كما تكرر في القرآن الكريم في آيات كثيرة -: إن من أعظم ما يؤكد عليه القرآن الكريم ويعمل على ترسيخه في النفوس هو: الشعور بكمال الله المطلق، أي هو من لا يحتاج أبدًا إلى غيره، هو الكامل، فعندما نصفه ونسميه كما سمى نفسه ((عليم)) فهو العليم الذي لا يجهل شيئًا، هو الذي أحاط علمه بكل شيء، هو عالم الغيب والشهادة.
ومتى ما سمعناه يسمي نفسه بأنه قدير فإنه يقول: {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (فصلت: من الآية39) لا يعجزه شيء، والقرآن الكريم عمل على ترسيخ مبدأ الكمال، كمال الله سبحانه وتعالى، وهو المبدأ الذي استطاع أن ينسف الشرك من نفوس العرب، عندما جاء ليقول لهم: إن الإله يجب أن يكون كاملًا، الإله الذي يستحق العبادة يجب أن يكون كاملًا كمالًا مطلقًا، أما إذا كان ناقصًا محتاجًا فغيره أكمل منه، إذًا فغيره أولى بالعبادة له منه، فتحدث عن أصنامهم بأنها لا تنفع ولا تضر، لا تسمع، لا تبصر.. ألم يتحدث في القرآن الكريم عن هذا كثيرًا؟
نبي الله إبراهيم عندما حطم تلك الأصنام؛ ليثير في نفوس قومه أن هذه الأصنام التي تعبدونها ناقصة قاصرة، لا تستطيع أن تنفع ولا تضر، لا تستطيع أن تدفع عن نفسها فكيف يمكن أن تدفع عنكم، فلماذا تعبدونها؟! إن من يجب أن تعبدوه هو الله سبحانه وتعالى الكامل، ذي الكمال المطلق، الذي لا أحد يستطيع أن يقهره، الذي إذا التجأت إليه نفعك، إذا خرجت عن نهجه وتجبرت عليه ضربك، ويستطيع أن يضربك، ويقول لك: بأن كل من في السموات والأرض جنود لـه: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الفتح: من الآية4) {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} (الأنبياء:64) عرفوا أنه فعلًا أصنام تتحطم هي ناقصة، فكيف نعبدها، ماذا يمكن أن تعمل هذه الأصنام؟ من أي وجه تستحق العبادة؟ أيّ كمال لها تستحق به أن نعبدها، ونُخْضِع أنفسنا لها، ونثنيَ عليها.
وهكذا استطاع القرآن الكريم أن ينسف الشرك من نفوس العرب إلى الآن، هل هناك صنم في البلاد العربية ركزوه من جديد ليعبدوه؟ انتهى الموضوع؛ لأن كل واحد يتساءل لماذا أنصب صخرة، أو خشبة، أو تمثالًا فأعبده وأؤلهه، ماذا يمكن أن يعمل؟ لماذا أعبده؟ بأي وجه يستحق العبادة؟ أي كمال فيه يستحق أن أعبده، واثني عليه، وأمجده، وأعظمه وأقدسه؟ انتهت.
فعندما نسمع أن من عقائدنا: أن الله سبحانه وتعالى لا يشبه شيئًا، ولا يجوز أن يشبه شيئًا؛ لأن كل الأشياء غيره سبحانه وتعالى فيها دلائل الحدوث، فلو كان مشبهًا لأي شيء من مخلوقاته لكان قد أصبح ناقصًا محتاجًا كمثلها، ولكان هو في نفسه دليلًا على أن هناك طرفًا آخر هو أكمل منه، وهذا نسف للألوهية من أساسها، نسف لاستحقاقه الألوهية والربوبية من أساسها؛ لأننا سنقول فيما بعد: إذًا ذلك الذي منحك هذا الذي أنت عليه هو أجدر بالعبادة، هو أكمل منك، وتلاحظون أن مبدأ الكمال - أيضًا - هو مما رسخه الله سبحانه وتعالى في نفوسنا، فطرة فطر الناس عليها.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
معرفة الله – عظمة الله – الدرس الثامن
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 26/1/2002م
اليمن – صعدة