ثم يقول -جلَّ شأنه-: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب: الآية23]، وفي الروايات: أنَّ أول مصداق وأول طليعة لهذه الفئة من المؤمنين الصادقين هم: (علي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب)، وتشمل كل المؤمنين الصادقين الأوفياء، الذين يلقون الله بالوفاء، وهم قائمون بواجباتهم ومسؤولياتهم، {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، ما تأثَّروا لا بالأحداث، ولا بالظروف، ولا صدمتهم المتغيرات ليتراجعوا عن مواقفهم؛ لأن مواقفهم نابعة من إيمانهم، ليست مواقف زائفة، فتجد كيف يتجلى موقف المؤمنين بثباتهم، بصبرهم، باستمراريتهم، بتحملهم للمسؤولية، وكيف يتحركون بناءً على هذا الأساس، لا يؤثر فيهم الإرجاف أبدًا.
نجد قول الله -سبحانه وتعالى-: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}، حشود آتية، وجيوش جرارة، {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران: الآية173] (فَزَادَهُمْ إِيمَاناً)، أيضًا عند المعاينة لجموع الأعداء وقوتهم لم يتراجعوا، {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً}، كذلك عند الشدائد، والمحن، والآلام؛ يزدادون ثباتًا ونقاءً، {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}[آل عمران: من الآية141]، خلصوا من الشوائب أكثر، بدلًا من أن تغرقهم، أو تعصف بهم تلك الشوائب فتخرجهم عن طريق الحق {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: من الآية146].
ثمرة الاستجابة لله -سبحانه وتعالى- هي صدق وعد الله، أن يحقق الله وعده، يمكن للناس أن يمروا بمتعرجات، بظروف صعبة، بتحديات، فإذا تجاوزوا الاختبار، وتجاوزوا تلك المراحل الصعبة بثباتهم، وإيمانهم، وتضحيتهم، ووفائهم مع الله -سبحانه وتعالى-؛ فالله يفي معهم، ولا يمكن أن يخلف وعده، هو قد وعد بالنصر، ولكنه يختبر ويمتحن، كما قال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}، اختبار أولًا: في من سيجاهد، واختبار ثانيًا: في من سيصبر، يصبر في المحطات والظروف الصعبة، من لدية روحية العطاء والثبات في كل المراحل، لا يتغير ولا يتبدل {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}، قناعتهم ثابتة، مواقفهم ثابتة، مسارهم العملي ثابت، ما هناك تبديل أبدًا، هذه الروحية الراقية المطلوبة. في الحالة الثانية: حالة التراجع التي تكشف عن خبث لدى الإنسان، وخلل كبير، ولا مصداقية في انتمائه، هذا جانب من الجوانب المهمة.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
محاضرة السيد الثانية بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام للعام 1440هـ-