الموضوع الثاني: في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك التحق الإمام عليٌ -عليه السلام- بالرفيق الأعلى شهيداً، والإمام عليٌ -عليه السلام- هو أصيب في شهر رمضان في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان، لكنه نال الشهادة والتحق بالرفيق الأعلى في ليلة الحادي والعشري من شهر رمضان المبارك، وتعتبر هذه بالنسبة للإمام عليٍ -عليه السلام-، يعتبر هذا فوزاً عظيماً له، لقي الله -سبحانه وتعالى- في ليلةٍ قد تكون هي ليلة القدر شهيداً، مع رصيدٍ عظيمٍ جدًّا من العمل الصالح، والجهاد في سبيل الله، والهداية للعباد إلى دين الله، والمرتبة العالية جدًّا على المستوى الإيماني التي كان قد بلغها.
والإمام عليٌ -عليه السلام- هو في علاقتنا به وفي موقعه في الإسلام في المرتبة التي قدَّمه فيها الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، وتحدث عنها رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، ولذلك تعتبر أكبر نكبة وفاجعة للأمة من بعد وفاة الرسول النبي -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- هي استشهاد الإمام علي -عليه السلام-، تعتبر نكبةً كبيرة، وكيف لا تكون كذلك والرسول -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- قال للإمام عليٍ -عليه السلام-: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)، فالإمام عليٌ -عليه السلام- هو في هذه المنزلة، في هذه المرتبة، في هذا الموقع، منزلته من رسول الله محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- هي بمنزلة هارون من نبي الله موسى -عليهما السلام-.
في هذا الموقع المهم، في هذا المستوى العظيم، في هذه المنزلة المهمة كان الإمام عليٌ -عليه السلام-؛ ولذلك تعتبر نكبة كبيرة، وخسارة رهيبة على الأمة، وفي مرحلة من أخطر المراحل في تاريخ الأمة، ولذلك كان لاستشهاد الإمام علي -عليه السلام- تأثير كبير جدًّا في واقع الأمة، واستغل أعداء الأمة من المنافقين والطغاة والظالمين والجبابرة الفراغ الكبير الذي تركه رحيل الإمام علي -عليه السلام-، وتخاذل الأمة ما بعد ذلك عن الإمام الحسن -عليه السلام-، وعن الإمام الحسين -عليهما السلام-، فكانت النتيجة كارثية في واقع الأمة، وانتشر الضلال، وعمَّ الظلم والجور والملك العضوض.
الإمام عليٌ -عليه السلام- من خلال الأحاديث والنصوص التي وردت عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، وروتها الأمة كل الأمة باختلاف مذاهبها ومشاربها، يتضح لنا ما يمثله من أهمية في جانبين مهمين ورئيسيين:
الأول: أنه يقدم النموذج الأصيل والحقيقي والسليم عن الإسلام وعن الشخصية المسلمة، وهو هنا يقدم النموذج الذي لا تشوبه شائبة النموذج الأصيل، المتطابق حتماً مع المعايير والمواصفات القرآنية، فهو جسَّد قيم الإسلام ومبادئه، وحمل روحية هذا الدين وأثره في فكره، وفي وعيه، وفي ثقافته، وفي مبادئه، وفي أخلاقه، وفي سلوكه، وفي أعماله، وفي مواقفه؛ فكان بحقٍ قرآناً ناطقاً، وإيماناً متجسداً يمشي على الأرض، وهذا من أهم ما نحتاج إليه في واقعنا كأمةٍ مسلمة: إلى أن يتشخص لنا النموذج الحقيقي، النموذج الصحيح؛ لأن الأمة لها ارتباطات كثيرة بكثيرٍ من الرموز الدينية، بكثيرٍ من الشخصيات التي تقدم على أنها تمثَّل الإسلام، أنها حملته فكراً، وأنها تمثله سلوكاً وعملاً ومواقف، والكثير من هذه الشخصيات قد تكون شخصيات مزيفة أو تشوبها الشوائب، فهي لا تمثل حقيقة الإسلام والإيمان متكاملةً ونقيةً دون شوائب؛ إنما تشوبها الكثير من الشوائب، وهذا يترك تأثيراً سيئاً على الناس في ارتباطهم بمثل هذا النوع من القدوات المزيفة، التي يتأثرون بها تأثراً أعمى؛ فينعكس ذلك سلباً فيما يأخذونه عنها من الشوائب المحسوبة على أنها من لُبِّ الإسلام ومن جوهر الإيمان، ثم تقدم على أنها من القيم الأساسية للإسلام؛ فيعظم الالتباس، ويحصل الخلل.
تحتاج الأمة إلى أن يتشخص لها النموذج، الذي هو نموذجٌ سليمٌ وصائبٌ وصحيحٌ ومتكاملٌ وراقٍ؛ فتجعل منه النموذج الذي تحذو حذوه، ويتشخص فيه ويظهر فيه ويتجلى فيه أثر هذا الإسلام، وعظمة هذا الإسلام في كل مجالات الحياة، وفي كل الأبعاد والمعاني والجوانب في الشخصية الإنسانية؛ لأن الإمام علياً -عليه السلام- كان شخصيةً متكاملةً فيما حمله من هذا الدين، فكان هذا التكامل وهذا الكمال الذي قدم فيه أرقى صورة عن الإسلام، وعن الإيمان، وعن الدين الإسلامي.
ثم الجانب الثاني: وهو أيضاً في غاية الأهمية، وهو يمثل حلقة الوصل والامتداد الأصيل بالرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، ما بعد رسول الله اختلفت الأمة، وأتى الكثير الكثير، كلٌ منهم يقول: [قال الله، وقال الرسول]، ثم يقدِّم هذا شيئاً، وهذا شيئاً مختلفاً عنه، وهذا شيئاً مناقضاً له... وهكذا، ومعروف ما وصلت إليه الأمة من الاختلاف والفرقة في الدين وللأسف الشديد، فلا بد من معالم للحق، ما بعد وفاة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، ما بعد أن تدخل الأمة مثل هذه الحالة من الفرقة والاختلاف، وأن يكثر فيها الزيف، وأن يأتي الكل ليقدم نفسه أنه الناطق الرسمي باسم الإسلام، والمعبر الحقيقي عن الإسلام، والممثل الصادق لهذا الدين، فكان أول هذه المعالم من معالم الحق: هو الإمام عليٍ -عليه السلام-، وهذا ما ركَّز الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- ليوضحه للأمة، وليتحدث عنه في مواطن ومقاماتٍ كثيرة في حياته، فيما كان يتحدث فيه عن الإمام عليٍ -عليه السلام-، عندما كان يقول: (عليٌ مع القرآن، والقرآن مع علي)، ماذا كان يقصد بذلك؟ أليس القرآن هو كتاب الهداية، أليست الأمة ستأتي فيما بعد وفيها الكثير من الرموز والشخصيات العلمائية، ليتحدثوا عن القرآن ومن القرآن وباسم القرآن، الله حفظ القرآن من التحريف لنصه، لكن الأمة ستختلف على تأويله، على مفاهيمه، على معانيه، على مصاديق آياته، هنا الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- يحدد فيقول: (عليٌ مع القرآن، والقرآن مع علي)؛ ليؤكد هذا التلازم وهذا الاقتران، فعندما تختلف الأمة على التأويل، عندما تختلف الأمة على المفاهيم، عندما تختلف الأمة على المعاني، عندما تختلف الأمة على المصاديق، في الوقت الذي تقول فيه عن القرآن، وتتحدث فيه بالآيات القرآنية، فالذي هو مع القرآن والقرآن معه، وهو يقدم المفهوم الصحيح للآيات القرآنية، والمصاديق الحقيقية للنصوص القرآنية، والتأويل الصحيح المتطابق للنص القرآني، هو عليٌ -عليه السلام-، علم للحق، معلم واضح وبارز للحق، عندما قال الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-: (عليٌ مع الحق، والحق مع علي)؛ كذلك ليؤكد هذا الاقتران وهذا التلازم، فعندما تختلف الأمة على الحق، وهي- في نفس الوقت- تنطق عن الحق، وتعبر عن الحق، فكلٌ يأتي ليقول أنه هو الذي يقدم الحق، هو الذي يمتلك الحق، هو الذي يعرف الحق، على مستوى العقائد، على مستوى الشرع، على مستوى التفاصيل والمفاهيم، على مستوى المواقف، فأين هو الحق، بين كل الذي يأتون ليقدموا ما يقدمونه باسم أنه الحق، الرسول يقول هنا: (عليٌ مع الحق، - وأكثر من ذلك - والحق مع علي)؛ تلازم واقتران، فتلتمس وتتعرف على الحق من خلال ما قدمه عليٌ، هو الجهة المؤتمنة في هذه الأمة حلقت الوصل المؤتمنة، عندما الأمة تقول عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، وتتحدث عن الرسول، وتروي عن الرسول، ثم تروي المتناقضات، ثم تختلف فيما ترويه وفيما تنقله، وفيما تقدمه، فيقول هذا: [قال رسول الله]، والآخر: [عن رسول الله]، والثالث: [بلغنا عن رسول الله]، فهذا الحديث يختلف عن هذا، وهذا يتناقض مع هذا، وهذا يصطدم بهذا؛ هنا الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: (أنا مدينة العلم، وعليٌ بابها)، عليٌ هو الباب الذي نأتي منه، وهو حلقة الوصل الذي تربطنا بشكلٍ موثوقٍ ونقيٍ بدون أي شائبة.
ثم هكذا في علاقتنا الإيمانية، الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- عندما قال للإمام عليٍ -عليه السلام-: (لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)؛ ليكون الحب الصادق، الحب الذي يترتب عليه العمل والاقتداء والاتباع، ليكون هو المعيار والعلامة الفارقة بين المؤمن والمنافق في هذه الأمة، وهذه من أهم العلامات الفارقة في واقع الأمة، وهذا نصٌ متفقٌ عليه بين الأمة عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، فالمنافق لن يطيق علياً، لن يتقبل علياً -عليه السلام-، لا بد وأن يكون له موقف سلبي، أن تبرز منه حالة الاستياء حتى عند الحديث عن الإمام علي عليه -عليه السلام-، لا يرتاح لذلك، على حسب التعبير المحلي [يضبح]، وهذه حالة بارزة في الكثير من أبناء الأمة ممن كان لهم الدور السلبي- ولا يزال في تاريخ الأمة وإلى اليوم وفي عصرنا- حالة بارزة فيهم الاستياء من الإمام عليٍ -عليه السلام-، البغض لمولانا أمير المؤمنين عليٍ -عليه السلام-، والمحاربة للإمام علي -عليه السلام-، للحديث عن فضائله، عن مناقبه؛ لفصل الأمة عن التولي له، مع أن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- قال أيضاً فيما روته الأمة، واتفقت عليه الأمة، وصح عند الأمة: (يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه، فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِّ من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)، لا يتحقق لك الولاء الصادق لرسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، إلا بالولاء لأمير المؤمنين عليٍ -عليه السلام-، وفق هذا النص الواضح الصريح الذي جعل فيه التلازم ما بين التولي لرسول الله والتولي للإمام عليٍ -عليه السلام-، وإلا فأنت في الموقع الذي لم تتقبل فيه ما أتى به رسول الله؛ لأنه هو الذي يقول كل هذا: (عليٌ مع القرآن، والقرآن مع علي)، (عليٌ مع الحق، والحق مع علي)، (من كنت مولاه، فهذا عليٌ مولاه)... هو الذي يقول كل هذا، كيف يمكن أن تكون متولياً لرسول الله وأنت ترفض جملةً مما أتى به، مما بلغه، وهو بلغه عن الله، لم يكن اجتهاداً شخصياً، ولم يكن رأياً شخصياً، الله قال عن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 3-4]، ما قدمه يقدمه عن الله، ليست مسألة اجتهادات شخصية، أو آراء شخصية، أو إعجاب شخصي بالإمام عليٍ -عليه السلام-. لا، المسألة هي في غاية الأهمية، فالإمام عليٌ -عليه السلام- يمثِّل هذه الأهمية بالنسبة لنا كأمةٍ مسلمة، هذا ما يجب أن نرسخه وأن نركز عليه، لترسيخ الولاء والمحبة للإمام عليٍ -عليه السلام- في أنفسنا، في واقعنا، في علاقتنا الإيمانية، وأيضاً في أبنائنا وفي مجتمعاتنا، في جيلنا، ومن خلال أيضاً العناية بتعليم جيلنا ومجتمعنا ما قاله الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- عن الإمام عليٍ -عليه السلام-، وتعريفهم بسيرة الإمام عليٍ -عليه السلام-، دون الاكتراث للإرهاب الثقافي الذي يأتي من مبغضي الإمام علي -عليه السلام-، والذين يكفيهم سوءاً أن بغضهم له، عداوتهم له، استياءهم منه، عدم ارتياحهم للإمام علي عليه -عليه السلام- شاهداً على نفاقهم، وعلى خذلانهم، وعلى انحرافهم.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
الإمام عليٌ النموذج الأصيل وحلقة الوصل والامتداد للرسول والإسلام.
المحاضرة الرمضانية العشرون: 1441هـ 13-05-2020م.