكان حماها، لكان حمى لبنان فيما قد مضى، يعني: هو الآن أعجز، هو لم يحمِ لبنان في كل المراحل الماضية، ولا في كل الظروف الماضية، والآن الخطر أكبر، والتَّحَدِّي أكبر، والجيش اللبناني أعجز مِمَّا قد مضى لذلك:
- في طبيعة الظروف والأوضاع.
- في مستوى القدرات والإمكانات.
- في تعقيدات اتِّخاذ القرار السياسي.
وهكـــذا فيمـــا يتعلَّـق بغـــزَّة، يريدون أن يجرِّدوا المقاومة من السلاح، تتبنى أنظمة عربية هذا الطرح، وفي نفس الوقت هم لم يفعلوا شيئاً لغزَّة، فكيف سيفعلون لها شيئاً ما بعد ذلك؟!
القضية بحاجة إلى فهم، طبيعة الصراع بحاجة إلى فهم، القرارات والخيارات ينبغي أن تكون مرتكزةً إلى وعيٍ حقيقي بالعدو، وبالقضية نفسها (القضية الفلسطينية):
- كيف هي بالنسبة للأعداء؟
- على أيِّ أساسٍ ينطلقون؟
- المرتكزات التي يبني عليها العدو، توجهاته، وقراراته، ومنطلقاته، ومواقفه.
كل هذا يتجاهله العرب.
و [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي
حول آخر التطورات والمستجدات الأسبوعية
الخميس: 13 صفر 1447هـ 7 اغسطس 2025م