يبيّن لنا السّيد كيف يقوم ويكون الاصطفاء الإلهي, وكيف هي السُّنّة الإلهيّة في الموضوع, مبيّناً أنّ الاصطفاء يأتي بشكل دوائر, على مستوى الأسر, وعلى مستوى الأشخاص, فالله سبحانه وتعالى يصطفي أسراً بعينها, ثمّ يصطفي من داخلها أعلاماً لدينه ولعباده, هم الأنبياء والرسل, أو ورثتهم, وأنّ لكلّ دائرة من هذه الدّوائر دوراً ومهمّةً منوطةً بها, فللأسر أدوارهم, ومهامهم المهمّة جدّاً في موضوع الاصطفاء, وللرّسل, أو القادة الأعلام دورهم كذلك, وكلّ هذه الأدوار تقوم على مدى التّمسك بالكتّاب, وحمل الرّسالة, وأنّ الله اصطفاهم, واختارهم ليقوموا بحمل رسالة الدّين, وتجسيدها في سلوكهم وواقعهم, فيشكّلون نموذجاً يقدّم الشّهادة على كمال الله, وعظمة دينه, ورقيّه, وجاذبيّته, وجماله, وروعته فينجذب, وينشدّ إليه الآخرون, يوضّح السّيد هذه المسألة من خلال القرآن الكريم, فيقول: (هنا لاحظ في مسألة الإصطفاء كيف يأتي بالشكل الذي نحاول دائماً أن نتحدث به لنفهمه جميعاً قضية [الدوائر] اصطفى آدم ونوحاً، اصطفى آل إبراهيم وآل عمران، أليس آل عمران من آل إبراهيم؟ في الداخل؟ آل عمران أسرة عيسى، وسيأتي الحديث بالنسبة لمريم بنت عمران ونذر والدتها، اصطفى آل إبراهيم كدائرة يصطفي من داخلهم أنبياء، ويصطفي من داخلهم ورثة للكتاب لمن يصطفيه على هذا النحو دور، وللدائرة هذه دور هام جداً ودور هذا ودور هذا كله يتوقف على مدى التمسك بالكتاب، ويأتي التأكيد للكل أن يتمسكوا بالكتاب, اصطفاهم لحمل مسئولية: إقامة دين الله، أن يكونوا هم من يحرصون على أن يجسدوا قيم الدين ويمثلوه في سلوكياتهم في واقعهم في مجتمعهم حتى تظهر قيمة هذا الدين أمام الآخرين لينجذبوا إليه وتظهر عظمته في نفس الوقت كشهادة على أنه على أرقى مستوى وأن البشر لا يستطيعون على الإطلاق مهما حاولوا أن يقننوا لأنفسهم أو يضعوا مناهج ثقافية لأنفسهم لا يستطيعون أبداً أن يرتقوا إلى جزء مما يمكن أن يتحقق على طريق الإلتزام بهدى الله سبحانه وتعالى) سورة آل عمران الدرس الثالث عشر.
ويؤكّد السّيد أنّ الاصطفاء والتّفضيل الإلهي هو عبارة عن مسؤوليّات, ومهام يتحمّلها, ويقوم بها من هو في مقام التّفضيل, والاصطفاء, سواءً على مستوى الأسر, أو على مستوى الأشخاص, لأنّ التّفضيل ليس عبارة عن مقامات, وأوسمة فقط, بل هو أولاً وأخيراً يعني التّحمل للمسؤولية, وأعبائها, والقيام, والنّهوض بها, وتجسيد قيمها, ومبادئها العظيمة فيقول: (وكما نؤكد دائماً بأنه هكذا مسألة الإصطفاء، التفضيل هي كلها مسئوليات ومن اصطُفي سواء اصطفاء شخصي أو اصطفاء على مستوى دائرة معينة تجد الخطاب لهم دائماً أن يتمسكوا بالكتاب، يقول لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾[الزخرف: من الآية 43] ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾[هود: من الآية 112] ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾[الشورى: من الآية 15] ويقول للكل: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾[البقرة: من الآية 63]) سورة آل عمران الدرس الثالث عشر.
السُّنّة الإلهيّة في الاصطفاء هي تأتي من أجل النّاس أنفسهم, وتشكّل ضمانة لهم في حمل المسؤولية الدّينيّة, والقيام بها, وضمان استمرارها, وعدم انقطاعها, وأنّه بالرّغم ممّا قد يحصل من هنا أو هناك من أخطاء, وتجاوزات إلاّ أنّه يبق المجال أمام القيام بالمهمّة, وحمل المسؤوليّة, والنّهوض بها في مجال هداية الناس وإنقاذهم قائما داخل الأسر, والدّوائر الّتي يصطفيها الله سبحانه وتعالى, وتكون هناك نماذج عالية يُقتدى بها, وهذا ممّا يعزّز الثّقة بالله سبحانه وتعالى وبدينه, يقول السيد: (تجد هنا على الرغم مما ذكر داخل بني إسرائيل الصفحات السوداء القاتمة فعلاً في تاريخهم تجد كان هناك - سواء على مستوى أفراد أو أسر أحياناً قد يكونون قليلاً وأحياناً قد يكونون كثيراً - نماذج عالية, في قصة طالوت وجدنا نماذج عالية تلك المجاميع التي بقيت معه الذين يقول المفسرون: بأنهم ربما لا يتجاوزون ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر شخصاً قد كانوا نماذج عالية من داخل بني إسرائيل، آل عمران أسرة متميزة داخل بني إسرائيل داخل آل إبراهيم هذه لها قيمتها بالنسبة للناحية العقائدية من ناحية الأمل بأنه تلك الدائرة التي اصطفيت كما قال هنا: [آل إبراهيم] مهما وجدت داخلها من أشياء مهما وجدت لن تعدم داخلها من يكونون هداة كما قال الإمام زيد بن علي (صلوات الله عليه): »إن في أهل بيتي المخطئ والمصيب إلا أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم« وهذا يعزز الثقة بالله سبحانه وتعالى ويزيح من ذهنية أي شخص مسألة التصنيفات عندما يقول: [لاحظ كيف فيهم وفيهم وفيهم كيف يمكن يأمرنا باتباعهم] أو أشياء من هذه أليس البعض يقولون هكذا؟ [فيهم وفيهم وفيهم كيف نتبعهم وهم كذا وكذا] هو قال في آية أخرى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر: من الآية 32]) سورة آل عمران الدرس الثالث عشر.
ويوضّح السّيد المسألة أكثر مع ما حصل في تاريخ بني إسرائيل, وبالرّغم من الصّورة القاتمة التي قدّمها الله عنهم في القرآن الكريم, إلاّ أنّه كان لا يزال داخلهم شخصيّات, وأسر, ونماذج متميّزة جدّاً, تشكّل ضمانة للرّسالة الإلهيّة وللدّين الإلهيّ, فيقول: (ألسنا نجد هنا في داخل بني إسرائيل شخصيات عالية على مستوى هداة وأتباع على درجة عالية من الإلتزام والمعرفة والحكمة والرؤية؟ لأن ما عرض علينا في قصة طالوت وجنوده تجد فئة متميزة بقوة إيمانها تجد عندها أيضاً رؤية صحيحة فهماً صحيحاً، هذه تعطي الإنسان أملاً بأنه مهما كانت مهما وصلت الحالة ما يزال ذلك الإصطفاء الإلهي قائماً، وكما قال الإمام زيد» إلا أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم«) سورة آل عمران الدرس الثالث عشر.
ولهذا أمرنا نحن المسلمين بالإتّباع, والمودّة لأهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله), بحيث نبقى مهيّئين نفسيّاً, ومعنويّاً لتقبّل الهداة الأعلام, لأنّه إذا لم يكن لدينا ميل نحوهم, ومودّة لهم, فمعنى هذا أنّنا لن نهتدي لمعرفة الأعلام الهداة منهم, الذين يصطفيهم ويختارهم الله, فيجب أن لاّ نقفل المجال نحن على أنفسنا أوّلاً, ونغلق باب الاصطفاء والاختيار الإلهيّ, وفهمنا ومعرفتنا للسُّنّة الإلهيّة في موضوع الاصطفاء تؤهلّنا لمعرفة المصطفيين والهداة, وهذا فضل من الله ونعمة, يقول السيد: (لهذا أُمِرَ الناس فيما يتعلق بأهل البيت بمودتهم فيما تعنيه المودة تعني ميل إلى جانبهم نوع من الميل إلى جانبهم على أساس أنه أنت لديك ميل إلى هذه الدائرة وأنت في نفس الوقت تعرف كيف سنة الله داخل هذه الدائرة وكيف تتعامل مع هذه الدائرة مع دائرة أهل البيت، وهي نفسها القضية التي كان عليها بنو إسرائيل أي عندما يأتي في هذه الآية بكلمة: [اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم] وكل ما تقدم من أشياء تلك الصور القاتمة جداً أليست من داخل ناس من آل إبراهيم؟ ما يزال الإصطفاء قائماً في تلك المرحلة التاريخية الطويلة ولم يكن مثلاً ما هناك من صفحات سوداء بالشكل الذي يقفل الباب أمام أن يكون من داخلهم هداة وأن يكون داخلهم أسر متميزة وأتباع متميزون وشخصيات متميزة) سورة آل عمران الدرس الثالث عشر.
ويضيف السّيد في نفس الدّرس عند قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾[آل عمران: الآية 42] أنّ هذا من المظاهر الدّالة على أن الأمر بيد الله سبحانه وتعالى, وأنّ الحكم والاختيار له, يقول السيد: (هذا مظهر من مظاهر أن الحكم لله أن الإختيار لله أن الإصطفاء قضية يختص بها الله سبحانه وتعالى، وكم هناك في بني إسرائيل من نساء وكم هناك من رجال وكم هناك من علماء في الكنائس والمعابد, وكم هناك من كبارات وموجودين كانوا, لكن لن يكون أحد منهم أباً لعيسى فضلاً عن أن يكون هو نبياً أليست هذه قضية؟ فإذا هم يجدون بأنه لماذا اصطُفي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) نقول: هكذا تم الإصطفاء داخلكم على هذا النحو ألم يتم الإصطفاء داخلهم على هذا النحو؟) سورة آل عمران الدرس الثالث عشر.
ويؤكّد السّيد أنّ موضوع الاصطفاء لا يكون قضية مجهولة, ومباغتة لمن يصطفيهم, ويختارهم الله, لأنّ مؤهّلات, ومميّزات الاصطفاء الإلهيّ تكون بارزة, ومتميّزة داخل هذه الأسر, والدّوائر التي يصطفيها الله, فيقول: (موضوع الإصطفاء نفسه أعني: أنك تلمس أسرة متميزة نفس الأسرة متميزة آل عمران هذه الأسرة التي من ذرية آل إبراهيم التي منها مريم ابنت عمران نفس الأسرة تلك متميزة أعني الأجواء داخلها صالحة للإصطفاء الفردي مريم لتكون أماً لنبي اصطفاه الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإصطفاء لا تكون قضية مجهولة بالنسبة للمصطفين لا تكون قضية مجهولة، لذلك نحن نستبعد دائماً أن يكون الوحي نزل إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بتلك الصورة المفاجئة - مثلما يقولون - لا تكون القضية مجهولة أبداً لاحظ موسى بن عمران (صلوات الله عليه) ألم تُشْعَر أمه؟ ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: من الآية 7]) سورة آل عمران الدرس الثالث عشر.
ويؤكّد السّيد على هذه القضية فيبيّن أنّ كلّ الدّلالات والمؤشّرات تكون قائمة حتّى لدى الناس أنفسهم بشكل عام، سواءٌ على مستوى الأسر المتميّزة، أو على مستوى التهيئة والتمهيد الإلهي، أو على مستوى الوضعيّة كما هو واضح في قضيّة وموضوع الصّديقة مريم ابنت عمران، ونبيّ الله عيسى، ونبي الله موسى عليهم السلام، يقول السيد: (هل موسى مثلاً لم يكن يعرف بمهمته لا يعرف بأنه قد يكون منوطاً به دور هام جداً إلى أن تفاجئه النبوة في ذلك المكان؟ ذلك بداية القيام بالمهمة، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كذلك من قبل ولادته؛ لأن مسألة الإصطفاء تكون قضية يكون هناك تمهيد لها واسع وكبير، لا تأتي هكذا مفاجئة يظهر نبي ما يكون هناك تمهيد، يكون هناك حتى على مستوى الوضعية على مستوى وضعية المحيط محيطه بكله وضعية الأسرة نفسها هنا يقول: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ﴾ أليسوا يشعرون بهذا؟ ﴿وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾) سورة آل عمران الدرس الثالث عشر.
ويضيف السّيد في نفس الدرس أنّ الاصطفاء كما هو يأتي بشكل دوائر وأشخاص, فإنّه كذلك يكون بشكل مهام وأدوار, فهذا يكون له دور, وهذا يكون له دورٌ أوسع, وأنّ المسألة بكلّها تنتهي إلى ضرورة التّسليم المطلق لله سبحانه وتعالى, يقول السيد: (نلحظ أيضاً في القضية هذه في مجمل القصَّة هذه زكريا, ويحيى بن زكريا, ومريم, وعيسى: أن الإصطفاء قد يكون أحياناً يكون اصطفاء لأدوار معينة يحيى بن زكريا نفسه نبي، ومصطفى اصطفاه الله له مهمة معينة له دور معين، أعني تنتهي المسألة بأنه يجب على الناس أن يكونوا مسلِّمين لأمر الله هذه قضية، مسلِّمين لأمر الله لا يضعون هم شروطاً أمام الله حدوداً لتدبير الله مثلما حصل من بعد في ثقافتنا أي تجد هنا يحيى بن زكريا, وتجد مريم, وتجد زكريا, وعيسى, أسرتين متقاربة, وفي نفس الوقت هناك نبي ومصدق بنبي سيأتي, هذا النبي له دور, وهذا النبي له دور أوسع) سورة آل عمران الدرس الثالث عشر.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.