مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

العلامة فؤاد محمد ناجي

لكل أمة ولكل شعب ودولة يوم وطني تجعل منه الحكومات مناسبةً لترسيخ معاني الولاء للوطن والحب للبلد وفرصةً للتذكير بالمنعطف التاريخي الذي تمثله هذه المناسبة والتي لولاها لما كانت الدولة ولما كان البلد على ما هو عليه .

 

وفي هذا اليوم يُتغنى بأمجاد من صنعوا هذا التحول ويعتبرونهم عظماءهم وشهداءهم شهداء الواجب والقضية والوطن, بل أبعد من ذلك تعتبر هذه الحكومات والدول أية محاولة لإلغاء التعظيم بهذا اليوم والتقليل من قيمته وشأنه هي محاولة انقلاب أو إنكار للأسس التي قام عليها الحكم في هذا البلد، ويجعلون من يسعى لذلك عميلًا ولا يتمتع بأية وطنية، والأمر كذلك فعلًاـ إن كانت الدولة عادلة ـ ولنتخيل لو أن أحدًا قلل من شأن عيد الوحدة أو سعى إلى إلغائه أليس معارضًا للوحدة وانقلابـيًّا عليها,

 

إذن فالأيام التي كانت منعطف تحولات تاريخية هي أيام مشهودة تتوارث الأجيال الحديث عنها وقد تكون تلك التحولات من الأحسن إلى الأسوأ ولو لم يتم إحياء مناسبة الوحدة مثلًا لتلاشت قيمتها ولما عرفت الأجيال قيمة الوحدة ومرارة التفرق والشتات " طبعًا مع احتفاظنا بملاحظاتنا عما شاب الوحدة اليمنية وتلاها من أحداث أدى إلى وضعها الحالي "

 

نقول هذا عن مناسبة بسيطة خاصة بشعب واحد فكيف بمولد رسول البشرية؟

 

إن الإحياء لمناسبة المولد النبوي يحمل دلالات كبيرة وعظيمة كلها إيجابية ولا أعتقد أن منصفًا يجد سلبية واحدة تنتج عن إحيائنا لهذه المناسبة العظيمة خصوصًا إذا كان إحياؤها بطريقة حضارية وواعية لاستلهام الدروس والعبر بعيدًا عن الطرق التقليدية التي تعتمد على السرد التاريخي الذي لا يلامس الواقع ولا يقدم الحلول .

 

ولا أخالف الصواب إذا قلت بأنه لا إثم ولا ذنب في هذه الطرق التقليدية إلا أن عيبها الوحيد هو عدم ربطها بالواقع وتقديمها للحلول من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

 

ـ ولكي نتصور دلالات إحياء المولد النبوي وأبعاد ذلك ونتائجه سواء على مستوى الأمة ومن منظور أبنائها أو على مستوى البشر والعالم ومن منظور بقية أبناء العالم من غير المسلمين أقول: لكي نتصور الدلالات تصورًا كاملًا تخيلوا لو أن الأمة بكل أبنائها أحيت هذه المناسبة كل في بلدته ومدينته ودولته.

 

كيف سيكون صدى هذه المناسبة العظيمة والفعالية الفريدة من نوعها؟ سيخيل للعالم أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم بعث من جديد، وستعرف قوى الاستعمار أن الأمة الإسلامية قد تفلتت من يديها وهيمنتها خصوصًا وهذه الأمة قد فرقها الاستعمار إلى دويلات صغيرة, وداخل كل دولة أحزاب شتى ومذاهب مختلفة ولا يمكن أن تجتمع على شيء ولا على سوق موحد ولا على كيان موحد ولا تحت راية واحدة في ظل الاستعمار العالمي .

 

هذه الأمة الضعيفة عندما تحيي المولد بهذه الصورة وبهذا المستوى معناه أن أكبر عوامل القوة موجود في فكر وجذور وحضارة هذه الأمة وأن كل مشاريع التمزيق والتفتيت قد باءت وستبوء بالفشل طالما وهم يجتمعون على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويستلهمون في يومه نقاط الالتقاء والاجتماع والتوحد تحت رايته وعلى ضوء منهجه .

 

إننا في الحقيقة نظلم هذه المناسبة حقها وقيمتها ودلالاتها الواسعة عندما لا تحييها مئات الملايين ولا تلتفت إليها ولا تعرف أهميتها .

 

ـ وبالتالي فدلالات المناسبة بهذا الشكل وبسبب عدم الاهتمام بها لا يعطي المناسبة حقها وهدفها المرجو وإنما تعكس الوضع المنقسم لأبناء الأمة .

 

ومن المؤكد أن المناسبة وحدها واليوم نفسه والفعالية ذاتها لا تكفي لصحوة الأمة حتى نعلق عليها كل هذا الأمل المنشود والكبير, لكننا نعتبرها أول خطوة في الطريق الصحيح خصوصًا وأن القاسم المشترك والشخصية الجامعة التي يمكن أن ننضوي تحت لوائها هو هذا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وإذا لم يجمعنا المصطفى ونجتمع تحت مشروعه الكبير فمعنى ذلك أن من الصعب والمستحيل الاجتماع والوحدة تحت أي مشروع آخر .

 

إن من دلالات وأبعاد إحياء هذه المناسبة العظيمة أننا أمة ذات حضارة عريقة جذورها ضاربة في عمق التاريخ وأن لنا استقلاليتنا لا يمكن أن نذوب في بوتقة العولمة ولا في مشروع التغريب الذي يحاول طمس معالم أمتنا .

 

أما إذا أحيا العالم عيد الميلاد والأعياد العالمية ونحن ظللنا هكذا متفرجين دون أن نقدم البديل ولا أن نبرز المعالم الخاصة بنا كأمة إسلامية فإن الحال سيكون كما وصلنا إليه اليوم من الانخراط والانهزام أمام الغزو الثقافي الذي أتى على كل شيء.

 

ومن ضمن دلالات المناسبة وأبعادها:

 

أن إحياء هذه المناسبة هو إحياء للرحمة والأخلاق التي أرسل لأجلها النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في قول الله سبحانه: (( وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين )). وقول المصطفى صلى الله عليه وآله: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". وبالتالي هو فضح للمشوهين والمسخ من الدواعش الذين قلبوا صفحة الإسلام الناصع وقدموا العنف والقتل بديلًا عن دين الرحمة, فإحياء المولد والتذاكر بمولد الرحمة يقضي على مشروع هؤلاء الذين هم في تصرفهم وعنفهم أقرب للكفر والإجرام منهم للإسلام .

 

إن الأمة اليوم وهي تعيش في عهد الجاهلية الثانية التي تمثلها أمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهما في أمس الحاجة إلى النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كمخلّص ومنقذ وكما يقال في الحكمة المشهورة: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها, وهل صلح أولها بغير القرآن والرسول صلى الله عليه وآله وسلم , وإحياء مولده هو بداية مرحلة لتجديد العهد بالسير على نهجه والمضي على مبدئه .

 

إن ما تعانيه الأمة من أمراض الطائفية والعنصرية التي عزف على وترها أعداء الأمة ليس له علاج إلا توسيع النظرة والأفق والالتفاف حول الرسول الجامع صلى الله عليه وآله

 

فكلُّهمْ مِنْ رسولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ ** غَرْفًا من البحرِ أو رَشْفًا من الدِّيَمِ

 

فالنبي يجمعنا مهما اختلفت رؤانا وهو العلاج الوحيد لمرض الطائفية والعنصرية التي أشعلت الحروب بين أبناء الأمة تحت مسمياتها المختلفة فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو مشروع الوحدة للعالم كله فكيف بأتباعه وأمته, وإذا لم تُستغل هذه المناسبة لتضميد الجراح والتسامي فوق الخلاف فإن ترك الفرصة غصة .

 

إن حاجتنا إلى النبي اليوم كحاجة الصدر الأول من الأمة إلى النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الذي بعث في عهد وأد البنات وانتشار الرذائل وانطماس من الهدى, وهذا النبي الكريم لن يُبعث إلى الحياة من جديد ولكننا مطالبون بإعادة بعثه في نفوسنا وواقعنا وحركتنا, وهذا المولد فرصة للانطلاق في الطريق الصحيح.

 

إن أعداء الأمة يراقبون ويتابعون باهتمام بالغ مناسبة المولد وأي مناسبة تحاول إعادة الأمة إلى أصلها الأصيل ومنبعها الأول ومصدرها الديني؛ لأنها تعتبر ذلك مقياسًا لنسبة الصحوة داخل هذه الأمة, ولعلنا نتذكر في العام الماضي عندما تزامن إحياء مناسبة المولد مع عيد رأس السنة الميلادي وكيف كان الاحتفال بالأخير مما حمل دلالات واسعة ومقارنات بين الثقافة الإسلامية ورسوخها والثقافة الغربية ورسوخها. والله ولي التوفيق.. 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر