وأنت عندما تنطلق كطالب علم, يقول طلاب العلم أنهم يريدون أن يعرفوا الحق، وأنه تفرغ لطلب العلم من أجل أن يعرف الحق, ويعرف كيف دين الله؟ إن هناك أعمال هي نفسها وسيلة من وسائل الهداية المهمة لتعرف الحق في كل شيء {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69)، {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (القصص:14).
لا تفكر أن العلم هو كل ذلك الذي يعطيك أستاذك، أو كل ذلك الذي تحصل عليه من داخل الكتاب، انطلق في الأعمال التي هي أعمال إحسان كبير عند الله لتكون ممن يعطيه هذا الجزاء العظيم {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ} (يوسف: من الآية22) {آتَيْنَاهُ} ولم يقل أوتي من أي طرف آخر {آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ}(يوسف: من الآية22) وهكذا كسنة ثابتة {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}(يوسف: من الآية22) المحسنين, وأرقى درجات الإحسان هي الدرجة التي قال الله عن أصحابها: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ألم يعد الجهاد هنا هو الإحسان الحقيقي؟.
فطالب العلم الذي يرى نفسه بأنه في طاعة الله وهو هناك، يرى مجاميع كهذه يضيعون أوقاتهم - من وجهة نظره - وهم يستمعون للمحاضرات, أو ينطلقون في أعمال ويشغلون أنفسهم عن أن يبقوا في زاوية المسجد على شرح [الكافل] أو على أي كتاب آخر يراهم خاسرين, ويرى نفسه هو أنه من عرف الطريق الصحيح، وأنه ها هو يشتغل بطلب العلم.
إن طلاب العلم, ومن يحملوا العلم إذا ما اتجهوا هذا الاتجاه هم من سيحصلون على العلم الحقيقي فعلا {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ - ماذا؟؟ حُكْماً وَعِلْماً}.
وكم وجدنا, كم وجدنا ممن قطعوا أعمارهم في زاوية من زوايا بيوتهم بين ركام الكتب يظنون أن هناك العلم وحده، وأن ذلك مصدره وحده, كم وجدنا لهم من أقوال، كم وجدنا من الجهالات، وتجد لأولئك المجاهدين كالخميني مثلا وكالإمام زيد، وكالإمام الهادي, وأمثالهم من المجاهدين تجد الحكمة, وتجد العلم, وتجد الهدى لديهم، وهم بعضهم لم يعش كنصف عمر ذلك الشخص الذي عاش ستين سنة أو سبعين سنة في زاوية من زوايا بيته بين ركام الكتب، ترى في أقواله الكثير من الجهالات، ترى في عقائده, في نظراته الكثير من الأخطاء.
لأن النظرة من أساسها خاطئة، أن تظن أن هذا الكتاب أو ذلك الكتاب هو كل شيء.. إن الله سبحانه وتعالى لم يجعل حتى القرآن بدلا عنه، هو من يهدي, وهو من يعلِّم, وهو من يؤتي الحكمة من داخل كتابه، وممن يشدهم كتابه إليه، وليس لمن يرون كتابه حتى كتابه بدلا عنه، فكيف بمن يرى كتبا أخرى هي من كتب البشر بدلا عن أن يجاهدوا في سبيل الله, وأن يكونوا من المحسنين ليحصلوا على العلم والحكمة من قبل الله.
ثم كم وجدنا ممن حملوا علما وليس لديهم حكمة.. ومتى كان للإنسان علم دون حكمة يتحول علمه إلى ماذا؟ إلى صد عن سبيل الله في أغلب الحالات، يتحول علمه إلى إضلال.
الإنسان يحتاج إلى حكمة مع علمه وهو يتجه بعلمه إلى نفسه، ويحتاج إلى حكمة مع علمه وهو يدعو الآخرين إلى ربه، إذا ما فقدت الحكمة وأنت تعلم نفسك ستفقد الحكمة وأنت تعلم الآخرين، من أين تأتي الحكمة؟ لا يستطيع أحد أن يؤتيك الحكمة إلا الله سبحانه وتعالى، وهو هو من قال لشباب كانوا في مراحل التعليم {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} شابا، وقد يكون البعض يرى بأنه قد بلغ السن الذي فاته فيه أن يتعلم. نشأ يوسف في مصر، من الذي علم يوسف؟ ألم يأخذه أخوته وهو صغير, وسجنوه في البئر, ثم مشى وقطع فترة طويلة من عمره داخل قصر يشتغل أشبه شيء بخادم؟!.
ثم موسى من الذي علمه في مجتمع كذلك المجتمع, مجتمع الفراعنة؟ هو الله سبحانه وتعالى الذي قال: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.
ثم انظر كيف كانت مواقف موسى, ذلك الذي نشأ في بيئة جاهلة، ألم ينشأ في بيئة جاهلة في مصر، مصر الفرعونية، هل كان هناك مراكز؟ هناك مدارس علم؟ ربما قد يحصل لديه القليل مما يعرفه عن ديانة آبائه من بني إسرائيل, لكنك تجده في القرآن يقدم حكيما قبل النبوة، ويقدم عالما قبل النبوة أيضاً, من أين جاء هذا؟ لأنه انطلق كما قال الله عنه في مجالات الإحسان فآتاه الله حكما وعلماً.
كذلك يوسف ألم يكن تصرفه حكيماً, ومنطقه حكيماً وهو في مصر؟ والنساء يحاولن وراءه، ثم وهو في السجن، ثم وهو كوزير للاقتصاد, أو وزير للمالية، ألم يكن منطقه حكيما وتصرفه حكيماً؟ ألم يكن استقباله لأبويه وإخوته حكيماً ومنطقه معهم؟ من أين جاء هذا؟ من الله سبحانه وتعالى.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة معرفة الله وعده ووعيده
الدرس الخامس عشر
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 8/2/2002م
اليمن – صعدة