نجد أنه في الإطار الآخر حينما يتحدَّثُ عن المنافقين كيف يصفُهم، قبل هذه الآية بآيات.
تحدث عن المنافقين فقال سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَـى في كتابه الكريم {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ} شكلية واحدة، طريقة واحدة، اتجاه واحد، سلوك متشابه، {يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ} هكذا يوصّفهم {نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُون، وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيم} هذه الآية أيضاً تضمنت فرزاً مهماً توصيفاً دقيقاً لحركة النفاق في الأُمَّـة، المنافقون والمنافقات ليس وجودهم في داخل الأُمَّـة وقوفاً جامداً وراكداً، وليسوا حالةً تعيشُ في واقعها الداخلي نفاقها فلا تتحَـرّك به في أوساط الأُمَّـة، لا، المنافقون والمنافقات هم حركةٌ في واقع الأُمَّـة، في أوساط الأُمَّـة، ليسوا منكفئين بنفاقهم على واقعهم الداخلي، لا، ليسوا حركةً انزوائية وتاركةً للأُمَّـة بسبيل حالها، حركة في أوساط الأُمَّـة، وأي حركة، أمراً بالمنكر، والمنكر عنوان واسع، المنكر فكرة، المنكر سلوكٌ، المنكر عملٌ، المنكر موقفٌ، المواقف التي يدعون الأُمَّـة إليها ويدفعون بالأمة إليها هي مواقف منكرة، هي غلط، هي في الاتجاه الخاطئ، الأعمال والتصرفات التي يحركون الأُمَّـة فيها ويجرون الأُمَّـة إليها هي شاذّة عن النهج الإسْـلَامي، عن القيم والأَخْلَاق، وهكذا الأفكار التي يحاولون أن ينشروها في أوساط الأُمَّـة هي أفكار ظلامية عفنة، ترجمتها العملية في واقع الحياة شر على الناس وسوء في واقع الحياة.
فهم لا يجمدون يأمُرون بالمنكر، لا يكتفون بأن يكونوا هم في تفكيرهم المنكر، ونظرتهم المنكرة، وواقعهم المنكر، وسلوكهم المنكر، إنما يأمرون بهذا المنكر في أوساط الناس، فيتحَـرّكون حركةً استقطابية في واقع الأُمَّـة بُغية أن يعمموا هذا المنكر في أوساط الأُمَّـة.
فتراهم في كُلّ مراحل التأريخ كلما برز موقفُ منكر كانوا هم دُعاتَه ورجالَه وحملتَه، والمستقطبون له، والضلال، والظلام، كُلّ أشكال المنكر لهم نشاط فيها، وينهون عن المعروف، يتحَـرّكون في الساحة حركة مضادة للمعروف، الموقف المعروف، الموقف الصحيح، الموقف الذي ينسجم مع الإسْـلَام في تعاليمه في مبادئه في قيمه في أَخْلَاقه، ينهون عنه، يصدون عنه.
يحاربونه يبعُدون الأُمَّـة عنه، السلوكُ المعروف، العمل المعروف، الفكر السليم، التثقيف الصحيح، المبادئ الصحيحة، كُلّ ما هو معروف من مستوى الفكر إلَـى واقع العمل، هم يتحَـرّكون ضداً له، إما بموقفٍ صارم وكامل، فيستهدفونه بشكل نهائي وإما حركة احتوائية وتزييفية.
هكذا هم، يعني هم حركةٌ تخريبيةٌ في داخل الأُمَّـة؛ لأنهم ينتمون إلَـى الإسْـلَام، ويحاولون أن يكونوا هم المعبّرون عن الإسْـلَام وغيرهم الغلط وهم الصح، ثم إنهم يتحَـرّكون على هذا النحو التخريبي والهدّام في واقع الأُمَّـة، فلذلك أثَـرُهم سيءٌ جداً في واقع الأُمَّـة؛ لأنه يطال حياة الناس وواقع الناس، يمُسُّ بكرامتهم يمس بحياتهم يمس بأمنهم، يمس باستقرارهم، يمس باستقلالهم، يمس بطبيعة الوجود العادي في الحياة، شر على الأُمَّـة، في مقابل حركته هم هذه في الحياة تحدثت الآية عن مستوى عذابهم وسخط الله عليهم بشكل عجيب جداً، جاء الوعيد الإلهي {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ} مع أنهم منتمون إلَـى الإسْـلَام، مع أنهم يصلون، مع أن البعضَ منهم لهم مساجدُ الضرار، والبعضُ منهم قد لا يصلي، هم فئات متنوعة، لكن منهم مَن يلبس لباسَ الدين، من لديه مساجدُ الضرار، منهم أيضاً مَن يتحَـرّك تحت عناوينَ إيمانية {مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّـهِ وَبِالْيَوْمِ} يعني كحركة وليس فقط كانتماء، كحركة يتحَـرَّكُ تحت هذا العنوان الإيماني، ولذلك قال (من يقول) لم يقل من قال، من يقول، يكرر ذلك يعني يتحَـرَّكُ تحته كعنوان، حركة تخريبية في واقع الأُمَّـة، مَن ننتظر؟!، مَن؟، ليتصدَّى لهذه الحركة التخريبية في واقع الأُمَّـة، نجدُ بعد أن نقرأ وعيدَ الله لهم برغم من انتمائهم للإسْـلَام {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ} لاحظوا في هذه الآية، بدأ بهم قَبل الكفار، في الوعيد الإلهي وذكرهم أولاً، والكفار بعدهم ثانياً {نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا، هِيَ حَسْبُهُمْ} هي كفايتهم، جهنميون ليس لهم إلا جهنم، بلغوا مبلغاً فظيعاً من السوء والتخريب والدور السلبي في واقع الناس، {وَلَعَنَهُمُ اللهُ} نعوذُ بالله من سخط الله، هذا يعبّرُ عن سخط كبير جداً عليهم من الله {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيم}، إذاً الدورُ الذي يواجه هذا الدور التخريبي في الأُمَّـة من الداخل هو الدور الإيماني (وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ)، الموقف المعروف في كُلّ زمن، رجالُه، دعاته، أنصاره، حمَلَتُه هم المؤمنون، (وينهون عن المنكر) مَن يقفون ضد المنكر، ضد المنكر موقفاً، ضد المنكر سلوكاً، ضد المنكر والباطل، حكماً وتسلطاً، ضد المنكر بكل أشكاله، المنكرُ الذي هو هدام في واقع الحياة، سلبيٌّ في واقع الحياة، سوءٌ في واقع الحياة، الذي يتصدَّى له من موقع المسئولية وبالقيم والأَخْلَاق والمبادئ والفهم والوعي والبصيرة هم من المؤمنون والمؤمنات (وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَه).
هكذا، الحركة الإيمانية هذه، الإمامُ زيدٌ عَلَـيْـهِ السَّـلَاْمُ عمِلَ على إحيائها في واقع الأُمَّـة، واتجه الاتجاه الصحيح؛ لأن البعضَ قد يقول: صحيح جيد. نأمُرُ بمعروف وننهى عن منكر، ولكن على البسطاء والمساكين، البعض سيتحَـرّك لإقامة المعروف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن إذا كانت المسألة في حدود التعاطي مع الناس العاديين البسطاء، لا، في حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اتجه رأساً وبادء ذي بدء وبشكل أساسي ومركَّز عليه تجاه القضايا الكبيرة، المسائل المهمة، المسائل الكبرى التي تنطوي على كُلِّ التفاصيل وتتفرَّعُ عنها كُلُّ التفاصيل، الإمامُ زيدٌ عَلَـيْـهِ السَّـلَاْمُ كان يعي ذلك جيداً كان يعي ما معنى قول النبي صلوات:
(أفضلُ الجهاد كلمةُ حَـقٍّ في وَجْهِ سُلطانٍ جائرٍ).
تحَـرّك الإمامُ زيدٌ عليه السلامُ حركةً شاملة حركة عامة، مواجِهاً لأصل المنكر لمنبع المنكر، السلطة القائمة التي هي منكرٌ بذاتها، منكرٌ بسياساتها، منكر بتوجهاتها، منكرٌ بما تفرضه في واقع الأُمَّـة، منبعٌ للمنكر ومصدرٌ للمنكر، ينتشرُ من خلالها المنكرُ في واقع الأُمَّـة وبقوة وبسلطة، فاتجه هذا الاتجاه نحو القضية المركزية القضية المهمة القضية الرئيسية، وواجه أصلَ المنكر، فتحَـرّك عَلَـيْـهِ السَّـلَاْمُ وهو يعي أهميةَ هذه المسئولية.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
من خطابُ السيّد / عبدالملك بدرالدين الحوثي / حفظه الله - في ذكرى استشهاد الإمام زيد 1438هـ.