{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} (الأعراف:142) وهي فترة قصيرة، فترة ثلاثين ليلة زايد عشر، أربعين ليلة، لاحظ كيف نظرة الأنبياء إلى أممهم، هو يعرف بأنه لن يغيب عنهم إلا ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة على الأكثر، يلاحظ من هو أرقى شخص، وأكمل شخص فيهم ليعينه بعده، {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} مع أنه قد انتقى أعلى شخص فيهم، وأيضاً يوجهه بالتوجيهات الهامة، أن تصلح، وأن لا تصغي للمفسدين.
فهل يمكن لمثل رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) أن يترك هذه الأمة عندما يموت ثم لا يرشدها إلى من تتبع، وموسى هنا لغياب ثلاثين ليلة، يعين بعده من يخلفه، لا يمكن من يعرف أنبياء الله أن يقبل هذه القضية، يقول: إنه ترك الأمة، ولم يعد له دخل منها؛ لأن الأنبياء ـ عادة ـ ناس مهتمين جداً بالبشر، مهتمين جداً بأممهم، رحيمين جداً، يفهمون الأمور، يعني: ألا يفهم أي ملك من الملوك، ما بالك نبي من أنبياء الله بأنه إذا لم يعين أحداً من بعده بأنهم سيختلفون، هذه قضية معروفة، فكيف يصمون أنبياء الله بأنهم هكذا: يغادر واحد منهم الدنيا ولا يعين أحداً، وهو يذكر هنا أنه لم يغادر موسى للميعاد هذا إلا ويعين أخاه.
رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) في أطول رحلة بعيدة عن مركز دولته، ومجتمعه، لم يسر إلى تبوك إلا وقد عين الإمام علياً بعده، لفترة قصيرة، وفي الأخير يقولون بعد: أنه مات ولم يوص أحداً، ولم يعين أحداً، ولا شيء، لكن أبو بكر أما هو فلم يمت إلا وقد أوصى إلى عمر، أليس هذا يعتبر استهانة بالأنبياء، جهل كامل بالأنبياء أنهم ناس يهتمون جداً بالأمة، ورحيمين بالأمة، ويعرفون الأمور، يعرفون المواضيع، يعرفون القضايا التي يمكن أن تؤدي إلى اختلاف فيما بين الناس، وليس كأنه ما صدق أن يموت ولو هم في ستين داهية، أبداً مهتمين بهم من بعد، خاصة مثل رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) هو يعرف أنه رسول للعالمين، وآخر رسول للعالمين إلى آخر أيام الدنيا، أنه رسول للكل، فعلاً تجد أنه عمل في ذلك الزمن ما يبين للناس في هذا الزمن، ما له علاقة بالناس في هذا الزمن من بعد ألف وأربعمائة سنة.
ثم في الأخير نجد كثيراً من الأمة يؤمنون بهذا من أجل أبو بكر وعمر، [رسول الله لم يستخلف]! حتى لا يلزمهم .. لأنهم يعرفون أنه لم يستخلف أبا بكر، يفهمون بأنه لم يستخلف أبا بكر، لا أحد يدعي بأنه استخلف أبا بكر أبداً في ولاية أمر الأمة، فقط يقولون: إنهم في الأخير أجمعوا عليه، بايعوه، وأجمعوا عليه.
قلنا: لكن قولوا لنا الآن في موضوع النبي نفسه، النبي نفسه أنتم قدمتموه بشكل .. يعني: إنسان لا يهتم بالأمة نهائياً، والله يقول له بعد أن يذكر له قصص الأنبياء السابقين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعام: من الآية90)، والرسول هو الذي نزلت عليه الآية هذه، وهذه الآية تبين بأنهم اختلفوا لغياب ثلاثين ليلة، على الرغم من أنه قد اختار شخصاً على أعلى مستوى فيهم، رسول الله ألا يمكن أن يفهم هذه؟ والله يقول له: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} يطلعون الأنبياء أغبياء، أغبياء، أبو بكر يعتبر أذكى من أعظم نبي منهم.
هذه تعتبر قضية سخيفة جداً، سواء تقولون: بايعوه من بعد، أجمعوا عليه، أو لم يجمعوا، المهم أن أكبر جريمة ارتكبتموها أن تقولوا: إن النبي (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) غادر هذه الحياة ولم يستخلف أحداً.
كان أجمل لكم أن تقولوا: إنه استخلف أبا بكر، كان أجمل لهم أن يقولوا: أنه استخلفه، وأنه أعلن ولايته، كان ما يزال في هذا حفاظاً على مقام النبي (صلي الله عليه وعلى آله وسلم)، لكن لا يوجد، حريصين جداً على موضوع خلافة أبي بكر، أنها تستقيم، ويضفون عليها شرعية، ولو أدوا برسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) إلى أن يكون مخالفاً لسنة الله في عباده، ومخالف لسنن أنبياء الله الذين أمره بأن يهتدي بهم، وكأنه لم يقرأ القرآن! قدموا النبي (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) وهو الذي أنزل عليه القرآن وكأنه لا يعرف القرآن!.
أي واحد منا وهو يرى هنا أن الله يحكي عن موسى أنه غادر قومه ثلاثين ليلة وعشر، أربعين ليلة، وهنا يقول وهو يوجه أخاه، ألم يستخلف أخاه، ثم بعد أيضاً اختلفوا وقد استخلف أخاه، أليس أي إنسان منا سيعرف أن هذه الحالة محتملة أن تحصل عند البشر، أن يختلفوا إذا لم تعين لهم أحداً؟ بل قد يختلفون ولو قد عينت لهم، لكن عندما تكون قد عينت لهم يعتبر ماذا؟ يعتبر تقصير من جانبهم.
وهي نفس القضية، أن الله يرسل رسولاً إلى الناس، وينزل عليه كتاباً يبين لهم، ثم في نفس الوقت يعارضونه، أليس هذا يحصل؟ هل كان بالإمكان أن نقول: إذاً لم يكن هناك حاجة إلى نبي ما دام وهو يدري أنهم سيعارضون، لا، يرسل رسولاً، وينزل كتاباً، وعندما يعارضون تكون المعارضة من جهتهم هم، المخالفة من عندهم هم.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
الدرس الثامن والعشرون – من دروس رمضان.
ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي/ رضوان الله عليه.
بتاريخ 28 رمضان 1424هـ
الموافق 22/ 11/2003م
اليمن ـ صعدة.